فهد محاضراً في «الحكمة» عن دور القانون في التنمية الاقتصادية
أطلقت جامعة الحكمة وكلّية العلوم الإدارية والمالية فيها، سلسلة ندوات عن «إصلاح لبنان»، كان رئيس مجلس القضاء الأعلى الرئيس القاضي جان فهد أوّل ضيوفها، فتحدّث عن «دور حكم القانون في التنمية الاقتصادية»، وذلك بحضور رئيس الجامعة المونسنيور كميل مبارك ونوّابه، وعمداء الكلّيات وقضاة وخبراء اقتصاديين وأساتذة وطلاب.
رحّب الدكتور روك أنطوان مهنا بفهد، وقال: «ارتأت كلّية العلوم الإدارية والمالية في جامعة الحكمة، أن تطرح هذا الموضوع فائق الأهمية كفاتحة لسلسلة ندوات تنظّمها الكلّية بعنوان: «إصلاح لبنان». وذلك انطلاقاً من دورها، بل من رسالتها في تسليط الضوء على الواقع الراهن وعلى سبل الخروج إلى مستقبل أفضل».
ثم ألقى فهد محاضرة استهلها بشكر الجامعة على مقاربتها مواضيع تهمّ الوطن والمواطن، وقال: «لكل زمان علمه الخاص تماماً كلغته الخاصة، فكما كانت اللغة اللاتينية وعلوم الفلسفة والفيزياء والكيمياء تشكل أساس العلوم في زمن مضى، أصبحت الانكليزية وعلوم الاقتصاد والتكنولوجيا والمعلوماتية الإدارية، ركائز هذا الزمن. ولا شك أن العولمة التي أدّت إلى تلاشي الحدود السياسية والقانونية والاقتصادية بين الدول، شكلت عاملاً مساعداً في ذلك. اليوم، لم تعد الدولة تشكّل محور النظام، بل أصبحت فرعاً من النظام الاقتصادي العالمي، ما أدّى إلى اضمحلال الحدود بين الدول».
وقال: «أثبتت التجربة أن تفلّت الاقتصاد من أيّ رقابة، قاد لمرات عدّة في التاريخ الحديث إلى أزمات وانهيارات اقتصادية أميركا 1929، الأرجنتين 2001، البرازيل 2002، أميركا 2007، اليونان 2009، إسبانيا 2010 آخرها تلك التي حدثت في الولايات المتحدة الأميركية وانتقلت منها إلى أوروبا الغربية ووصلت ذيولها إلى آسيا. هذه الأزمات أكّدت على الحاجة إلى حكم القانون لضمان وجود تنمية اقتصادية على أسس سليمة. فما هو حكم القانون؟
بحسب تعريف ورد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، إنه نظام تؤمّن فيه حماية متساوية للحقوق العائدة إلى الأفراد والجماعات، كما يسلتزم فرض عقوبات متساوية وفقاً للقانون. وهو يسود على الحكومات، ويؤمّن معاملة جميع المواطنين بالتساوي أمام إدارة كفوءة، وأن يكونوا خاضعين للقانون لا لمشيئة القوي، وتحكم فيه بين الناس سلطة قضائية مستقلة».
وأضاف: «من التدقيق في هذا التعريف، يمكن الجزم بأن حكم القانون يمكن أن يلعب دوراً محورياً في التنمية الاقتصادية، وهو يرتكز على أسس عدّة كالتشريعات القانونية التي تشكل أساساً لحكم القانون ويقتضي أن تكون عامة، واضحة ومجردة تنطبق على جميع الأشخاص الذين هم في مركز قانوني واحد. ولكي يكون لهذه القوانين دور إيجابي في التنمية الاقتصادية، يجب العمل دائماً على تطويرها، كقانون التجارة اللبناني الذي يتضمن نظام الإفلاس، هل تعلمون أنه لغاية اليوم قد يعلن إفلاس التاجر، في لبنان وتكفّ يده عن إدارته جميع ممتلكاته إذا أصبح معسراً، أي أنه لم يعد يملك سيولة كافية لإدارة تجارته، ولو كان يملك من العقارات ما يساوي أضعاف أضعاف قيمة ديونه، وهو نظام تخلت عنه أكثرية البلدان المتطورة منذ زمن».
وتابع: «الأساس الثاني هي الكفاءة الإدارية، إذ لا يمكن الحديث عن حكم القانون إذا كانت الدولة تفتقر إلى أجهزة إدارية كفوءة وفعالة وخالية من الفساد، ولا إذا كانت تفتقر إلى أجهزة أمنية ذات درجة مهنية عالية. لا شك أن التشريع يشكل أحد أهم أدوات السياسة الاقتصادية للدولة، إلا أن السياسة الاقتصادية عينها لا يمكن أن تكون فعالة إلا بقدر فعالية الموظفين العامين المولجين بتطبيق هذه السياسة ضمن إداراتهم».
وأضاف: «الأساس الثالث يتمثل بحقوق الأفراد. إن أحد أهم الأسباب التي أدّت إلى أن يصبح لبنان ملاذاً آمناً منذ القرن التاسع عشر لكل مضطهد، يكمن في احترام الملكية الفردية، وهو أمر لم يكن متوافراً في حينه في أيّ من البلدان الأخرى المجاورة. ولهذا السبب اختارت الإرساليات الأجنبية لبنان كمركز رئيس لها في المنطقة، وقد لعبت دوراً كبيراً في تطوير العنصر البشري في لبنان عبر المدارس والمطابع. إن احترام حقوق الفرد، سواء أكان رجلاً أو امرأة أو طفلاً، لا سيما حقه في الملكية وفي التعبير وفي إنشاء الجمعيات والإتاحة له ممارسة أيّ نشاط اقتصادي، يؤدّي حتماً إلى تعزيز الامكانات التنموية الاقتصادية لدى الدولة».
وتابع: «الأساس الرابع هي السلطة القضائية المستقلة. لا يستقيم حكم القانون، إلا بوجود قضاء شفاف، يحظى بثقة المتقاضين، محصّن ضدّ جميع المؤثرات الخارجة عن القضايا المعروضة أمامه، مستقلّ نزيه كفوء وسريع ومستقرّ في اجتهاده، فيتوجّه إلى المتقاضي كإنسان بتجرد وحيادية وموضوعية، يحترمه ويحترم عاداته وتقاليده ودرجة إدراكه، فيأتي الحكم مقبولاً ومفهوماً منه».
واختتمت الندوة بمداخلات ونقاشات وأسئلة وأجوبة.