للتحالف الدولي الأميركي مصلحة في إعدام «داعش» للشهيد «الكساسبة»
عمان ـ محمد شريف الجيوسي
كثيرون جداً تحدثوا عن جريمة قتل وحرق الشهيد الطيار النقيب معاذ الكساسبة، التي ارتكبتها عصابة «داعش» المسلحة بالتخلف والظلامية والعمالة.
يتسم موقف التحالف الدولي الأميركي من قضايا الإرهاب بالمراوغة، لناحية زعمه وجود إرهاب معتدل أطلق عليه مسمى «المعارضة المعتدلة»، ولعدم جديته في اجتثاث «داعش» وأمثاله، وإن وجّه له ضربات تجميلية، لكنه في حقيقة الأمر لا يريد اجتثاثه، فوجوده يحقق إضعاف سورية والعراق وغيرهما، ويمثل عنصر إشغال واستهلاك وابتزاز لهما، وبالتالي عودة أميركا عسكرياً للمنطقة، ومحاولة فرض اشتراطات عليها في مقابل مزاعم بإنهاء «داعش».
ومن هنا، نرى أن واشنطن لم تمارس أيّ ضغط على تركيا أو قطر الداعمتين الرئيستين لـ»داعش»، معلنة أن الحرب على «داعش» طويلة الأمد. فاختصار زمن إنهائه لا يحقّق الغايات المرسومة من صنعه من جهة، وتوحّد «داعش» و»النصرة» لا يخدم أميركا والغرب والكيان الصهيوني من جهة أخرى، إذ قد يجعل منهما قوة إقليمية تتجرأ على المصالح الأميركية، وهو ما شهدنا مثله عندما استشعر «داعش» ذروة قوته وتقدمه تجاه بغداد، فارتكب جرائم ضد الأيزيديين والمسيحيين وغيرهم في المناطق التي استولى عليها. وهذه الارتكابات، خدمت واشنطن إذ ولّدت فكرة التحالف الدولي، وبالتالي العودة العسكرية إلى المنطقة، بغض النظر إن كانت مرسومة أو غير محسوبة.
لقد احتاج «داعش» لنقل قواته من الموصل إلى عين العرب، كقوة عسكرية، إلى نحو 9 ساعات، كان في مقدور واشنطن خلالها أن تضرب هذا التحرك في مهده وتجنب عين العرب هذه الخسائر والتضحيات، وكان من الممكن أن تفرض واشنطن على نظام الحكم التركي الراهن، وقف إمداداته للتنظيم التكفيري عبر الحدود، والسماح لأكراد تركيا بنصرة أبناء جلدتهم في سورية.
وحيث أن هذه الاستراتيجية لا تخدم واشنطن، تحركت «البيشمركة» الكردية العراقية، على خلاف إرادة الحكومة المركزية في بغداد، بحيث يحقق هذا التحرك أهدافاً عدة في آونة واحدة، فهو يعمق الخلافات العراقية ـ العراقية، ويثبت وجوداً كردياً عراقياً على الأرض السورية، ما قد يتسبب في خلق مشاكل بين الدولة الوطنية السورية والعراقيين الأكراد، مكوناً عنصر استنزاف جديد لسورية.
أقول إن «داعش» والنصرة وغيرهما من عصابات الجريمة والإرهاب على اختلاف المسميات والجهات الداعمة والمصنعين والخلافات البينية، تخدم الغرض الاستعماري الفتنوي التكفيري المذهبي الإثني الطائفي في المنطقة.
ومن هنا، كان لا بد لـ»داعش» من أن تقتل الطيار الأردني الشهيد معاذ الكساسبة وبهذه الطريقة الشنيعة، محققة أكثر من مشكلة في خدمة واشنطن وتحالفها، منها إثارة العشائر ضد دولتها الأردنية، وخلق حالة من الحساسية في التعامل مع مكونيْ الدولة الأردنية في قضيتي الشهيدين الكساسبة وزعيتر، ما قد يتسبب بخلخلة عرى الوحدة الوطنية، وبالتالي إضعاف الدولة، الأمر الذي سيجعل منها أداة أكثر من طيّعة، لا تتوانى عن تنفيذ كل ما يطلب منها و»حبة مسك» من دون تردد أو تلكؤ أو تململ أو تأجيل أو إرجاء لبعض ما قد يطلب، وفي الآونة نفسها إضعاف الأحزاب والقوى المعارضة لانضواء الأردن في التحالف الدولي الأميركي، على ما بين المعارضين من اختلافات بينية وخلفيات مختلفة، وبالتالي يخمد ولو إلى حين صوت تلك المعارضات الوطنية الأردنية السلمية.
من المؤكد أن الأردن الرسمي والشعبي يتفق بغالبيته العظمى على ضرورة وضع حدٍ للإرهاب، لكن ثمة اختلافات جوهرية بين الموقفين الرسمي الشعبي، ففيما تنحو الحكومة باتجاه التحالف الدولي الأميركي، تؤكد المعارضة الأردنية رفض التورط في هذا التحالف الذي لم يبذل بما فيه الكفاية جهوده لإطلاق سراح الشهيد الكساسبة، والذي غضّ الطرف عن دم القاضي زعيتر المسال عند معبر الكرامة، والذي صوت ضد قيام دولة فلسطينية، للأردن مصلحة كبرى في قيامها، على رغم كل مواقفه العملية الداعمة لواشنطن في كل الساحات المحيطة بالأردن.
باختصار، ليست لأميركا وحلفائها مصلحة حقيقية في إنهاء الإرهاب في المنطقة العربية، بل لها كل المصلحة في بقائه وتجذره هنا، وفي الاقتتال في ما بين جماعاته. وفي ممارسة جماعاته كلها، أعمال إرهابية ضد الجيوش العربية وشعوبها وأنظمتها، وبذلك فإن على الحكومة الأردنية، إذا أرادت تحقيق إنجازات حقيقية على الأرض ضد الإرهاب، فعلت ذلك بالتنسيق مع الدول العربية المناهضة له، وبخاصة تلك القريبة جغرافياً من الأردن كسورية والعراق ومصر، والانسحاب من التحالف الأميركي، فواشنطن وبقية العواصم الاستعمارية لا يراهن عليها لا في محاربة الإرهاب ولا في ما عداه، ومستعدة للتخلي عن الأردن عند أول منعطف.