لماذا أعادت واشنطن الآن علاقاتها مع كوبا؟
حميدي العبدالله
كتب وسيُكتب الكثير من التحليلات حول تداعيات قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما إعادة العلاقات الدبلوماسية بين بلاده وبين كوبا المقطوعة منذ مطلع عقد الستينات من القرن الماضي.
بديهي أن تستأثر العلاقات الأميركية الكوبية بكلّ هذا الاهتمام الدولي لأسباب عديدة أبرزها أنّ كوبا كانت رمزاً أساسياً من رموز الحرب الباردة بين النظامين الاشتراكي والرأسمالي، كما أنها معيار أساسي يقاس عبره مدى قوة واندفاع الولايات المتحدة، ومدى ضمور وتقهقر هذه القوة بعد أن حوّلت واشنطن المسألة الكوبية إلى مسألة مركزية في سياستها الخارجية على امتداد عقود الحرب الباردة وما بعدها.
لكن الجدال لن يتوقف حول التداعيات، وما هو هامّ يوازي بأهميته هذه التداعيات، هو توقيت عودة العلاقات بين البلدين، والأسباب التي دفعت الإدارة الأميركية إلى التخلي عن تعنّتها السابق، وما علاقة هذه الأسباب بمكانة وقوة الولايات المتحدة؟ ولعلّ هذه المسألة لها تأثير على مستقبل العلاقات الدولية يوازي تأثير تداعيات استئناف العلاقات الديبلوماسية بين البلدين على مجمل النظام الدولي القائم.
ثمة ما يشبه الإجماع بين المحلّلين والخبراء بأنّ الخطوة جاءت بمبادرة أميركية، وإنْ كانت كوبا تتطلع دائماً إلى تطبيع علاقاتها مع أكبر دولة في العالم، ولكن واشنطن هي التي وقفت حائلاً دون ذلك، كما أنّ المحلّلين والخبراء يجمعون على الأسباب التي دفعت واشنطن إلى الإقدام على هذه الخطوة، وبين هذه الأسباب، فشل نظام العقوبات، أولاً في إركاع كوبا وتوفير شروط إسقاط نظامها الوطني الاشتراكي، وثانياً في منع تأثير كوبا التحرّري ليشمل الأميركيتين، كما أنهم يجمعون على تفسير توقيت هذه الخطوة لتسهيل انعقاد القمة التي تضمّ دول الأميركيتين التي دعت إليها إدارة أوباما، حيث أبلغت غالبية حكومات دول أميركا اللاتينية الإدارة الأميركية بأنها لن تشارك في القمة ما لم تشارك فيها الدولة الكوبية.
لكن ثمة عاملين مهمّين يفسران توقيت عودة العلاقات الأميركية الكوبية الآن، إضافة إلى العوامل التي مرّ ذكرها:
العامل الأول، تقهقر مكانة الولايات المتحدة دولياً وإقليمياً، ولا سيما بعد عودة الصراع مع روسيا وحلفائها الدوليين، حيث بات واضحاً أنّ الولايات المتحدة في ظلّ أزماتها الاقتصادية غير قادرة على مواصلة السياسة القديمة من دون كلفة باهظة، فأميركا اليوم، من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، غير أميركا في العقود السابقة عندما فرضت الحصار والعقوبات على كوبا، والأفضل لها أن تبادر إلى تطبيع العلاقات مع كوبا بالتوقيت الذي تختاره هي، أفضل من أن يُفرض عليها هذا الخيار بمناخ يوحي وكأنّ الخطوة هي عملية استسلام.
العامل الثاني، حاجة أوباما إلى مكسب سياسي يدخله التاريخ، فإذا كان الرئيس بوش الابن دخل التاريخ من باب الحرب، وإذا كان الرئيس كلينتون دخل التاريخ من باب الازدهار الاقتصادي، وإذا كان الرئيسان ريغان وبوش الأب دخلا التاريخ عبر الانتصار في الحرب الباردة، والرئيس نيكسون في تطبيع العلاقات مع الصين والخروج من حرب فيتنام، فإنّ أوباما ليس متاحاً أمامه لا شنّ حرب جديدة، ولا تأمين ازدهار اقتصادي يدخله التاريخ، ولذلك يبذل جهداً لاختراق في الملف النووي الإيراني يطبّع العلاقات مع أكبر دولة إقليمية في الشرق الأوسط، واليوم يعيد العلاقات الدبلوماسية مع كوبا ليدخل من بوابتهما التاريخ.