الخطيئة: حزب الله يطوّق «إسرائيل»
روزانا رمّال
في كلّ مرة تعمل «إسرائيل» على تقويض قدرة حزب الله، تسيء الحساب، كما في كلّ مرة تشنّ حربها على لبنان وعلى مواقع حزب الله.
لكنّ الحساب هذه المرة مختلف، فقد اندلعت حرب مضنية في المنطقة مع التنظيمات التكفيرية المتطرفة، وإذا كان هناك من جهة استفادت من تلك الحرب، فقد استفادت من خلافات العرب وتناحرهم مع عدو متطرف هو «إسرائيل»، لذلك غذت الأخيرة تلك التنظيمات بالسلاح وأمّنت لها الممرّات الاستراتيجية، بمشاركة معلنة في أكثر من مرّة، فكان لها في القصيْر مشاهد وشواهد وبقايا لعتادها، بالإضافة إلى غارات متعدّدة على سورية، وصولاً إلى دعم موشي يعالون لـ«جبهة النصرة» رسمياً في أحد تصريحاته حين قال «إنّ جبهة النصرة الموالية لتنظيم القاعدة تمتنع عن الاقتراب من السياج الحدودي مع إسرائيل، وإنّ إسرائيل تمدّ الميليشيات المتطرفة التكفيرية بمساعدات إنسانية».
لم يكن الاعتراف مُحرجاً بالنسبة إلى أيّ من الطرفين، وهو اعتراف بالمصلحة المتبادلة بين «إسرائيل» والجماعات التكفيرية التي أعلنت بدورها أنّ الهجوم على «إسرائيل» ليس أولوية لديها على الإطلاق، بل الأولوية إيران وحلفاؤها، بذلك عرفت «إسرائيل» أنّ الخطة سلكت طريقها، وخلافاً لحلفائها العرب والغربيين كانت فرحة بما تسميه «تورّط حزب الله في الحرب السورية».
وبينما كان الضغط على حزب الله قد بدأ منذ معارك القصيْر للانسحاب من سورية في تصريحات كيري وهولاند، ووصل إلى حدّ اختراع لوائح إرهاب خليجية وُضع ما سُمي «الجناح العسكري» للحزب في صدارتها، كانت «إسرائيل» تراهن على أنّ هذا التورّط سيشتِّت قوة الحزب ويضعف قدرة الردع لديه، وكشفت تصريحات رؤساء الأركان عن متغيّرات في الموازين تبيّن أنها بُنيت على ما ترتب على المشاركة في سورية.
ومرّت سنتا 2012 و2013 تحت هذا العنوان إلى أن أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في أحد خطاباته جاهزية الحزب للحرب، لتبدأ مرحلة جديدة بعد عملية مزارع شبعا، عندها أيقنت «إسرائيل» أنّ قوة الحزب لم تتاثر وأنّ جبهتها الشمالية لا تزال رازحة تحت الخطر نفسه.
لم توفق «إسرائيل» في حساباتها، ولم تضعف قوة حزب الله كما كان محسوباً، بل تبيّن أنّ الأمور لم تختلط لدى الحزب ولم يُعمِه غبار الفوضى في المنطقة، ولم يُصَب بالرهاب من التطرف القادم، وتبيّن أيضاً أنّ وحداته مجهزة لكلّ المهمّات فلا نقص ولا قلق.
أساءت «إسرائيل» تقدير حجم النفوذ الخارجي لحزب الله وجاهزيته على أكثر من خط، وربما لم تخطئ وحدها، خصوصاً أنه لا يمكن لـ«إسرائيل» أن تعبث بأرض عربية بلا مساعدة عربية، والمساعدة هنا غير الدعم المعنوي أو الموافقة، فهذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها الحلفاء مادياً وعسكرياً على الهدف نفسه.
أغفلت «إسرائيل» أنّ حزب الله لم يعد بعد حرب 2006 حزباً لبنانياً بل صار إقليمياً، وهي التي تمادت في مساعدته على التمدّد من دون حسبان نتيجة خطيئتها الكبرى.
بعد تفاقم الأزمة السورية وتمدّد الإرهاب، أصبح حزب الله موجوداً اليوم في العراق بين تدريب وتواصل وتواجد مع فصائل المقاومة العراقية، وهو موجود في البحرين بين دعم معنوي وتواصل وتشاور، وفي اليمن مع الحوثيين بشكل مباشر أو غير مباشر، والأهمّ من ذلك كله أنّ الحزب نفسه موجود في فلسطين بين علاقات مع فصائل فلسطينية ومساعدات وتدريب وتنسيق على أعلى مستوى، وبين وعود على لسان أمينه العام بقدرته على دخول الجليل، وليس بالضرورة أن يكون دخول شمال كيان العدو هو دخول لأنه ربما يكون ظهوراً.
تطورت النظرة «الإسرائيلية» إلى الدور الإقليمي لحزب الله اليوم، بعد الخطيئة الكبرى والرهان عليها، فانتقلت من مرحلة التشجيع والحشد ضدّه إلى مرحلة الذعر من تمدّده، حيث باتت «تل أبيب» تعلم أنّ حزب الله موجود في العراق واليمن مثلما هو موجود في سورية، وأنها عندما تقول «الحرس الثوري على حدودنا» فهي تعرف أنّ القوة الضاربة التي ترمز إليها كلمة الحرس الثوري لجهة الدور الإقليمي، هي وحدات النخبة في حزب الله، وأنّ الحزب صار له مريدون ومقاتلون يحملون راياته من أبناء اليمن والعراق وسورية، وتعلم أيضاً أنها ستُفاجأ في يوم من الأيام بوحدات بحرية تأتيها من البحر الأحمر عبر الأراضي اليمنية ومن الأردن عبر العراق، فقد صار الحزب بديلاً في عين «إسرائيل» عن جبهة عربية متكاملة تطوِّقها من كلّ جهة.
لقد كانت «إسرائيل» تخشى تعاوناً بين جيوش المنطقة كي تضمن حصر جبهات القتال الجغرافية، لكنها اليوم حسب محلليها تواجه جيشاً عابراً لحدود الدول من الشمال والجنوب والشرق والغرب يطوّقها.
خطيئة «إسرائيل» اليوم وجودية وهي اليوم مطوّقة جراءها.