مستقبل الاتفاق النووي بين الغرب والجمهورية الإسلامية
زياد حافظ
كان تهديد الرئيس الأميركي باراك أوباما باستعمال حقّ النقض، إذا ما أقرّ الكونغرس الأميركي المزيد من العقوبات على إيران، نقطة فاصلة في خطابه في»حال الاتحاد». وعلى ما يبدو، فإنّ الأولوية في السياسة الخارجية للإدارة الحالية هي تحقيق الاتفاق، علماً أنّ هناك من يعارض ذلك، بشدّة، داخل أروقة الحكم.
وبالفعل لم تمضِ أربع وعشرون ساعة، حتى بدأت الاشتباكات بين محاور الحكم الأميركية المكوّنة من السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية. فسارع رئيس مجلس الممثلين «الناطق» جون بوينر إلى الإعلان عن دعوة رئيس وزراء الكيان الصهيوني إلى إلقاء خطاب خلال اجتماع مشترك في الكونغرس بين مجلس النواب أو الممثلين ومجلس الشيوخ.
أكّد بوينر، خلال مؤتمر صحافي، أنه لم يستشر البيت الأبيض وأنّ الهدف من تلك الدعوة هو تسليط الأضواء على الأخطار الحقيقية المتمثلة بالإسلام المتجذّر والجمهورية الإسلامية في إيران، على حدّ قوله. فعلى ما يبدو، أصبح رئيس وزراء كيان العدو من الخبراء في الإسلام والخطر الإسلامي! وللمعلومة، فإن تحقّقت تلك الدعوة يصبح نتنياهو ينافس ونستون شرشل المسؤول الأجنبي الوحيد الذي خطب في الكونغرس ثلاث مرّات!
جاءت ردّة فعل الإدارة الأميركية على مرحلتين: ففي المرحلة الأولى سارعت الإدارة إلى شجب طريقة الدعوة التي لم يكن لها أي رأي فيها وهي المخالفة للأصول البروتوكولية، الأمر الذي أكدّه بوينر، أي تجاوز تلك الأصول. كما أنّ توقيت تلك الدعوة، بدا وكأنه تأييد لنتنياهو في معركته الانتخابية وهذا ما لا تريده الإدارة، لا من الناحية البروتوكولية ولا من الناحية السياسية!
أدّى ذلك الشجب من الإدارة، إلى طلب نتنياهو تأجيل الدعوة التي كانت مقرّرة خلال أسبوعين إلى شهر آذار، وذلك بحجة حضوره أعمال مؤتمر «الأيباك» الصهيوني. وكأنه يقول للأميركيين: «لن آتي إلى الولايات المتحدة مرتين خلال شهرين».
المهم هنا هو أنّ رئيس وزراء العدو سيحضر إلى الولايات المتحدة، فكان أن أصدر البيت الأبيض بياناً أكد فيه أنه لن يكون لقاء بين الرئيس الأميركي ونتنياهو!
في المرحلة الثانية، دخل على الخط وزير الخارجية الأميركي جون كيري حيث أعلن، من جهة، أنّ نتنياهو يستطيع المجيء إلى الولايات المتحدة، وأعطى، من جهة أخرى، بعض المعلومات عن قدوم أحد كبار المسؤولين في جهاز الاستخبارات الصهيونية للبحث في الملفّ النووي الإيراني، في مرحلة سابقة.
اعتبر المسؤول الاستخباراتي الصهيوني الرفيع المستوى أنّ المزيد من العقوبات على إيران سيشكّل قنبلة يدوية في آلية التفاوض وقد يجهضها. وقد سرق إعلان كيري عن هذه الزيارة والتصريح الصهيوني البريق من جون بوينر حيث حوّل الموضوع إلى مناقشة المفاوضات في الملفّ النووي الإيراني. وتفيد مصادر مطّلعة لموقع «الهفنغتون بوسط» الواسع الانتشار بأنّ الجمهوريين أصبحوا في طليعة المعارضين للاتفاق مع إيران ومعهم بعض الديمقراطيين. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، أفادت تلك المصادر أنّ كلام المسؤول الاستخباراتي الصهيوني فُهم وكأنّ الموساد لا يريد إجهاض الاتفاق، ما أحرج معارضيه. وسرعان ما صدر يوم الخميس في 22 كانون الثاني الجاري بيان عن رئيس جهاز الموساد تامير باردو يؤكد زيارته الولايات المتحدة مع وفد استخباراتي صهيوني، وبموافقة رئيس وزراء الكيان، ولقائه عدداً من أعضاء مجلس الشيوخ، حيث اعتبر أنّ المزيد من العقوبات سيكون مفعوله كإلقاء قنبلة يدوية على مسار المفاوضات. لكنّ هذا لا يعني أنه يعارض العقوبات بل يعتبر أنّ الأزمة التي ستنجم عن تلك العقوبات ستحسن شروط الاتفاق للمصلحة المشتركة!
نتيجة لتلك الملابسات أصبح الجمهوريون في الصدارة في معارضة أي اتفاق مع أيران ويتحمّلون مسؤولية إفشال المفاوضات. في المقابل، أكد المقال المشترك بين وزراء خارجية دول أوروبية منها فرنسا وبريطانيا وألمانيا والذي نشرته صحيفة «الواشنطن بوسط» يوم الثلاثاء في 20 من كانون الثاني الجاري، على ضرورة إنجاح المفاوضات وقد ناشدوا الكونغرس عدم فرض عقوبات جديدة! فهل يستطيع الجمهوريون تجاهل كلّ ذلك، وخصوصاً أنّ شعبية أوباما تحسّنت في شكل ملموس؟
بناء على ذلك، أصبح مصير الاتفاق بين الجمهورية الإسلامية في إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد رهن تطوّرات السياسة الداخلية الأميركية. صحيح أنّ الرئيس الأميركي التزم باستعمال حقّ النقض إذا ما أقدم الكونغرس على فرض عقوبات، لكن يبقى السؤال: ماذا بعد؟ هل ستثق الجمهورية الإسلامية بأنّ مجموعة الخمسة زائد واحد، وخصوصاً الولايات المتحدة ستلتزم بما تعهدت تنفيذه؟ هل تسطيع إدارة أوباما تجاوز كلّ العقبات الداخلية؟ هل تستطيع الجاليات اليهودية الأميركية تحمّل المزيد من تردّي العلاقات بين الولايات المتحدة والكيان؟ هذه أسئلة برسم كلّ من يتابع الموضوع وليس حتى هذه الساعة من يستطيع أن يجزم كيف ستسير الأمور!
أمين عام المنتدى القومي العربي