لماذا الهروب الأميركي من اليمن والبحرين…!؟

محمد صادق الحسيني

ورد في الأخبار أن سفير واشنطن في صنعاء قام بإجراء عاجل ومفاجئ قبل مغادرته هو وأعضاء سفارته اليمن، يقضي: «بإحراق كمية كبيرة من الوثائق الموجودة داخل مبنى السفارة…».

وطبقاً لمصدر يمني عامل داخل السفارة صرّح لـ»المساء برس» فإنّ السفير الأميركي أصدر أوامر صارمة مساء الاثنين المنصرم: «تقضي بإتلاف جميع الأجهزة الإلكترونية ومن بينها كاميرات المراقبة وكذلك أجهزة الحواسيب. واللابتوب، وأن عملية الإتلاف تمت في فناء تابع للسفارة وأن السفير قام بإتلاف محتويات مكتبه بنفسه بما فيها من وثائق وأوراق ومستندات وكذلك تقارير يومية باللغتين العربية والانكليزية ناهيك عن إتلاف جهازه المحمول وعدد من أجهزة الكومبيوتر إضافة إلى أشرطة…»!

هذا كما علم من مصادر يمنية موثوقة أنه تم تدمير وإعطاب أسلحة من نوع خاص لم يعرف نوعها أو أغراض استعمالها في فناء سفارة الاستكبار وأن الهروب الكبير للجواسيس الأميركيين مارينز وغيرهم وعلى رأسهم «السفير» قد تم من خلال الاستعانة بسلطنة عمان التي نقلتهم بطائرة عمانية خاصة.

كل ذلك كان يتم بسرعة فائقة في غرف الظلام الأميركية، بينما ملايين اليمنيين يفترشون الساحات احتفالاً بالإعلان الدستوري المبشر بيمن واعد جديد.

من جانب آخر وليس بعيداً عن اليمن بكثير، فقد علم أن القاعدة البحرية الأميركية في المنامة قررت إغلاق مدرسة البحرين لأبناء المارينز خوفاً من التظاهرات الشعبية العارمة بمناسبة الإضراب العام الذي دعت إليه فعاليات ومنظمات الناشطين السياسيين البحرينيين بمناسبة الذكرى السنوية لانتفاضة 14 فبراير الشهيرة المستمرة لأربع سنوات متتالية في البحرين.

هذا كما أكدت لنا مصادر مطلعة وموثوقة بأن الأسطول الأميركي الموجود في البحرين يتحرك بسرعة منظمة لنقل العديد من قواته وتجهيزاته إلى دولة سلطنة عمان، وأنه اشترى أراضي واسعة هناك وبدأ عملية بناء مساكن سريعة لجنود وضباط البحرية – المارينز- له في السلطنة بدلاً من البحرين.

ممَ يخاف الأميركيون عندما يتلفون أشرطة ووثائق وتقارير يومية وأجهزة حاسوب، في بلد انتفض فيه أهله لكرامتهم وعزتهم واستقلالهم ولم تضرب كف واحدة لبرئ أو يعتدى على أحد من دون وجه حق!؟

ومم يتخوف الأميركيون في بلد عربي مجاور آخر يتظاهر فيه شعبه في إطار ثورة مطلبية سلمية حضارية متمدنة استمرت أربع سنوات متتالية ارتقى فيها آلاف الشهداء إلى ربهم وسقط آلاف آخرون جرحى واعتدي على كرامات الإنسان فيها وتعرض فيها الكبير والصغير من الرجال وتعرضت خلالها النساء الحرائر والأطفال إلى كل أشكال العدوان السافر على خصوصيات الفرد وانتهكت حقوق الإنسان من دون أن يلجأ القادة فيه كما الأكثرية الغالبة للشعب للجوء إلى العنف ولو لمرة واحدة انتقاماً لشهدائهم أو أعراضهم وكراماتهم…!؟

سؤال مشروع ووجيه يلفت انتباه المتتبعين والعارفين بكثير من خفايا الأمور وما يتم تداوله في الكواليس حول مدى تورط الأجانب وتحديداً الأميركيين فيما يجري في كل من اليمن والبحرين من مؤامرات على هذين البلدين الشقيقين.

هل خاف الأميركيون في صنعاء أن يتم اكتشاف أن سفارتهم ليست سوى وكراً للجاسوسية ليس إلا…!؟

هل خاف الأميركيون اكتشاف أهل اليمن بعد انتفاضة العزة والكرامة بأن ما كان يسمى بالسفارة الأميركية كانت وكراً يرتاده الفار علي محسن الأحمر وأعوانه ليطبخوا مؤامراتهم الدنيئة ضد شرفاء اليمن وأحراره، يوم كان يتحكم بمطبخ صناعة القرار اليمني وخاض ست حروب مدمرة في شمال اليمن ليحول بلاده إلى دولة فاشلة مقدماً إياها لقمة سائغة للأجنبي…!؟

هل خاف الأميركيون من اقتحام مفاجئ للثوار اليمنيين لمبنى وكر الجاسوسية هذا وتكرار ما حصل في إيران قبل ستة وثلاثين عاماً، عندما دخل الطلبة الإيرانيون إلى وكر الجاسوسية الأميركي في إيران واكتشفوا مدى عمق تورط الكاوبوي الأميركي في كافة الشؤون الداخلية الإيرانية بما فيها محاولة التحضير لانقلاب على الثورة وتدريب جواسيس محليين للانقضاض على استقلال البلاد وسيادتها وحريتها بعد الثورة في محاولة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء!؟

هذه الأسئلة المشروعة حول اليمن يمكن استحضارها في حالة البحرين أيضاً التي تقف على أعتاب ثورة محتملة على شاكلة اليمن، إذا ما تطورت الأمور في المنامة بين الحكومة والمعارضة السلمية المدنية الحضارية إلى ثورة من نوع متفاوت بسبب مكابرة حكومة المنامة ورفضها تلبية مطالب المعارضة واستمرار اعتقال رموزها الوطنية بغير وجه حق واستمرارها في الاعتداء على الحقوق المدنية حتى للناس العاديين، وهو ما دفع البعض للاعتقاد بأن أمر ما أكبر قد يكون يحضر للبحرين، وأن الإجراء الأميركي المشار إليه أعلاه قد يكون من شواهد وقرائن التطور المرتقب.

ومع ذلك كله يتم اتهام اليمنيين والبحرينيين بأنهم يعملون بأوامر خارجية أو أنهم تابعون لإيران أو غير إيران كحزب الله اللبناني مثلاً.

يقول المثل الشهير: قل لي من تعاشر أقل لك من أنت…!

اليمنيون الأحرار والشرفاء المنتفضون على الهيكلية السابقة التي ثبت فسادها وإفسادها، إنما فعلوا ذلك لأن شرفهم وكرامتهم وعزتهم ودينهم من دفعهم للتمرد والاحتجاج والانتفاض ضد الطغمة الجاثمة على صدورهم.

ويأتي القرار الأميركي اليوم بإتلاف كل تقارير ووثائق سفارته وما تبقى من أسلحته الخاصة والخروج السريع والممنهج مع سائر السفارات الغربية من العاصمة صنعاء، ليكشف مدى ارتباط تلك الطغمة الفاسدة والفارة من وجه العدالة اليمنية بحكم السفارات والقناصل الأجنبية.

كما يؤكد بالمقابل مدى استقلالية ووطنية القرار الذي يتمتع به رموز وقادة اليمن الجديد، وكيف أنهم ما انتفضوا إلا ليمن الكرامة والعزة والإباء والعيش الكريم تحت السماء الصافية والنقية والخالية من شوائب التبعية والانقياد.

هذا هو جوهر ما يجري في كل من صنعاء والمنامة، وأما ما عدا ذلك، لا سيما الحملة الترويجية الهادفة لربط ولاء هاتين الثورتين الصافيتين والنقيتين وطنياً وقومياً، بالهوى الخميني مرة والتواصل الروحي والمنهجي بحزب الله اللبناني مرة أخرى أو انتماء قادة الحراك في البلدين الشقيقين إلى مدرسة المقاومة والممانعة، فهذا ما يزيدهما إلا فخراً واعتزازاً وشرفاً، وهو أمر يسجل لهما وليس عليهما، لأن هذا الانتماء الخميني والمقاوم هو من هزم «إسرائيل» مرات ومرات وهو من جعل الاستكبار الأميركي يتجرع السم مرات ومرات أيضاً… وهو من يمرغ أنف الصهاينة وأذنابهم التكفيريين اليوم في أكثر من بقعة من بقاع تراب المثلث الدمشقي الشهير.

لا هم ينكرون ذلك، ولا المساندون والداعمون والمؤيدون لهم من الحلفاء تبرأوا من هذا الشرف القومي والإسلامي والإنساني.

إن الطيور على أشكالها تقع.

نعم أيها التكفيريون والدواعش والحاكمون من وراء حجب وسواتر الأجنبي، لكم سفاراتكم وقناصلكم الذين يقدمون الدليل تلو الدليل اليوم على ارتباطكم بهم وهم يفرون على عجل تاركين عملاءهم وأذنابهم في مهب رياح الثورات الشريفة والعزيزة والصافية وطنية.

ولكم انتم بالمقابل يا أحرار اليمن والبحرين كل التقدير والإجلال والإكبار على حسن اختياركم وخياراتكم الاستراتيجية، عندما تعلنون، أنكم بالإضافة إلى مطالباتكم الوطنية والشعبية والقومية الصافية، إنما تنتمون إلى أمة أشرف الناس من طهران إلى دمشق إلى بغداد الجديدة إن شاء الله، بغداد ما بعد جرف النصر، إلى الضاحية الأبية ولبنان العزة والكرامة، لتكملون قوس المقاومة وتتوجون بدرها بإعلان استقلال القرار العربي في مضيق باب المندب والبحر الأحمر وصولاً إلى قاهرة المعز قاهرة الأزهر الشريف وعبد الناصر قريباً بإذن الله القادر على نصر العرب ونصر الأمة كلها قبل أن يرتد للأعداء بصرهم.

أما خروج السفراء وإغلاق السفارات أو ما يشابهه من قرارات متوقعة أخرى، فهو قرار غبي أحمق يدين فاعله ويظهره على حقيقته، وهو متلبس بجريمته كما يشي بما هو أخطر مما ستكشف عنه كرة الثلج المتدحرجة، أو السقوط المتوالي لأحجار الدومينو البترودولارية.

إنه الهروب الكبير المتوقع، بعد عجزهم عن وقف تسارع حركة التغيير والمطالبات المشروعة بإنهاء حكم السفارات والقناصل الأجنبية.

إنه الفشل الذريع الذي يحصدونه بعد تطاير نتائج تدخلاتهم وتحول الانتفاضات الشعبية عليهم إلى ريح صرصر عاتية وخسران مبين لكل ما زرعوه طوال عقود من الزمن بالسيف والزيف الذي ينكسر ويفتضح اليوم على الملأ والقادم أخطر.

رحم الله ذلك الرجل الثمانيني الفقير إلى الله، لكنه الغني بدينه وعقيدته وثباته واستقامته وعزيمته واستقلالية قراره يوم قال: الحمد لله الذي جعل أعداءنا حمقى، يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين.

عنيت به الإمام روح الله الموسوي الخميني، الذي يحصد اليوم ما زرعه قبل ثلاثة عقود ونيف من منظومة قيمية يخر لها الجبابرة وتذل لها الإمبراطوريات وتفرّ من حراك السائرين على نهجه سفراء وقناصل الجاسوسية الدولية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى