لبنان مدعو إلى محاربة الإرهاب بالتضامن الداخلي أولاً

د. وفيق ابراهيم

سياسة «التكاذب» لم تعد مجدية للتهرّب من الاستحقاقات التي تهدّد لبنان كياناً ودولة. فهناك قوى إرهابية كبيرة لبنانية وسورية وفلسطينية ومن جنسيات أجنبية أخرى، تتجمع تحضيراً لاستهداف وحدتنا الداخلية،

وتجابهها قوى سياسية داخلية تمسك بالدولة لكنها متفرقة ومتعادية، وفيها شرائح وازنة تؤيد الإرهاب وتتستر عليه بضغط إقليمي أو لانسجام مذهبي، فضلاً عن ضرورات تجانسها مع سياسة «التعامي» الدولية التي تضع ضرب الجيوش وفكفكة الدول في مقدمة أهدافها، وتستخدم «ضرب الإرهاب» ذريعة للتدخل.

إنّ مبرّرات هذه الشرائح ليست مقبولة، فإذا كانت مراكز الضغط الإقليمي تستشعر خطورة ما تمثله إيران على مشاريعها الاستحواذية، فإنّ لبنان آخر من يجب أن يستشعر هذا الخطر، لأنه لا ينافس إيران على شيء ولا هي تنافسه. أما بالنسبة إلى حزب الله، فهو يمثل شريحة لبنانية قوية، الأمر الذي يفتح الباب واسعاً على اتفاق داخلي عميق بين الفئات اللبنانية.

بداية، علينا الإقرار بأنّ النظام السياسي اللبناني ميثاقي يتطلب إجماع طوائفه الكبرى. قد يتقدم مذهب أو طائفة في مرحلة ما، كما كان الحال مع الموارنة والسنّة بين 1948 و2006، لكنّ الواقع يقول إنّ الطوائف تتبادل المواقع بالسلب والإيجاب منذ تأسيس لبنان.

إنّ ما يجري اليوم لا يندرج في هذا السياق، فهناك فكر إلغائي جديد يتسربل بالدين متسللاً إلى لبنان لتحويله إلى ولاية «إسلاماوية». وهذا الفكر لا يقبل بالتباين، بل يريد تماثلاً كاملاً أو حدّ السيف، ما يعني عداء كبيراً مع مجمل المسلمين والمسيحيين على السواء. هذا هو فكر الإرهاب «الإسلاماوي» الذي تنشره جمعيات التعليم الديني في شمال لبنان والبقاع الغربي وصيدا والخلايا الدينية في مخيمات النازحين السوريين والفلسطينيين وبعض أنحاء الطريق الجديدة.

نحن لا ننشد هنا التهويل والإثارة، إنها حقيقة وعلينا معالجتها قبل أن يعيث الإرهاب في الأرض فساداً ودماراً ويدفع باتجاه حروب داخلية لن تؤدي إلا إلى تدمير لبنان.

المطلوب إذاً وبسرعة، جملة حلول سياسية وتعليمية وعسكرية وإعلامية.

أولاً: الإعلان عن رفض الإرهاب فكراً وممارسة، بتضامن داخلي يرفض التناصر المذهبي على حساب الإخوة في المواطنة.

ثانياً: إعلان وقف كلّ أشكال التعليم الديني في الإرساليات ومدارس الجمعيات الدينية عند المسيحيين والمسلمين من السنّة والشيعة والدروز والعلويين.

ثالثاً: إنّ استمرار انتظار الجيش اللبناني أسلحة فرنسية مغطاة من السعودية أصبحت مهزلة، فالإرهاب يزداد قوة والجيش يزداد ضعفاً. فلماذا لا يقبل الجيش الهبات الروسية والصينية والإيرانية، وعندما تصل الفرنسية يستعملها؟ أليس هذا منطقياً يا أهل المنطق الحريصين على سلامة جيشنا وتماسكه؟

رابعاً: إعلان وقف التحريض المذهبي والطائفي والعرقي وإلغاء كلّ ما يعكر صفو التضامن الوطني من برامج وأفلام ووثائق وعدم تقليد الإعلام الخليجي والغربي في التحريض على الفتنة.

خامساً: الدعوة إلى مؤتمر وطني للقوى اللبنانية على قاعدة أنّ الولاء للبنان يستلزم حرباً ضدّ «النصرة» و«داعش» وغيرهما. فما يؤيده بعض الغرب والعرب ليس صالحاً للداخل اللبناني.

وفيما كانت «النصرة» تقتل جنوداً لبنانيين، كان أحد الزعماء يبشّر باعتدال جبهة «النصرة»، ويزعم وزيره على شاشات التلفزيون أنّ «النصرة» تضم مهندسين وأطباء وأساتذة، ليتبين أنّ «إسرائيل» تتعاون معها وتزودحها سلاحاً وغذاء.

ويؤكد لنا الموفد الفرنسي جيرو، من جهة أخرى، أنّ جرود عرسال أصبحت جزءاً من الأزمة السورية، متجاهلاً ما تلقيه من ثقل وأوزار على الداخل اللبناني وتهدّد بتفكيكه.

وهكذا يمكن الاستنتاج أنّ تأييد الوزير جنبلاط لـ«النصرة» بالتقاطع مع تأييد «جيرو» لها ودعمها من قبل تر كيا وقطر و«إسرائيل» إنما ترمي إلى فكفكة المنطقة على أسس مذهبية.

هناك من لديه أحلام المشيخات المستقلة في جبل العرب والشوف ـ عاليه، ومن يخدم بتأييده «جبهة النصرة» التي قتلت جنودنا وتقتل كلّ يوم سوريين وعراقيين وآخرين.

يعتقد الخبراء أنّ ارتفاع أسهم التضامن الوطني بين اللبنانيين أقوى من كلّ المشاريع العسكرية وداعم أساسي للجيش في حروبه ضدّ الإرهاب، لكن دون هذا الأمر معوقات متعددة أولها عودة حزب «المستقبل» إلى إطاره اللبناني والحدّ من تبعيته العمياء للنفوذ الإقليمي، ورغبته الدفينة في استثمار الإرهاب لخدمة نفوذه الداخلي.

والمطلوب أيضاً، توقف رئيس حزب «القوات» سمير جعجع عن الأحلام الطائرة وإمكانية وقف الإرهاب عند حدود ذبح الشيعة فقط، وما حدث لمسيحيي العراق وسورية والأيزيديين والسنّة المختلفين معهم، أبلغ درس على طموحات جعجع غير المنطقية.

والمطلوب أيضاً عودة الوزير وليد جنبلاط إلى تراث سلطان باشا الأطرش وكمال جنبلاط، لأنّ عصر المشيخات ولى إلى غير رجعة، والبديل المطروح عن الرئيس بشار الأسد هم من سلالة الخوارج الذين لا مكان لأحد إلى جانبهم.

ولا بدّ في النتيجة من تضافر إمكانات اللبنانيين لإنقاذ مجتمعهم المتقدم على مجتمعات الإرهاب بألف عام على الأقل على الرغم من طائفيته.

فهل ينجو لبنان؟ راقبوا سلوك القوى اللبنانية الكبرى، فإذا عادت إلى لبنان فاعرفوا أنّ النجاة وشيكة، أما إذا بقيت تحت عباءة الخوارج فإنّ مصيراً أسود ينتظرنا بإشراف البغدادي والجولاني من دون أن ننسى الأستاذ فؤاد السنيورة وشركاءه في صناديق البنك الدولي وأمكنة أخرى.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى