قوة عربية مشتركة في زمن التقسيم!
جمال العفلق
طالما تحدث العرب عن العروبة والقوة العربية، تلك القوة الساكنة التي لا يعرف العرب حقيقتها بالفعل ومدى تأثيرها على الوضعين الإقليمي والدولي إذا ما تشكلت، ولكن في زمن تدمير الدول العربية وتصفية جيوشها وتحميلها ما لا طاقة لها فيه وفي زمن التردّي السياسي والاقتصادي، وفي زمن ما أُطلق عليه ظلماً اسم «الربيع العربي»، صرّح نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي بأنّ اقتراح تشكيل قوة عربية للإسهام في صون الأمن القومي العربي وحمايته سيكون في صدارة جدول أعمال القمّة العربية القادمة والتي سوف تعقد في القاهرة نهاية هذا الشهر.
ولأنّ المواطن العربي قد ملّ من تصريحات الجامعة العربية ودورها السلبي في القضايا العربية الكبرى، تلك الجامعة التي تحولت إلى منبر لتمرير القرارات التي ساهمت في تدمير الدول العربية الواحده تلو الأخرى، بدءاً من العراق مروراً بالسودان واليمن وليبيا وسورية ولبنان والقضية الفلسطينية التي ما زالت تشكل لدى الشعوب العربية المخلصة الهمّ العربي الأول والأخير، فمن حقّ المواطن العربي أن يسأل عن هذه القوة وعن الأمن القومي العربي الذي يتحدث عنه السيد بن حلي.
هل هو الأمن القومي العربي الذي لا يتحدث عن الدور التركي في الحرب على سورية؟
هل هو الأمن القومي العربي الذي لا يذكر وجود أكبر قوة أميركية على الأراضي العربية؟
هل الأمن القومي العربي بخير في وجود «إسرائيل» التي تربطها علاقات وثيقة مع أكثر من نظام عربي، منها ما هو معلن ومنها ما زال ينتظر الإعلان؟
هل هو الأمن القومي العربي الذي حول دولاً عربية إلى معبر وممرّ آمن للإرهاب الذي يطال الشعوب العربية، وجزء كبير من هذا الإرهاب ممول عربياً»؟
هل هو الأمن القومي الذي ترعاه الدول العربية المتحكمة بالجامعة العربية وقراراتها التي نتج عنها تدمير ليبيا وقتال في اليمن ومشاريع متلاحقة لمجلس الأمن لوضع سورية تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتشريع التدخل العسكري الغربي فيها؟
من الواضح أنّ هذا المشروع هو أمر مقرّر وأنه سيجد طريقة إلى النور وهذا ما يتمناه أي مواطن عربي. فمن منا لا يتمنى أن يكون لدى العرب قوة حقيقية ضاربة لها كيانها وخصوصيتها، والأهم من ذلك أن تكون مستقلة بقراراتها لا تابعة لأحد. فهل يضمن السيد بن حلي أو أصحاب المشروع أنفسهم ذلك؟
إذا كانت مصائب الشعوب العربية أصلاً، سببها انقسام المواقف العربية الرسمية حول كلّ القضايا المصيرية، وإذا كان ما يمرّ بالمنطقة هو نتيجة انجرار أكثر الدول العربية وراء المشروع الصهيوني -الأميركي، فهل ستكون القوة العربية المزعومة قادرة على احتواء تلك الأنظمة التي تشكل أكبر خطر على الشعوب العربية ؟ أم أنها ستكون أداة في يد أنظمة بعينها لتنفيذ ما ترغب به أميركا ولكن بجنود عرب. هنا يصبح أمر إعلان تشكيل أو اقتراح تشكيل تلك القوة هو أمر مشكوك في أهدافه، وضدّ من سيكون أو لصالح مَن سيعمل، فالأمن القومي العربي الذي تتحدث عنه الجامعة العربية لا يمكن حمايته بوجود دول عربية تسهِّل تنقل الإرهابيين من مشارق الأرض ومغاربها إلى سورية والعراق وليبيا، ولا يمكن أن يستوي هذا التصريح مع التمويل العربي الذي لا يتوقف للمنظمات الإرهابية التي تُمعن في قتل الشعوب العربية.
ففي وقت يصرح فيه الجنرال مارتن ديمبسي رئيس أركان الجيوش الأميركية أنه قد يجري إرسال وحدات من القوات الخاصة الأميركية إلى سورية لمساندة من أسماهم مقاتلي المعارضة المعتدلة والذين تدربهم واشنطن، إذا ما طلب إليه ذلك، لا نجد الجامعة العربية ولا الدول العربية تحرك ساكناً أو تقول إنّ الأمن القومي العربي في خطر إذا ما دخلت قوات أجنبية واعتدت على سيادة بلد عربي!
فالأمن القومي الذي دُمّر على يد بعض الدول العربية من خلال دعمها للإرهاب ومكوناته، لا يمكن لقوة عربية أن تحتويه إذا لم تُوقف تلك الدول تعاونها مع العصابات الإرهابية وتتوقف عن تمويلها وتقديم الدعم اللوجستي لها. لهذا سيكون تشكيل هذه القوة العربية للدفاع عن الأمن القومي أمر مستهجن لدى الشعوب العربية التي تدرك أنّ ما يحدث في المنطقة هو نتاج تعاون عربي مع المشروع الأميركي لخلق ما يسمى شرق أوسط جديد أو خارطة جديده للشرق الأوسط، لن يكون نصيب العرب منها إلا الدمار والقتل، ونصيب الكيان الصهيوني أمن وأمان ترعاه الولايات المتحدة الأميركية بالتعاون مع قوة أخرى هي تركيا التي تسعى إلى الحصول على لقب شرطي المنطقة وحارس للمصالح الأميركية و«الإسرائيلية» فيها.
وأخيراً على العرب أن يفهموا أنّ من يحرس أمنهم القومي اليوم ويتحمّل كلّ الأعباء المالية والبشرية ويقاتل بالنيابة عنهم جميعاً هو الجيش السوري والمقاومة الشريفة والجيش العراقي الذي ما زال يستجمع قواه التي مزقتها أميركا في يوم من الأيام، بالتعاون مع عرب كانوا يتحدثون عن أمن عربي وعروبة.