إنه زمن استهداف الجيوش العربية
جمال الكندي
ازدادت في الآونة الأخيرة العمليات الإرهابية في مصر واشتعلت منطقة شمال سيناء من جديد بعملية إرهابية بتوقيع ما يُسمّى «أنصار بيت المقدس»، والتي بايعت «داعش» مؤخراً . مصر الكنانة أصبحت اليوم من ضمن الدول التي تعاني من الإرهاب الموجّه والمدروس، إرهاب يضرب القاهرة وبعض المحافظات المصرية، ويحمل بصمة «الإخوان المسلمين»، وعنوانه الفوضى من أجل وهم اسمه «رجوع شرعية مرسي»، ولكن عقارب الساعة لا ترجع إلى الوراء وما يفعله «أنصار الإخوان المسلمين» في محافظات مصر من إرهاب وترهيب لا يقرّبهم من الشعب المصري بل هو عكس ذلك يزيد الفجوة بينهم وبين الشارع المصري.
مرسي عُزل وصفحته طُويت من تاريخ مصر، ولكنه ترك تركة ثقيلة على المصريين تذكّرهم بإرهاب حقبة الثماننيات والتسعنيات، فأسماء تتغيّر من جماعة «التكفير والهجرة»، إلى «أنصار بيت المقدس»، الى الاسم الجديد «ولاية إمارة سيناء» الذي بايع «داعش» أيضاً. ذهب مرسي وبقي الإرهاب في مصر وبقيت الدول التي كانت داعمة له، تعبث بأمن مصر وهي معروفة لدى الساسة والمواطنين المصريين.
إنه إرهاب زُرع في شمال سيناء إبان حكم مرسي، وتغلغل في تلك المنطقة، وكوّن بؤرة إرهابية تعيد إلى ذاكرة المصريّين إرهاب القرن الماضي… إنها لمفارقة غريبة أن تستهدف جيوش عربية السورية واللبنانية والعراقية والمصرية خلال فترة زمنية متقاربة وفي زمن ما يُسمّى «الربيع العربي» بإرهاب يحمل رايات إسلامية، ويصوّر هذه الجيوش بأنها كافرة ولا بدّ من محاربتها واستنزافها بشرياً وعسكرياُ، والسؤال هنا: مَن يقف وراء هذه الجماعات؟ ولماذا هذا التركيز على هدم منظومة الجيش الوطني؟ ولمصلحة مًن كلّ ذلك؟
البوصلة غائبة او مغيّبة في عيون هذه الجماعات المسلحة، التي تقاتل الجيوش الوطنية فهي موجهة باتجاه الداخل العربي، ومعطلة ضدّ الكيان الصهيوني، بل انها متعاونة معه كما هو الحال في سورية، انه فعلاً زمن استهداف الجيوش العربية بأوامر خارجية، ومن أجل أجندة معينة مرسومة بدقة بعد الربيع المشؤوم.
مصر تعاني… وهذا الإرهاب زادت وتيرته بعد الثورة العارمة على نظام الرئيس السابق مرسي، فأركان هذا الإرهاب في شمال سيناء غرست دعائمه خلال الحكم الإخواني في مصر، وها هي الآن تستخدم لقتل رجال الجيش المصري، ولأجل زعزعة أركان الدولة المصرية.
انّ الهدف الموحّد الذي يجمع هذه الجيوش، وهو محاربة الإرهاب في كل من مصر وسورية ولبنان والعراق، يستدعي مزيداً من التعاون العسكري والأمني والسياسي، وخاصةً بين مصر وسورية، والوقت قد حان لكي تعود العلاقات الديبلوماسية بين مصر وسورية الى سابق عهدها، قبل وجود نظام مرسي الذي قطع العلاقات الديبلوماسية بين البلدين بسبب الايديولوجية الإخوانية التي كانت تتحكم في قراراته، وليس من أجل «نصرة الشعب السوري» كما كان يدّعي.
هنالك أسئلة كثيرة تشغلني، وتشغل الكثيرين غيري… لماذا هذا التأخير من قبل النظام المصري الجديد بقيادة الرئيس السيسي في إرجاع العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين مصر وسورية؟ ولماذا ترك الموضوع معلقاً هكذا؟ هل هنالك تأثير معيّن بسبب أموال بعض دول الخليج يؤخر عودة العلاقات المصرية ـ السورية؟ أو هل هنالك اعتبارات معينة تلعبها مصر الآن تتطلب التأني في إرجاع العلاقات الديبلوماسية الكاملة؟ انها اسئلة عديدة ومحيّرة تدور في أذهان كلّ المتابعين للشأن المصري بعد النقلة الكبيرة في 30 حزيران 2013.
ولكن هنالك في المقابل الوضع الأمني المتردّي في شمال سيناء، ووجود مئات المصريين يقاتلون في سورية تحت مسمّيات عديدة يتطلب من الحكومة المصرية ان تضع بعين الاعتبار حماية شعبها وجيشها من آفة هذا الإرهاب في المقام الأول، وذلك من خلال التعاون الكامل مع الحكومة السورية، فالدم المصري ينزف في شمال سيناء وفي قلب القاهرة، والإرهاب لا يميّز بين سوري أو مصري، فهو بلا جنسية ولا لون ولا أخلاق…
إنه جرس إنذار لمصر، فالأولوية هي لمحاربة الإرهاب، وهي متقدمة على كلّ العناوين الأخرى، من اقتصادية أو سياسية أو غيرها، فبدون وجود الأمن والأمان تنعدم البيئة التي ينمو بين جوانبها الاقتصاد، والذي تبحث عنه مصر بعد زوال نظام مرسي.
الجيش المصري والجيش السوري عندما توحدا في حرب 1973 كسرا أسطورة «الجيش الذي لا يُقهر»، ومرغوا أنف العدو الصهيوني في التراب، والبطولات ما زالت تروى عن هذين الجيشين إبان حربهما مع الصهاينة، وذلك كله بسبب وحدة المصير والهدف بينهما، وما نشهده اليوم لا يختلف عن مشهد حرب 1973، ولكن الفارق هنا هو انّ العدو من بني جلدتنا، ويحمل زوراً وبهتاناً رايات إسلامية، وبنادقه مصوّبة إلى صدور امتنا، وليست في اتجاه من سلب البسمة والأمان من عيون أطفال فلسطين.
أعتقد أنّ الوقت قد حان لرجوع القطر الجنوبي مع الشمالي متوحّدين تحت راية القضاء سوياً على آفة الإرهاب التي تنخر جسدنا العربي، وتريد ان تجعله لقمة سائغة للعدو الصهيوني. فمتى نقدّم هذا على أموال تأتينا من هنا أو هناك وتقيّد قرارنا السياسي والسيادي؟