عبد الله الثاني يستعين بـ«القاعدة» في مواجهة «داعش»
عامر نعيم الياس
أفرجت محكمة أمن الدولة الأردنية عن عصام البرقاوي المعروف بِاسم «أبو محمد المقدسي»، أبرز منظِّري التيار السلفي في البلاد والذي اعتقل قبل ثلاثة أشهر بتهمة التحريض على مناهضة الحكم، واصماً النظام الملكي الأردني «بالعار».
هو ابن فلسطين من أصدقاء أيمن الظواهري وغيره من الشخصيات الدينية التي جمعتهم مرحلة الأفغان العرب، كما أنه يعد من أهمّ أساتذة أبي مصعب الزرقاوي الذي شكّل نواة تنظيم «داعش» في العراق، إذ جمعهما سجنٌ واحد في الأردن. لكن الافتراق بينهما بدأ بسبب خلاف فقهيّ حول العمليات التي تستهدف المدنيين في العراق، بعد بدء أبي مصعب الزرقاوي بمجازره هناك. خلافٌ يبدو أنه تطور ليتكرس مع بزوغ نجم «القاعدة الجديدة» أو ما يسمّى تنظيم «داعش» وإعلانه دولة الخلافة، إذ اتّخذ المقدسي موقفاً معارضاً لهذا الإعلان وبالتالي لمبايعة أبي بكر البغدادي، يتماهى إلى حدٍّ كبير مع موقف تنظيم «القاعدة» الدولي بقيادة أيمن الظواهري، وموقف حركة «طالبان ـ أفغانستان» التي ترى أن الوقت لم يحن بعد لإعلان «الخلافة الإسلامية».
ثلاثة أيام بعد مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد «الدواعش»، كانت كافية لتحديد النظام الأردني خياراته في مواجهة هذه الحادثة التي هزّت المجتمع الأردني، ووحّدت قواه في مواجهة «داعش». فعلى المستوى الداخلي اختار الملك وأجهزته الأمنية تعويم السلفية الجهادية الأردنية مقابل تكفير «داعش» والإخوان على حدٍّ سواء. هنا تحضر الاستراتيجية السعودية في هذا الشأن، فقد ظهر أبو محمّد المقدسي على قناة «رؤية التلفزيونية» الأكثر تأثيراً ومصداقيةً في الشارع الأردني، معيداً تجديد الخطاب السلفي على العلن، طاعناً بشرعية «داعش»، مكفّراً إياه، وموظّفاً ما جرى في سياق لعبة تلميع «القاعدة التقليدية» على حساب «القاعدة الجديدة»، وفقاً لمقتضيات صراع معقّد يتقاطع فيه الداخلي مع الخارجي، هذا الأخير الذي ينظم الدور الأردني في الحرب الأميركية على تنظيم «داعش» في العراق وسورية، تلك الأخيرة التي يستوجب التحالف مع القوى الوطنية الأردنية تغيير الاستراتيجية الملكية في الحرب السورية وهو أمر غير مقبول لدى الناطق بعبارة «الهلال الشيعي». فالحرب على سورية تتطلب تلميع صورة قاتل في مقابل قاتل آخر، قاتل مستعدٌ للتعاون على قاتل منفلت العقال، وهو بالضبط ما جرى. فـ«داعش» العدو المعلن للجميع من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الملك الأردني عبد الله الثاني مروراً بأبي محمّد المقدسي وليس انتهاءً بأبي محمّد الجولاني زعيم «النصرة» في سورية والذي يتحرك وجماعته، التي تقدّم نفسها بأنها الذراع الرسمية لـ«القاعدة» في سورية، على خط «إقامة دولة صغيرة في سورية في الوقت الذي يحارب الغرب تنظيم داعش» وفقاً لصحيفة «تايمز» البريطانية.
الأمر لا يقف عند هذا الحدّ، فمشروع إقامة شريط عازل في جنوب سورية لا يزال على نار حامية، والمطلوب المزيد من طاقات التجنيد المنضوية تحت لواء الغرب، أو تلك التي ترى «مصلحة مشتركة» في التحالف الموقت معه الآن، عبر الإفتاء بضخّ المزيد من المقاتلين إلى تلك الجبهة التي تشكل «النصرة» فيها رأس الحربة، خصوصاً في منطقة الفصل في الجولان السوري المحتل. وهنا لا بدّ من السماح لمنظّري «القاعدة» في الأردن ـ مسقط رأس الزرقاوي واضع اللبنة الأولى في تنظيم «داعش» ـ من العمل بحرّية، وهو ما اختاره الملك عبد الله. فالحرب في سورية «مقدسة» ولا حلّ أبداً بما هو وطني، بل الحلّ ديني ومذهبي عبر تكريس الاستقطاب في المنطقة واحتواء الوهابية في الداخل عبر خلق ساحات عمل في الخارج تضمن استمرار الاستنزاف.
كاتب ومترجم سوري