الهجوم في جنوب سورية جهد مشترك لمحور المقاومة…
د. عصام نعمان
دخل هجوم الجيش السوري في الجبهة الجنوبية ريف درعا وريف القنيطرة يومه السابع. ظاهر الحال يشير إلى أن الصراع يدور بينه وبين المجموعات المسلحة بقيادة جبهة «النصرة»، وان هدفه استعادةُ سورية السيطرة على منطقة خط الفصل بين قواتها وقوات «إسرائيل» في الجولان. غير أن التطورات الميدانية وردود الفعل في عواصم الإقليم وعواصم الغرب الأطلسي تشي بأبعاد أخرى للصراع.
صحيح أن دمشق مصممة على سحق المجموعات المسلحة التي تسيطر على منطقة خط الفصل، إنما لم يعد خافياً على أحد أن «إسرائيل» تدعم هذه المجموعات عسكرياً ولوجستياً. فقد مكّنتها من الاستيلاء على المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان وذلك بطرد قوات «اندوف» الأممية منها والحلول محلها، ومرادُها توسيع منطقة انتشارها لتلامس تخوم محافظة دمشق بغية الضغط على الحكم في العاصمة.
ثمة بُعد آخر للصراع يتصل، من جهة، برؤية الولايات المتحدة و»إسرائيل» لما تسمّيانه مستقبل سورية، ومن جهة أخرى بالمفاوضات حول برنامج إيران النووي بين واشنطن وطهران.
إذا كانت إدارة أوباما قد سلّمت، على ما يبدو، باستحالة إقصاء الرئيس بشار الأسد على رغم محاولات أمنية وسياسية متعددة منذ اندلاع ما تسميه «ثورة الحرية والكرامة» في ربيع عام 2011 فإنها ما زالت تسعى بالتعاون مع أطراف دولية وإقليمية إلى إعادة ترسيم الخريطة السياسية لبلاد الشام وبلاد الرافدين بغية تقسيمها بإقامة كيانات مذهبية واثنية. من هنا فإن سيطرة المجموعات المسلحة في ريف القنيطرة ودرعا ودفعها نحو محافظة دمشق يساعدان الولايات المتحدة و»إسرائيل» على تحقيق رؤيتهما لما تسمّيانه مستقبل سورية.
إذْ أدركت دمشق مخاطر مخطط واشنطن في هذه المرحلة، فقد بادرت، ربما متأخرةً بسبب انشغالها بالتصدي لتنظيميّ «داعش» و»النصرة» في شمال البلاد ووسطها، إلى مباشرةِ هجومٍ واسع على رديفهما المسيطر على منطقة واسعة من جنوب سورية.
هذا البُعد من الصراع في سورية وعليها لا يُمكن فصله عن بُعد آخر دولي وإقليمي. إنه ضغط دول حلف «الناتو»، ولا سيما الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، على إيران لحملها على القبول بتسوية لبرنامجها النووي تُرضي دول «الناتو» و «إسرائيل».
هذا البُعد في الصراع والغاية المتوخاة منه يستجّران إلى ساحته، بالضرورة، لاعبين لهما مصلحة فيه ومنه. إنهما «إسرائيل» وإيران. فالكيان الصهيوني لا يفتأ يعبّر، بلسان رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، عن قلقه الشديد من صعود إيران نووية، وهو يضغط بالتالي على الولايات المتحدة، خصوصاً من خلال أنصاره في الكونغرس، لمنع إدارة أوباما من التوصل معها إلى «تسوية سيئة»، كما يشارك واشنطن وحلفاءها الدوليين والإقليميين في محاولات الضغط عليها لإضعافها من خلال إضعاف حليفها السوري الذي أتاح ويتيح لها إيران الانتشار، في شكلٍ أو آخر، بمحاذاة شمال «إسرائيل» وشمالها الشرقي.
إيران لم يغب عنها مؤدّى هذه الضغوط، فبادرت إلى تعطيلها بدعم حليفها السوري بالمال والسلاح والرجال. في هذا السياق، فسّر محور المقاومة، حزب الله وسورية وإيران، عملية «إسرائيل» العدوانية في القنيطرة التي ذهب ضحيتها سبعة من كوادر المقاومة وجنرال إيراني بأنها دليل ساطع على اتجاه الكيان الصهيوني إلى تجذير وجود المجموعات المسلحة في ريف القنيطرة ودرعا والانطلاق من هناك إلى تهديد العاصمة السورية. لذلك ردَّ محور المقاومة على «إسرائيل» بذراع حزب الله في مزارع شبعا، وأعلن بلسان أمينه العام السيد حسن نصرالله إسقاط «قواعد الاشتباك» مع العدو الصهيوني ورفضه تفكيك الساحات والميادين وبالتالي اعتبار الجبهات العربية جبهة واحدة.
في ضوء هذه المقاربة الإستراتيجية الجديدة للصراع، باشر الجيش السوري مؤخراً هجوماً واسعاً في جنوب البلاد مدعوماً بمقاتلين من حزب الله ومتطوعين إيرانيين. مع الهجوم نهض سؤالان: إلى أين سيصل محور المقاومة بهذا الهجوم؟ وكيف ستتصرف تل أبيب حيال هذا الهجوم الواسع؟
لا شك في أن لتوقيت الهجوم تأثيراً لاجماً على كِلا الطرفين. ذلك أن دمشق حريصة على مراعاة حليفها الإيراني خلال فترة تفاوضه مع غريمه الأميركي، إذ لا يفيدها توسيع دائرة هجومها الناشط على نحوٍ يثير مخاوف «إسرائيل» و يحفّز نتنياهو على توظيفها في الكونغرس الأميركي لكبح محاولات أوباما للتوصل مع إيران إلى تسوية في شأن برنامجها النووي.
يترتب على هذا الأمر اضطرار سورية إلى الاكتفاء بطرد المجموعات المسلحة المتعاونة مع «إسرائيل» في الجولان من دون التقدّم إلى المنطقة المنزوعة السلاح للحلول محل المجموعات التي استولت عليها بدعم من العدو الصهيوني وسكوت حليفه الأميركي، وذلك كيّلا يستثيرهما ضدها وضد إيران قبل آخر شهر آذار المقبل الذي تجري في منتصفه الانتخابات «الإسرائيلية» كما ينتهي في أواخره الفصل ما قبل الأخير للمفاوضات «النووية» الأميركية- الإيرانية.
إلى ذلك، إذا أخفقت واشنطن وطهران في التوصل إلى اتفاق مبدئي في المفاوضات الآيلة، في حال نجاحها، إلى توقيع اتفاق نهائي، فإن طهران لن تمانع في أن يقوم محور المقاومة بتوسيع هجومه على نحوٍ يؤدي إلى وضع اليد، بفعل سياسة تغيير «قواعد الاشتباك»، على المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان.
أما «إسرائيل» فتبقى محكومة بعاملين لاجمين لحركتها. فهي متأهبة، من جهة، لتوظيف أي تصعيد للهجوم السوري في الكونغرس بغية تعطيل اتجاه أوباما للتوصل إلى تسوية «نووية» مع إيران، وهي متهيّبة من جهة أخرى من مخاطر الرد بقوة على الهجوم السوري الواسع في ريف القنيطرة مخافةَ أن يتطور القتال إلى حرب تعطّل انتخابات الكنيست في منتصف الشهر المقبل، فيخسر نتنياهو وحزبه فرصة البقاء قي السلطة.
الأرجح، والحالة هذه، أن تحاذر «إسرائيل» في هذه الآونة الانزلاق إلى حرب مع أطراف محور المقاومة، سورية وحزب الله وإيران، وأن تستوعب بصمت الهجوم الناشط في جنوب سورية كما استوعبت قبله بصمت هجمة حزب الله عليها في مزارع شبعا وإعلان السيد حسن نصرالله إسقاط «قواعد الاشتباك».
وزير سابق