«صور وثائقيّة عن دمشق» معرضاً فوتوغرافيّاً يحيّي عراقة المدينة وناسها
كتبت ديما الخطيب في صحيفة «تشرين»: كان الأجدر بجمعية «أصدقاء دمشق» أن يكون اسمها جمعية أبناء وأحباء دمشق، فهم ليسوا أصدقاءها، بل أهلها وأحبتها، تجمعوا حولها ليشاركوها عيدها، حاملين في أيديهم هدايا جميلة تراوحت بين صور من ماضي عاصمتها العريق، وقصائد لابنها نزار القبانيّ البار الذي كان حاضراً بقوة في أول صف المهنئين. إنه ميلاد قديستهُ، دمشق الياسمين.
المعرض الذي أقيم في المركز الثقافي العربي، في ثقافي «أبو رمانة» أشرف على جمع صوره الفنان عصام النوري الذي استعرض في صالةٍ صغيرة وبطريقةٍ بسيطة لم تتجاوز المجلدات الشفافة الملصقة بعناية، ومن دون أي «براويظ»، استعرضَ تاريخاً ضخماً، وحضارةً عريقة، عازفاً دمشق القديمة بشوارعها وساحاتها وأزقتها ونهر بردى على أوتار الحنين.
تلت المعرض في اليوم التالي ندوة استحضرت الشاعر الدمشقي الراحل نزار قباني، الذي لا يكتمل الحديث عن دمشق في غيابه ليكون معرض «صور وثائقية عن دمشق» بكاميرا الفنان والباحث عصام النوري الذي يقول عن المعرض: «دخل الفوتوغراف إلى سورية عام 1840 والتقطت أول صورة فوتوغرافية لدمشق في 13 كانون الثاني عند الساعة الثالثة والثلث عصراً، فدمشق الشام تضم الكثير من الأوابد التاريخية التي زال معظمها بسبب الزمن والحروب، ولو لم يكن للمصورين الغربيين فضل كبير في السبق إلى تصويرها، لاندثرت من الورق ومن الذاكرة، هذا إضافة إلى أن كل «النيغاتيف» المأخوذة عنه صور المعرض، غير موجود في سورية إنما في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، وهي صور عن «البوزيتيف» للصور، فهي ليست النسخة رقم واحد عن الصور إنما ربما رقم ثلاثون عن النسخ الأصلية، لذلك فهي قليلة الدقة».
«لا توجد حبة تراب في سورية، من آخر قرية إلى العاصمة، إلاّ تحمل ذكريات، فتاريخ سورية طويل»، يتابع النوري: «عشرون ألف عامٍ من الحضارة، فنحن أول من زرع القمح، ونحن أول من صدّر الأبجدية إلى دول العالم، ومن هنا نبعت الحضارات، وقد تناوب على سورية ست وثلاثون حضارة، أوليسَ من حقنا نحن السوريين أن نفخر بأقدم عواصم التاريخ مدنيةً وحضارة! وكل عمل ثقافي أو أدبي أو فكري اليوم هو ضرورة ملحّة لشباب سورية، ليتعرفوا إلى حضارة بلدهم الجميل، وإلى عظمائها، ونيسان هو موسم الربيع والتفتّح، وميلاد حزب البعث، وعيد الجلاء، وهو يعني لنا كسوريين عيد ميلاد سورية، لذلك رغبنا في أن نقدم شيئاً لوطننا في أعياده، لنزرع فيه بذور الفرح في فصل الفرح.
عن ندوة «قراءة في شعر نزار قباني» يقول النوري: «هذه الندوة هي استحضار للشاعر الدمشقي الكبير، فمثلما كان المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس في عصره، القباني هو مالئ الدنيا وشاغل الناس في هذا العصر. في هذه الندوة تناولت الجانب الإنساني للشاعر الدمشقي، هذا الجانب الذي أهمله الجميع، فنزار قبل أن يكون شاعر المرأة والجمال، هو شاعر إنساني وجداني، لديه أربع قصائد تهز الجانب الإنساني من الأعماق. ويؤسفنا أن كل من كتب عنه تجاهل الجانب الإنساني فيه، فالمرأة بالنسبة إليه وطن وميدان للوجدان والعواطف والأمل والحياة».
مديرة المركز الثقافي العربي في أبو رمانة السيدة مها ناجي تحدثت عن هذه الفعاليّة الدمشقيّة: «الحديث عن دمشق يطول، وإحياء هذه المناسبات العظيمة والاحتفاء بها هو دوماً استعادة للذاكرة الجمعية الحاضرة، لكن لأجل أن تحتفي الأجيال الجديدة بهذه المناسبات، مثل عيد الجلاء فهو لنا عيد أعياد سورية، وعلينا أن نحافظ على هذا الارتباط القائم بين الإنسان والأرض من خلال معرفة ما كان موجوداً، والاستمرارية الحالية للإنسان الموجود على هذه الأرض، بإبداعاته وابتكاراته، فهو احتفاء بسورية وبأهل سورية الذين قدموا الكثير إلى بلدهم».
عن هذا الربط الجميل بين دمشق القديمة والشاعر السوري نزارقباني تضيف ناجي: «عندما يُذكر اسم نزار قباني، تحضرنا القصائد التي قدمها إلى دمشق، بالتالي لا يمكن الفصل بين القباني ودمشق، فرغم سفره واغترابه إلاّ أن دمشق ظلت حاضرة في وجدانه، وظل الياسمين يعرش على أصابعه كلّما كتب قصيدةً عنها، فهذا الحنين الذي كان يعبر عنه القباني بشكل مستمر، يأخذنا بالذاكرة إلى حارات دمشق القديمة وبيوتها الجميلة، وإلى كل ما في دمشق من أوابد ومعالم تحكي قصّة هذه المدينة العريقة، التي يقال فيها دائماً، إنّ فيها سحراً لا يقاوم».