بالإذن من اللياقة السورية لا لضرب العلاقات الأخوية… لا لإهانة المواطن السوري
ناصر قنديل
منذ ما قبل ولادة الحكومة الجديدة ومن أيام عهد وحكومة النأي بالنفس، وثمة قرار ينام ويستيقظ في حشرجة بلعوم السفارات الأجنبية في بيروت، وتجري مناقشته مع مسؤولين لبنانيين، عنوانه، تطبيق سمة الدخول على المواطنين السوريين الداخلين إلى لبنان، والتسويق جار على قدم وساق لمقدمات تجعل القرار مقبولاً. فالحملات الإعلامية عن ضيق قدرة وطاقة لبنان عن استيعاب السوريين النازحين، والأعداد المسرّبة عنهم، والتأشير لعدم كفاية الموارد المخصصة من الهيئات الدولية لهم، كلها لم تكن بخلفية إنسانية ووطنية عند أغلب من أثاروها، حتى الذين تورّطوا في الخطاب الطائفي في التعامل مع ملف النازحين، لم ينتبهوا إلى أنهم شاركوا في حملة منظمة مبرمجة هدفها بلوغ ضفة مرسومة مسبقاً اسمها سمة الدخول.
فتحت الحدود الشرعية وغير الشرعية طوال عامين لكلّ المجموعات المسلحة الهادفة للتسلّل إلى سورية، وسُمّيت بـ«ضحايا النظام»، وقدمت لها مراكز الإيواء وخدمات الاستشفاء ومستودعات السلاح وطرق الإمداد، وأنشئت لها غرف العمليات الإعلامية، ولم يكن ثمة شيء اسمه السيادة اللبنانية التي تنتهك، بل واجب أخوي تجاه «ثورة شعب» يسلك طريق الرابع عشر من آذار.
تزامن انكشاف المزاج الشعبي السوري المؤيد لدولته ورئيسها في الانتخابات الرئاسية، مع تنامي الشكوى من تحوّل السلاح المحسوب معارضاً إلى سلاح مصنّف إرهابياً في العالم، فـ«الثوار» عند الوزير أشرف ريفي هم أنفسهم معتدلون عند موشي يعالون، لكنهم مصنفون إرهابيين لدى واشنطن وفي لوائح الأمم المتحدة في نيويورك، فـ«جبهة النصرة» هي الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة» في بلاد الشام، وصار لا بدّ من إجراءات تلبّي الطلب الغربي وتوحي بالربط بين لجوء النازحين السوريين إلى لبنان وتمركز الإرهاب فيه، على رغم إدراك المعنيين أنّ الذي سيدفع ثمن الترتيبات الجديدة هم المواطنون السوريون وليسوا الإرهابيين، الذين لا يأتون إلى المعابر الحدودية كمواطنين عاديين أصلاً، والذين بالتزامن مع تطبيق سمة الدخول هناك من يطالب بمنحهم مكاتب شرعية في مخيمات النازحين كممثلين لـ«الثورة السورية»، ويطلب لهم مميّزات أمنية تشبه تلك التي حصلت عليها المنظمات الفلسطينية في السبعينات.
الشيزوفرانيا المعادية لسورية وللشراكة اللبنانية السورية، انفصام أصيل في شخصيات الساسة الذين يصنعون المبادئ لخدمة الأسياد، كما كان يصنع أهل الجاهلية آلهتهم من تمر وعندما يجوعون يأكلونها، هكذا كان شعار المطالبين بالعلاقات الديبلوماسية بين لبنان وسورية، حتى رفع المطلب إلى مرتبة الألوهية وصار يختصر كلّ علامات السيادة، وها هي سفارة لبنان في سورية مهجورة، والسفارة السورية في لبنان على الكثيرين مرجعية محظورة، والمناداة بـ«إرادة الشعب السوري» كانت البديل عن السفارات في التأليه، ولما تكشفت هذه الإرادة يوم الانتخاب عن طوفان مساند للرئيس بشار الأسد، صار المطلب فليرحلوا، إنها العنصرية المنافقة التي تلبس ثوباً إنسانياً مموّهاً، وتعود اليوم كوطنية كاذبة، تنتقم من السوريين لأنهم مع دولتهم وليسوا مع «ثوار النصرة» كما يريدهم كثير من ساسة لبنان.
لماذا سمة الدخول؟
يقول أحد الذين كانوا يطلقون التصريحات اليومية طلباً لفتح سفارات بين لبنان وسورية، أنّ إعلان إسقاط العلاقات المميّزة التي نصّ عليها اتفاق الطائف بين لبنان وسورية يبدأ بتطبيق سمة الدخول على الحدود بين لبنان وسورية، لأنه إجراء سيادي من طرف واحد تتخذه حكومة لبنان، ولعلّ هذا الكلام السياسي أصدق من كلّ أكاذيب الحديث عن ضبط الإرهاب والإرهابيين، والتأفف من ضغط قضية النازحين، فغداً ستنشأ مكاتب على الحدود لسماسرة التأشيرة، وسينالها الذين تأتي أسماؤهم في لوائح السفارات أولاً باعتبارهم مشمولين بالقرار كطالبي سفر وهم في كثير من الحالات جماعات المتعاملين مع هذه السفارات، وسينالها من يدفع، وسينالها المهرّبون، وسينالها ضباط الارتباط في الجماعات المسلحة بصفتهم ممثلي جمعيات إنسانية مصنّفة لدى منظمات الأمم المتحدة، وكلهم كذلك كما نعرفهم فرداً فرداً، وسينالها القادرون على الدفع والرشوة، ولن يكون لها أيّ مفعول على مستوى النزوح ولا ضبط الإرهاب، فقط سينتج منها أمران، في السياسة إعلان نهاية العلاقات المميّزة التي أنشأت أطراً للتنسيق يجب على أيّ قرار أن يُدرس فيها ويصدر عبرها، والنتيجة الثانية للقرار ستكون إذلال المواطنين السوريين واستثارة غضبهم وإنتاج نعرات عدائية متبادلة بين المكونات الشعبية في لبنان وسورية خدمة لمشروع قديم جديد، لضرب العلاقة الأخوية بينهما.
البديل بسيط وفقاً للاتفاقات الموقعة بين البلدين، تشاور تديره بداية السفارتان السورية في لبنان واللبنانية في سورية، تمهيداً لاجتماع ثنائي على مستوى القرار الخاص بعبور المواطنين والبضائع عبر الحدود بين البلدين، في هذه الحالة يجب أن يلتقي رئيسا الحكومة في البلدين بحضور وزيري الداخلية ومدير الأمن العام اللبناني ورئيس شعبة الأمن السياسي في سورية، بحضور السفيرين، لبلورة قرار مشترك يطبّق على جانبي الحدود بين البلدين، والقرار ببساطة «العبور موقتاً يتمّ بموجب لوائح مصدّقة من جهازين أمنيين واحد في لبنان وآخر في سورية»، والمعايير محددة ضمناً من الحكومتين ولا داعي لإعلانها، السوري الذي لا يرد اسمه في اللائحة يراجع حكومته واللبناني الذي لا يستطيع العبور إلى سورية يراجع حكومته.
أما وأنّ الحكومة اللبنانية فعلتها، وفرح الساعون إلى الخراب، فإنني كمواطن لبناني تمتدّ جذور عائلتي ولبنانيتها لأكثر من ألف عام، أتوجه إلى الرئيس بشار الأسد طالباً إقفال الحدود مع لبنان بالاتجاهين ذهاباً وإياباً أمام الأفراد والبضائع حتى يعود الرشد إلى أصحابه ويأتون إلى كلمة سواء، ولتنفع سفن وطائرات سعد الحريري التي وعد بها من قبل في تأمين المصالح اللبنانية عبر الحدود مع سورية.
اللياقة السورية تعبير عن تصرف دولة تحترم نفسها، لكن الأمر تجاوز حدّ المعقول، والتجاهل للدولة التي تحترم نفسها صار يستدعي أن يفهم من لا يفهم أنّ للعلاقات بين الدول أصولاً.
على الهامش للتذكير فقط، على رغم كلّ تنكر التفجيريين الآتين من السعودية بصفة رجال أعمال وسياح، لم يجرؤ أحد في الدولة اللبنانية على المطالبة بتطبيق سمة الدخول على السعوديين، علماً أنّ اللبناني لا يعامل بالمثل في السعودية حتى في موسم الحج، يا عيب الشوم على السيادة.