القنيطرة والردّ… بسيط استرتيجي وفتاك
عمر شحادة
اغلب الظن بأنّ التنافس الانتخابي ليس السبب الاول في إقدام بنيامين نتنياهو ووزير حربه على توجيه ضربة جوية لقافلة كوادر حزب الله ورفاقهم من القادة العسكريين الإيرانيين في القنيطرة السورية، ولا حتى إلحاق الأذى بالملف النووي الإيراني والتخريب على المفاوضات الجارية بشأنه وتعطيل تخفيف او رفع العقوبات الاقتصادية عن الجمهورية الاسلامية في ايران، بل هو الرعب الدفين وقرار الأزمة الأمنية والكبت المنفلت الذي أطلقه العقل الباطني المتخم بالقلق والألم الذي خلفته هزائم جيش الاحتلال وأجهزته الأمنية والاستخبارية على يد أبطال المقاومة في لبنان وفلسطين، وآخرها على ارض القطاع الأشمّ في ما سُمي بعملية الجرف الصامد.
تلك الهزيمة في قطاع غزة في تموز الفائت التي وضعت النضال الوطني الفلسطيني ومقاومته الباسلة على أعتاب مرحلة نوعية جديدة تبشر بالانتقال من مرحلة الدفاع الاستراتيجي في حرب التحرير الفلسطينية الى مرحلة التوازن الاستراتيجي، حيث بات يمتلك الفلسطينيون لأول مرة في تاريخ كفاحهم المسلح أرضاً وقواعد عسكرية في فلسطين قابلة للدفاع عنها وقدرة الوصول إلى عمق جبهة العدو الداخلية وإثباط استراتيجيته القائمة على التفوّق النوعي والحروب الخاطفة، بعيداً من داخله.
ولأنّ «المقروص يخاف من جرَّة الحبل» كما يقول المثل الشعبي، فما أن لاح له هدف القافلة في القنيطرة حتى سارع جيش الاحتلال الى ما يشبه ضربة اليائس او الجبان، الذي بات يقرأ ما يجري من حراك لثقافة المقاومة وإعداد لمستلزماتها في الجولان، ما اختبره في جنوب لبنان وغزة أخيراً على جِلده وفي أوساط مستوطنيه من خسائر مادية ومعنوية، بشرية واقتصادية وايديولوجية لا تعوض رغم الدعم الاميركي والغربي اللامحدود.
لقد اصغى الكثير من الفلسطينيين والعرب إلى السيد حسن نصرالله في لقائه الأخير مع الاعلامي اللامع غسان بن جدو على قناة «الميادين»، كزعيم أُمة يقدم كشف حساب عن عام مضى ورؤيته إلى عام جديد تنتقل فيه قوى المقاومة من الوطني الى الاقليمي، فتعبر طوراً جديداً يتعدّى لبنان وفلسطين بعد ولوجهما مرحلة توازن الرعب والردع مع الاحتلال، وصولاً الى الجبهة السورية في الجولان التي ما زال يستبيحها جيش الاحتلال وطائراته وأجهزته الأمنية التي وجدت في ما يُسمى بـ«المجاهدين» وجبهة «النصرة» وغيرها ظهيراً يوسّع اختراقاتها في الجبهة السورية والخاصرة الشرقية للمقاومة وحزب الله في جنوب لبنان.
وإذ يتبارى المحللون في التنبّؤ بشكل الردّ على عدوان جيش الاحتلال في القنيطرة الذي يمثل إرهاب دولة وحرباً معلنة على سورية وحزب الله وإيران، ويحصرونه أحياناً بحزب الله، فلقد جاء هذا العدوان عرضاَ او قصداً بمثابة الردّ على قراءة ورؤية السيد حسن نصر الله للمعركة اقليمياً ودولياً.
ولعلّ الردّ الأمثل الآن في طوره وبعده النوعي الجديد في هذه اللحظة السياسية محلياً وعربياً واقليمياً ودولياً، ليس بالصواريخ والعمليات الخارجية بل بالأسلوب الاستراتيجي البسيط، السهل الممتنع والفتاك الذي طال انتظاره، باتخاذ القرار الجماعي المنشود من دون تردّد بإطلاق عمليات المقاومة الشعبية والكفاح المسلح المكفول باالقانون الدولي في الجولان السوري المحتلّ ما سيضع الاحتلال في الظروف المتكوّنة بين خيار القبول بسقف المقاومة او الحرب الإقليمية متعددة الجبهات، ليغدو الجولان ساحة الفرز بين الشرفاء والعملاء وجبهة لكافة المقاومين العرب وكلّ الأحرار والشرفاء في العالم أجمع.