احتراق الورقة السعودية الأخيرة…
سعد الله الخليل
من جديد تفشل محاولات السعودية في تغيير الموقف الروسي حيال ما يجري في سورية وكسر تحالفها الاستراتيجي مع دمشق، والذي استدعى استخدام حق النقض الفيتو أربع مرات في مجلس الأمن، في سابقة بتاريخ السياسة والديبلوماسية الروسية التي لن تتوانى يوماً خلال السنوات الأربع الماضية عن الإصرار على موقفها، ورفض التفريط والتنازل بأيّ مسلّمة من مسلّمات هذا التحالف، وهو ما دفع الديبلوماسيين الغربيين إلى تعديل مسودّات القرارات حيال سورية عشرات المرات قبل طرحها على التصويت إرضاء لموسكو وحلفائها، وهو ما أقرّ به مسؤولون كبار بوزن رؤساء دول وممالك ووزراء خارجية، ورغم التعديلات المتكرّرة سقطت تلك القرارات بالفيتو الروسي ولولا إدراك خصوم موسكو استحالة تغيير الموقف لشهدنا رقماُ قياسياً جديداً باسم الفيتو الروسي.
ما صدر عن المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية ديمتري بيسكوف ينفي ما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» عن مفاوضات روسية سعودية لتغيير موقف موسكو حيال سورية، مقابل تعهّد السعودية بخفض إنتاجها النفطي، ووصف بيسكوف تلك المعلومات بالافتراءات، وهي ليست الأولى في محاولات السعودية ولن تكون الأخيرة لاستمالة موسكو، فمنذ بدء الأزمة السورية قدمت الرياض إغراءات مالية بديلة لحوالى 4 مليارات دولار تكسبها موسكو من بيع الاسلحة الى سورية، ما لبثت أن عرضت مضاعفة المبلغ مقابل التخلي عن دمشق، كلّ ذلك بقي مجرّد أمانٍ. وفي عام 2013 سعت الرياض إلى استمالة موسكو عبر صفقة أسلحة تتجاوز الـ10 مليارات دولار لشراء دبابات وصواريخ من موسكو.
بعيداً عن الدخول في عمق التمسك الروسي بتحالفاته حيال سورية ومبررات موسكو ودوافعها التي تمتدّ إلى ما هو أعمق وأكبر من مجرّد صفقة سلاح هنا وسعر برميل نفط هناك، على أهمية ما تشكله الصناعة العسكرية والنفطية من موارد روسية تشكل عصب الاقتصاد الروسي وهيكله الرئيسي، يبدو انسداد الأفق أمام الرؤية السعودية لمسار الأحداث في العالم فبعد أربع سنوات من المحاولات ما تزال تفكر بإمكانية تغيّر رأي موسكو التي لم ترضخ لعقوبات غربية وأميركية عليها، وواجهت وجاهرت بمواقفها ومبرّراتها.
يتوالى سقوط الأوراق السعودية يوماً بعد يوم، فمع اقتراب نهاية المفاوضات الإيرانية الغربية بما يثبت الملف النووي الإيراني في خانة البرامج السلمية، ويدخل طهران في النادي النووي العالمي، تذهب جهود آل سعود بالتحريض ضدّ إيران وذدّ الاتفاق أدراج الرياح، فيما مسار الأحداث اليمنية يسحب البساط من تحت الرياض في اليمن السعيد بالوصول إلى حلّ سياسي جامع تشترك فيه كلّ القوى السياسية اليمنية لضمان العبور السلمي باليمن نحو الحلول الدستورية، تطلق الحياة السياسية وتحدّد مواعيد وأصول لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية وهو ما يعني نهاية الحقبة السعودية في اليمن.
وبالدخول إلى عمق جنوب آسيا وحيث ترسّخ الرياض قواعدها في الهند تنظر بتوجّس إلى التقارب الصيني ـ الروسي ـ الهندي، فالسعودية التي تربطها بالهند علاقات وطيدة قائمة على مستويين مهمّين… الأول اتفاق التعاون الدفاعي بين الدولتين الذي وقع في شباط 2014، والآخر تجاري فالمملكة السعودية تزوّد الهند بنحو خمس وارداتها من النفط وبين الدفاع والنفط تدرك المملكة خطورة تقارب الهند من روسيا التي تجمع الورقتين، والذي بدأت بوادره بالظهور باللقاء الثلاثي لوزراء خارجية روسيا والصين والهند وتعزيز التكامل والتنسيق، ما يعني خسارة محتملة وربما حتمية في زمان معارك كسر العظم لآل سعود في آسيا.
كما في السياسة والاقتصاد تخسر المملكة أوراقها على الأرض فمع إعلان ربيب المملكة الإرهابي زهران علوش تحالفه مع «جبهة النصرة» وتقديمه أوراق اعتماده لـ«الإسرائيلي» يعلن خروج آل سعود من الساحة السورية، وربما تتحوّل السعودية من لاعب أساسي في المنطقة ورأس حربة في المشروع الأميركي إلى مجرّد لاعب سابق على المدرّجات بعد أن أحرقت موسكو الورقة الأخيرة للمملكة.
«توب نيوز»