الحياة في العزّ
طارق سامي خوري
في كلّ أول آذار نجتمع لنقول المجد لأمتنا والخلود لمؤسّس فكرنا.
يأتي آذار اليوم وكلّ عام نتمنى أن يكون العام المقبل أفضل لكن الضغوط الكبيرة التي تتعرّض لها أمتنا ستجعلنا نتمنى أن لا يكون المقبل أسوأ.
في مثل هذا اليوم من العام 1904 ولد الزعيم أنطون سعاده، مؤسس الحزب السوري القومي الإجتماعي، ولمن لا يعرف أقول نحن نحتفل بعيد ميلاد الزعيم ليس كشخص بل كصاحب فكر، أيّ أننا نحتفل بميلاد الفكر الذي نؤمن به.
سعاده هو من قال: «إن الحياة وقفة عزّ فقط».
قالها وفعلها فكانت لحظات إعدامه وقفة عزّ سجلها له التاريخ ولن تمحى من صفحاته الناصعة البيضاء.
سعاده الذي قال لجلاده: «إنّ الحياة لا تكون إلا في العزّ، أما العيش فلا يفرق بين العز والذلّ» فهو أراد أن يعلّم أجيالاً لم تولد بعد الفرق بين الحياة والعيش.
سعاده الذي نحتفل بذكرى مولده في الأول من آذار عرف أنّ أكبر مصائب أمتنا من الصهاينة، وعرف أنّ الصراع مع الصهاينة ليس فقط في فلسطين حين قال:
«إن الصراع بيننا وبين اليهود لا يمكن أن يكون في فلسطين بل في كل مكان حيث يوجد يهود قد باعوا هذا الوطن وهذه الأمة بفضة من اليهود… إنّ مصيبتنا بيهودنا الداخليين أعظم من بلائنا باليهود الأجانب».
فيهود الداخل هم من يسعون إلى شرذمة أمتنا وهم من يفضلون الطائفة على الوطن وهم من يدمّرون حضارة أمتنا ويعيثون في أرضها فساداً وإفساداً.
يهود الداخل هم من تناسوا فلسطين ومحتلّ فلسطين، وهم من وقف مع الصهيوني في تدمير بنية العراق والشام، وهم من فرح باستشهاد أبطال حزب الله في القنيطرة، وبالحكم الذي أصدرته مصر بحق «حماس».
هؤلاء علينا أن نحاربهم أولاً لأنهم أشدّ خطراً من عدوّ نعرف اسمه ومكانه ولا نعيش معه بعلمنا.
وقال سعاده: «كلّ نظام يحتاج إلى الأخلاق، بل إنّ الأخلاق هي في صميم كلّ نظام يمكن أن يكتب له أن يبقى».
فتبرير شراء الغاز من محتلّ فلسطين وسارقها هو تبرير غير أخلاقي، فإذا برّرنا شراء بضاعة مسروقة نكون قدّمنا المبرّر القانوني وليس الأخلاقي لكلّ من تسوّل له نفسه الجريمة بكلّ أشكالها، فكلّ مجرم له مبرّرات لجريمته قد تشابه التبريرات التي يستخدمها مشجع شراء الغاز المسروق بل قد يملك مبرّرات أقوى.
يأتي الأول من آذار وقد حلت بالإنسانية جمعاء أكبر كارثة حضارية في التاريخ، فالتدمير الممنهج لآثارنا التي هي مهد المدنية الأولى لم يحدث له شبيه، وكلّ هذا باسم الدين والدين منه براء، فبِاسم الدين يقتلون ويذبحون ويحرقون ويدمّرون آثار العراق والشام!
صدقت يا زعيمنا وأنت من قلت: «اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض».
لقد نسي الكثيرون الأرض ومن سرقها وعاد بذاكرته قروناً إلى الوراء.
يا زعيمنا… اليوم ذكراك والألم في كلّ مكان، لكننا كما علّمتنا أنّ الحياة العزيزة لا تكون بالبكاء بل هي بالعمل والمقاومة والمبادئ.
الحياة العزيزة هي بمقاتلة عدونا الوحيد وبتحرير أرضنا من براثن الشرّ.
وها هم أبطال فلسطين ولبنان يقدّمون الغالي والنفيس، فهم يؤمنون بأنّ العدو الصهيوني هو عدو أمتهم وهو الورم الخبيث الواجب استئصاله.
في عيدك نقول: المجد لأمتنا والخلود لفكرك والمجد للمقاومين الشرفاء في كلّ مكان.
نائب سابق في البرلمان الأردني