آخر الكلام … وأتتهم ساعة الندم إثر الردّ الصاعق
جورج كعدي
لثقةٍ ننعم بها حيال كلام السيّد حسن نصرالله ذي الصدقيّة العالية، كنتُ الخميس الفائت، عبر هذه الزاوية تحديداً، أحد الواثقين من أنّ ساعة الندم آتية لـ«إسرائيل» حتماً، لأنّ حدثاً بهذا المستوى من الغدر والجبن في القنيطرة وعلى هذه الدرجة من الحقارة واللؤم، ما كان السيّد وأركان المقاومة ليدعوه يمرّ بلا حساب وبلا ردّ مناسب، حتى كان أمس الردّ العظيم والمظفّر في شبعا فأصاب من العنجهيّة والغرور «الإسرائيليّين»، ومن صلف نتنياهو ونزقه وحماقته مقتلاً. «الإسرائيليّ» المريض بالعُظام لا يكفّ عن الظنّ والاعتقاد بأنّه مطلق اليدين ساعة يشاء وأنّى يرغب، مستعرضاً عضلاته الجوّية وغيرها غدراً ومباغتة، إلاّ في ميادين المواجهة حيث يُفتضح جبن عسكره وضبّاطه وفشل قياداته الطاووسيّة، المجرمة والبلهاء، وما برح طعم الهزيمة تحت أضراس بني صهيون منذ هزيمة 2006 التي شُكّلت لها لجنة تحقيق قضائيّة لمساءلة المتسبّبين بها وتقويم أسبابها.
كان عظيماً وجبّاراً ومثيراً للدهشة والإعجاب العمل المقاوم البطوليّ في شبعا أمس، لا في أبعاده العسكريّة والسياسيّة فحسب، ولا في ما قد يُطلق من قراءات وآراء وأسئلة حول هذا الجانب أو ذاك، خاصّة عن موقع عمليّة الردّ لماذا من شبعا وليس من الجولان مثلاً؟ أو توقّعات الردّ على الردّ، إلى ما هنالك ممّا سيسيل له وفيه حبر كثير مناقشة وتقويماً وتحليلاً، أو ممّا سيُنطق به عبر شاشات التلفزيون وأثير الإذاعات… بل هو فعل عظيم للمقاومة من النواحي الوجدانيّة والعاطفيّة بالنسبة إلى الجمهور المهلّل والمؤيّد والمخلص للمقاومة، وفعل تدميريّ للمعنويّات «الإسرائيليّة». وتلك هي النقاط التي أودّ التوقف عندها في هذه العجالة التي استقيتها من الحدث على نحو خواطر.
أوّلاً، يلفت حجم الإرباك الفعليّ والمعبّر الذي أظهره الإعلام «الإسرائيليّ» الذي كان يضخّم ماضياً نتائج عمليات مماثلة وتداعياتها، فإذا به يحرص أمس حرصاً شديداً على إخفاء الصور من موقع العمليّة وإبعاد الإعلام كلّه، حتى «الإسرئيليّ»، كي لا يُكشف الحجم الحقيقيّ للعمليّة والتدمير والاحتراق الهائلين اللذين لحقا بالموكب العسكريّ. وتقفز إلى الذهن فوراً المقارنة بين مقاومة لا تتأخّر في الإعلان فوراً وسريعاً عن شهدائها، بالأسماء والمرتبة والأهميّة العسكريّة، فيما بدا العدوّ «الإسرائيلي!» أمس مستميتاً في إخفاء عدد قتلاه وجرحاه وحجب الصور عن الموكب المستهدف.
ثانياً، الركلة كانت قوّية جداً أمس على رأس نتنياهو الحامي ورؤوس فريقه المجرم، الوزاريّ والعسكريّ والاستخباريّ، إذ أعمته عنجهيّته المريضة الحمقاء والبلهاء عن مجرّد افتراض حصول الردّ، وبالسرعة هذه، وباليُسر من رجال المقاومة الأبطال الذين ضربوا وانسحبوا ولم تبصرهم عينا «بيبي» ولا عيون عسكره الجبان. حتى بدت العملية رغم دقّتها وصعوبتها وشجاعتها كأنّها عمليّة سهلة لم تواجَه من «جيش» محتلّ يتكئ على أوهام القوّة والتفوّق و«التخويف» فيما حقيقته وواقعه لدى رجال المقاومة وقادتها ليسا أقوى وأمتن من خيوط العنكبوت الواهنة.
ثالثاً، سجّل السيّد حسن نصرالله انتصاراً جديداً في سجلّ الصدقيّة الذي يدوّنه الصهاينة الأعداء ويحسبون له حساباً، مثلما يحفظه جمهور المقاومة ومؤيّدوها ومناصروها. مرة إضافيّة يصدق السيّد قولاً و«وعداً» مع الأعداء قبل الحلفاء، فلطالما وعد وتعهّد بأنّ أي عمل تقدم عليه «إسرائيل» سيلقى ردّاً أكيداً ومضاعفاً من المقاومة، وذاك تماماً، وبالحرف، ما حصل أمس، بإظهار المقاومة، قيادة ومقاتلين أبطالاً، قدرتها الأكيدة على الردّ، ومسألة القدرة هي أكثر ما يقلق «إسرائيل» على مرّ السنين، ولم تكفّ يوماً عن افتراض تراجع أو تهاون أو ضعف قد يصيب المقاومة فتقدم بين الفينة والفينة على استفزازها لجسّ نبضها ورصد استعداداتها، لكنّها تخيب كلّ مرة باكتشافها أن المقاومة لا تزال في أقصى درجات الجاهزيّة والاستعداد، وأن قدراتها وإمكاناتها وقدراتها لا تنقص بل تزداد وتتراكم وتتطوّر نوعاً وكمّاً.
ضربة الأمس على رأس «الإسرائيليّ» أفقدته الوعي والصواب وأوقعته في الإرباك والعجز، فلو أقدم في أيّ ساعة على عدوان أو حرب فهو يعرّض نفسه للخسارة والدمار وربما الزوال، بالتأكيد، ولو «بلع» الضربة ـ الردّ والهزيمة لارتدّت عليه الخسارة في الداخل، سياسيّاً وعسكريّاً ومعنويّاً، وفي الحالتين والاحتمالين هو خاسر خاسر خاسر… والآتي أعظم يا «بيبي» المتهوّر النزق والأكثر حماقة.