قوة عربية لمكافحة الإرهاب: هل هذا ممكن؟
حميدي العبدالله
تداولت وسائل الإعلام، حديثاً متزايداً عن تشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب، بل إنّ بعض المسؤولين العرب، وفي مقدّمتهم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، طالبوا في تصريحات علنية بتشكيل مثل هذه القوة.
وثمة تفسيران متداولان حول الجهات التي تقف وراء هذا الاقتراح والاستهدافات الكامنة وراءه. تفسير أول يشير إلى أنّ هذا الاقتراح جاء بمبادرة من الرئيس المصري بعد ردّ الفعل المتحفظ الذي جوبهت به عملية القصف الجوي التي شنّها الطيران المصري ضدّ مواقع لتنظيم «داعش» في ليبيا، حيث صدرت تصريحات على لسان مسؤولين عرب وغربيين ترفض التدخل العسكري في ليبيا، وجاء اقتراح الرئيس السيسي في محاولة لاحتواء هذه الردود ومحاولة تنسيق المواقف بين الأطراف المتضرّرة من وجود الجماعات الإرهابية.
تفسير ثانٍ، يقول إنّ ثمة مخططاً أميركياً خليجياً تركياً لاحتواء مصر والأردن وتوظيفهما وتوظيف جيوشهما في حروب ضدّ منظومة المقاومة والممانعة، ولا سيما في اليمن وسورية، حيث الهدف الحقيقي من وراء تشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب توريط الجيشين المصري والأردني بالقتال في اليمن وسورية نيابة عن الدول الخليجية والحكومات الغربية.
بمعزل عن أيّ من التفسيرين، هو الذي يعبّر عن حقيقة تداول فكرة تشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب، فالأمر الأكيد أنّ هذه القوة لن تبصر النور لا قريباً ولا على المدى الأبعد، وذلك بسبب مجموعة من العوامل والمعطيات أبرزها:
أولاً، أنّ الجيش المصري لن يشارك في أيّ حرب خارج مصر. صحيح أنّ وحدات من هذا الجيش شاركت في حرب الخليج التي قادتها الولايات المتحدة عندما غزا صدام حسين الكويت، لكن الصحيح أنّ الظروف اليوم، ولا سيما الظروف الداخلية في مصر، تختلف عن ظروف ذلك الوقت، وتحديداً أنّ الجيش المصري يواجه تمرّداً مسلحاً في سيناء، منذ عدة سنوات، كما أنه يواجه وضعاً أمنياً صعباً على امتداد الجغرافية المصرية، وفي ظلّ هذه الأوضاع يصعب عليه العمل خارج مصر، ومعروف أنّ الحكومة المصرية رفضت الانضمام إلى التحالف الدولي لمحاربة «داعش» على خلفية الأوضاع الخاصة التي تواجهها مصر الآن.
ثانياً يواجه الجيش الأردني هو الآخر وضعاً مماثلاً لما يواجهه الجيش المصري، إذ أنّ حدوده مع العراق ومع سورية، وهي حدود طويلة يرابط فيها تنظيم «داعش» الذي وجّه تهديدات صريحة للنظام الأردني، والوضع داخل الأردن لا يوفر مناخاً سياسياًَ لاستخدام القوات العسكرية الأردنية على نطاق واسع خارج الحدود.
ثالثاً، الولايات المتحدة لن تسمح بنشوء تحالف أو بناء قوة عربية مستقلة لمكافحة الإرهاب، حتى وإنْ كانت هذه القوة مؤلفة من دول حليفة لها، فهي تصرّ على الإشراف وقيادة أيّ قوة أو تحالف يقوم بمحاربة الإرهاب، وتخشى واشنطن من أنّ تشكيل مثل هذه القوة قد يدفع الحرب ضدّ الإرهاب نحو مسارات لا تلبّي مصالحها ولا تعبّر عن رؤيتها، وهي لن تسمح بولادة مثل هذه القوة حتى وإنْ كان الهدف من وراء تشكيلها النيل من خصوم الولايات المتحدة، وليس فقط محاربة التنظيمات الإرهابية التي تخرج عن السياسات المرسومة لها من قبل الحكومات الغربية.
هذه المعطيات مجتمعة تؤكد أنّ الحديث عن تشكيل قوة عربية لمكافحة الإرهاب، لا يتعدّى حدود السيناريوات الافتراضية.