هل التغيير ممكن في السعودية؟
د. وفيق ابراهيم
يرتفع عادة منسوبُ التفاؤل بإمكانية التغيير عند حدوث أي انتقال في رأس السلطة في البلاد العربية… يشيد الناس بفضائل الراحل مهللين لخلفه متوقعين منه شيئاً من الحداثة.
هذا ما يحدث اليوم في مملكة آل سعود، توفي الملك عبدالله عن 91 عاماً فورثه أخوه سلمان وهو على مشارف التسعين، فيما يخطو ولي عهده مقرن نحو الثمانين بثبات… إنها شيخوخة مملكة تعجّ بالمرضى والكهول لكنها تغطي قرون أوسطيتها بشبكة إعلامية عالمية، تقدمها كمملكة باحثة عن التقدم والعدل، وسط رنين الذهب وتطاير دولارات البترول.
وللمزيد من النقد العلمي للحالة السعودية، يجب قراءة المرتكزات التقليدية والسياسية للمملكة، وتحليل إمكانية تطورها، فهناك خمسة أعمدة يشكل اجتماعها السياسة السعودية:
أولاً: تستند المملكة إلى المذهب الوهّابي المتطرّف الذي أنتج حتى الآن معظم التنظيمات الإرهابية من «القاعدة» و»داعش» و»النصرة» و»أكناف بيت المقدس» و»بوكو حرام» وإرهاب مالي والعراق وسورية واليمن، حتى مئات الشلل التكفيرية الصغيرة المنتشرة بين الفلسطينيين والنازحين السوريين. هذا ليس اتهاماً، وإنما قرائن أعلنت عنها السياسات الأميركية ومثيلاتها في الغرب.
فهل بإمكان الملك الجديد سلمان، إيقاف الغلو في الوهابية؟ كان سلفه يحاول وقف تأثير الإرهاب التكفيري عند حدود السعودية من دون أن يعالج خلل الفقه الوهّابي في داخلها، أصل هذا البلاء والإرهاب… فهل يجابه سلمان الأساس الفكري لمملكة أجداده؟
ثانياً: تشكل المملكة أكبر منتج للنفط في العالم إلى جانب روسيا، وتنفق منذ 1940 من عائداته على نفوذها في العالمين العربي والإسلامي وتحالفاتها مع الغرب، وتضع النفط أداة ثواب وعقاب في خدمة السياسات الأميركية، كما تفعل دائماً على مستوى التلاعب بأسعاره، وهذا ما أدى إلى إنتاج دولة متخلفة تقوم على الاقتصاد الريعي الذي لا عمر طويل له… بمعنى أنها تستخرج النفط، تبيعه وتستهلك بثمنه ما تحتاجه وهذا لا يؤدي إلى بناء اقتصاد إنتاجي فيه ريوع ثابتة وطبقات وازدهار وعلم يؤمن حاجة البلاد. فهل بوسع سلمان تحقيق نقلة نحو عالم التصنيع؟ وما موقف الأميركيين، رعاة المملكة، من هذا التحول المفترض؟
ثالثاً: يتسم النظام السعودي بديكتاتورية سياسية كاملة لا تعيرُ الناس أي اهتمام، ما يؤدي إلى انقطاع كامل بين عائلة تحكم بمفردها سياسياً واقتصادياً وتعتبر نفسها مميزة اجتماعياً عن غيرها من القبائل والعشائر. فهل يمكن البقاء على هذه الوتيرة في عالم الاتصالات والمحطات الفضائية وانفتاح المجتمعات على بعضها؟ وهل يستطيع آل سعود تجميد التاريخ وتحطيم الثورة الإلكترونية؟
رابعاً: تخضع المملكة للسياسات الأميركية وتنفذها وتنصاع لها وفق معاهدة «كوينسي» التي عقدها المؤسِّس عبد العزيز مع الرئيس الأميركي روزفلت على متن الطراد كونيسي العام 1945، وجرى تجديد صلاحيتها حتى العام 2065. وتنصّ هذه المعاهدة على حماية أميركا للمملكة مقابل تدفق النفط السعودي إلى العالم، برعايتها.
هذا الوضع أدى إلى ارتهان السعودية لواشنطن، على كلّ المستويات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، وقد حمت هذه المعاهدة الديكتاتورية السياسية في المملكة من أي تطورات داخلية أو خارجية وحالت دون حدوث أي تقدم في البنى القيادية للمملكة.
فهل لسلمان المقدرة على تحويل الانصياع للأميركيين والارتهان لهم إلى علاقات متكافئة، ولو نسبياً؟ هل يعلن سلمان انقلاباً على السياسة «الإسرائيلية» لواشنطن، ويباشر إعلان القطيعة مع كلّ الدول المؤيدة لـ»إسرائيل»؟ هل يتوقف عن دعم التنظيمات الإرهابية في الإقليم ويتيح المجال لانتشار العلوم الحديثة في المملكة؟
أما السياسة السعودية في الإقليم العربي والشرق الأوسط، فهي ثابتة منذ تأسيس الدولة عام 1939، حيث تقف الرياض بقوة مع الأنظمة الملكية والمستبدة، فكانت حليفة لشاه إيران وفاروق مصر، ولا تزال صديقة الملوك ونصيرتهم من المغرب وحتى الأردن.
باشرت السعودية، منذ تأسيسها، نشر الفكر الوهابي بقوة السيف على مدى مليوني كيلومتر مربع، ففتكت بعشرات الآلاف من البشر بالتعاون مع المخابرات البريطانية، كما تكشف الوثائق الإنجليزية نفسها.
وبعد تحالفها مع واشنطن، تعمَّدت أن تبقى محايدة في صراع العرب والفلسطينيين مع اليهود الذي احتلوا فلسطين، وتصدّت لانتشار الخط القومي منذ خمسينات القرن الماضي برفع شعار «الأمة الإسلامية»، ولمّا استتب لها الأمر امتشقت لواء «الجهادية الإسلامية» في وجه الاتحاد السوفياتي.
ولما وقفت إيران في وجه السياسة الأميركية، ناصبتها الرياض العداء ورفعت في وجهها سلاح السنّة مقابل الشيعة وأسَّست للفتن المذهبية في المنطقة، والانفجارات الطائفية التي تتهدّد وحدة البلدان العربية.
فالمملكة متورطة اليوم في تفجير اليمن والعراق وسورية وأسر البحرين ودعم الإرهاب في العالم بكامله. فماذا بعد؟
يشفق المراقبون على الملك سلمان، الذي لن يستطيع التغيير، حتى لو أراد ذلك فعلاً، لمدى التشابك الحاصل بين تخلف بلاده وارتباط أجهزتها بالإرهاب والسياسات الغربية. أما عن الاقتصاد فإنّ المملكة تحتاج إلى جهود علمية واقتصادية لتصبح دولة صناعية مداها قرون وأكثر.
نعود إلى التساؤل: هل التغيير ممكن في مملكة الشيخوخة؟
لم يسبق لإمبراطورية بمثل هذه الغطرسة وهذا التخلف والعتو أن حدث فيها تغيير سلمي… إنها طبقات حاكمة لا تستسلم إلا بالقوة، والتاريخ برهان. والسعودية هي آخر ما تبقى من القرون الوسطى وتنتظر تحرّك الناس في الداخل لإعلان انهيار إمبراطورية الذهب والظلام بقوة السيف كما تأسَّست.