جولة الجولان تحسم مستقبل المنطقة
ناصر قنديل
– الجولة الراهنة من المواجهة التي افتتحتها العملية «الإسرائيلية» في القنيطرة نقلت المنطقة فجأة إلى تحدّ جديد عنوانه فرضية حرب مفتوحة بين المقاومة و»إسرائيل» على خلفية مستقبل توازن القوة بينهما، بعدما كان العنوان هو تحدي الحرب المفتوحة مع الإرهاب بشقيها، الذي تقوده واشنطن ومعها دول الغرب. وبدأت ساحات عواصم تلك الدول تصبح مسرحاً مفتوحاً لها وتحدياً يتقدم أولوياتها، أو تلك التي تخوضها شعوب وحكومات وقوى المنطقة والتي تتصدرها الحرب في العراق وسورية ويلعب حزب الله دوراً بارزاً فيها.
– لم يكن خافياً على «إسرائيل» أن يحدث هذا، وهي تعلم حجم الهدف الذي أصابته بعمليتها والسياق الذي نفذتها خلاله، وحضور كلام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والمعادلات التي صاغها قبل أيام قليلة من العملية، وأرادت تحديها بصورة وضعت المنطقة بقرار مدروس ومبرمج على حافة الحرب.
– «إسرائيل» تدرك بكامل وعيها أنها قامت بنقل الصراع بينها وبين حزب الله في الجولان إلى مستوى الحدث الإقليمي وربما الدولي الأول، وهي تعلم الضرر الذي ألحقته بحليفين كبيرين هما الغرب الذي يريد حضور أولوية الحرب على الإرهاب، والحلفاء الإقليميين الذين اعتمدت عليهم في الحرب على سورية والمقاومة من السعودية وقطر وتركيا والمجموعات التكفيرية وفي مقدمها «جبهة النصرة»، الذين يحرجهم الظهور «الإسرائيلي» المباشر في واجهة الأحداث واستقطاب الأضواء على العداء لها من جهة، كما يؤذيهم تراجع الأولوية المشتركة بينها وبينهم وهي إسقاط سورية وإشعال الفتن بوجهها وبوجه حزب الله، من جهة أخرى.
– «إسرائيل» تلحق الضرر وتصيب بالإحراج حليفيها الكبيرين اللذين تستند إليهما في خططها، وحفظ مصالحها ورسم استراتيجية صمودها في ظروف تزداد سوءاً مع تقدّم المفاوضات على مستوى الملف النووي الإيراني واقتراب وصولها إلى النهايات القريبة، وما يبشر به ذلك من مكانة متقدّمة لإيران على مستوى المنطقة، ومن تطبيع متوقع ومتماد للعلاقات بين إيران والغرب بالنتيجة، وتزداد حالة «إسرائيل» سوءاً مع تآكل قدرة الردع «الإسرائيلية» وتراجع الدور الوظيفي للكيان وتحوّله في نظر الكثيرين من صناع القرار في الغرب، إلى عبء يجب حمايته وإطعامه بدلاً من إسناد المهام الصعبة إليه، ويتوّج السوء في حالة «إسرائيل» أنها داخل الأراضي المحتلة لا تملك استراتيجية خروج من المأزق لا بالحرب ولا بالسلم، ومن وضعه بهذه الحالة يحافظ على حلفائه ويراعي حساباتهم وأولوياتهم.
– تعلم «إسرائيل» وقادتها أنّ الذي يجري أكبر من أن تتحمّله إجابات من نوع المنافسة الانتخابية أو عدم قدرة الامتناع عن التقاط صيد ثمين، ولذلك فهي تخسر حربين دفعة واحدة، تخسر حرب الغرب معها تحت عنوان اعتبار الحرب مع المقاومة التي تواجهها «إسرائيل» جزءاً من الحرب التي يخوضها الغرب على الإرهاب، وتخسر حرب حلفائها على سورية بعناوين التغيير والديمقراطية وحقوق الإنسان والإسلام، ويصير الغرب يخوض حربه على الإرهاب كفرع من حرب «إسرائيل» على المقاومة، بينما السعودية وتركيا وقطر و«النصرة» يخوضون حربهم ضدّ سورية والمقاومة كجزء من حروب «إسرائيل».
– تخسر «إسرائيل» ويخسر حلفاؤها، لتربح ماذا؟
– الواضح أنّ «إسرائيل» انطلقت من معادلة السيد نصرالله بأنّ اللعبة انتهت، وهي تريد أن تقول ضمناً اللعبة لم تنته، لكن لتقول عملياً بما أنه طالما أنّ اللعبة انتهت فما الفائدة من استثمار في حروب الآخرين التي سيكون الحلفاء الحاسمون للغرب فيها غداً هم أعداء لن يتقبّلوا «إسرائيل» شريكاً، أيّ إيران وسورية والمقاومة، وما الفائدة من الاستثمار على حروب حلفاء إقليميين سيصبحون هامشيين مع نهاية اللعبة يبحث كل منهم عن حماية أمن نظامه ومستقبل الحاكم فيه أو حركات كـ «النصرة» تبحث عمن يأويها، إذن قبل أن تنتهي اللعبة على «إسرائيل» أن تقول: «إذا كانت اللعبة انتهت فلن تنتهي على حسابي».
– حددت «إسرائيل» هدفها المباشر وقرّرت التضحية بمصالح حلفائها، والتصرف سريعاً لخدمة مصالحها الحيوية والوجودية والمباشرة، بانتظار الصيد الثمين الذي يحقق ذلك، فلما ظهرت علاماته لم تتردد في الانقضاض، والهدف «الإسرائيلي» هو خوض معركة الجولان في ربع الساعة الأخير المتبقي من وقت اللعبة.
– تعرف «إسرائيل» معنى بقاء الوضع على ما هو عليه في الجولان وأن تقفل الستارة في المنطقة على الأزمات وتأتي التسويات، والأمور كما هي اليوم هناك، فهذا يعني شيئاً واحداً وهو تعزز وضع البنية المقاومة اللبنانية والسورية في الجولان، وجعله بعد نهاية الأزمات ساحة الاستنزاف المقبلة لـ«إسرائيل» وساحة الإسناد للمقاومة في فلسطين بمثل ما هو جنوب لبنان، ولكن بحماية ميزان ردع أشمل وأقوى، مع تراكم وتساند قدرات المقاومة والجيش السوري، وما يعنيه ذلك من طريق مفتوح لزوال «النصرة» واضمحلال وجودها ليلي ذلك تداعي منظومات الأمن «الإسرائيلية» واندلاع انتفاضات ثالثة ورابعة في الضفة وغزة والأراضي المحتلة العام 48 وفي الجولان أولاً وأخيراً.
– هذه ليست فرضية بالعيون والحسابات «الإسرائيلية»، بل هي واقع محقق إذا بقي الوضع على حاله، والنهاية المترتبة عليه هي في الحدّ الأدنى إذا صمد الكيان المهلهل والمترهّل والمتآكل، أن يجد قادته ممراً إلزامياً لتفادي الانهيار أو المغامرة بحرب النهاية، وهو القبول بالانسحاب من كلّ الأراضي المحتلة العام 1967 ونشوء دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وتجرّع الكأس المرة لحلّ لقضية اللاجئين قاعدته حق العودة.
– ثمة ما يمكن لـ«إسرائيل» فعله لتفادي هذا المسار للعبة التي تنتهي، بفتح قوسين عنوانهما، «جولة في الجولان» تأخذه الآن إلى نتيجة عنوانها إخراج المقاومة من المعادلة بشقيها اللبناني والسوري، وفرض معادلة الصمت على الجبهات الحدودية كافة، عبر مسار تسخين تصاعدي، ربما يصل حافة الحرب، لكنه يستدرج تدخلاً دولياً يتيح صدور قرار شبيه بالقرار 1701.
– ردّ المقاومة سيسعى لتفادي منح «إسرائيل» هذه الفرصة، فليفكر «الإسرائيليون» كثيراً ويحاروا في توقع الردّ وطبيعته ومكانه وزمانه.