جريمة شرف تحت قبّة الكابيتول
الياس عشّي
ما جرى تحت قبّة الكابيتول سيبقى وصمة عار في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، بعدما اقتحم ناتنياهو حرمة البيت الأميركي، متحدّياً، ليس نوّاب الأمة فحسب، ولا السلطة التنفيذية وحدها، بل الشعب الأميركي بكامله الذي سكت على جريمة شرف وقعت في عقر داره «والساكت عن الحقّ شيطان أخرس».
مذ بدأت المسألة الفلسطينية، والإعلام، خاصة الإعلام العربي، يحشو رؤوسنا بنظريات أثبتت الأيام أنها نظريات مسطّحة، ورومانسية، وغير واقعية، ومسيّسة لخدمة الكيان «الإسرائيلي».
إحدى هذه النظريات تقول إنّ موقف الشعب الأميركي يختلف عن موقف حكوماته، وأنه يتذمّر من المساعدات المالية الضخمة التي تدفعها الحكومات المتتابعة إلى «إسرائيل»، فيما هو يتعرض لأزمات معيشيّة تصل بالبعض إلى تحت مستوى خطّ الفقر .
أين هذا الشعب الأميركي « العظيم « الذي رأيناه يخرج إلى الشارع، أحياناً، مطالباً بالرفق بالحيوان، وأحياناً للاعتراف بالمثليّين وحقّهم في المساكنة وحتّى في الزواج ! ولا نراه ينتفض احتجاجاً على دولة هي في مكان آخر من العالم تتدخّل في شؤونه، وتحرّض على رئيسه المنتخب منه ليكون الناطق باسمه، والموقّع على قرارات الحرب والسلم باسمه أيضاً؟
أين الإعلام العربي القاعد والمتقاعد ممّا جرى؟ لماذا لا يؤسس للوبي عربي مموّل وقادر على الدخول على خطّ مواجهات بهذا الحجم؟ لِمَ لا يعتذر الآن وقد كذب علينا طوال هذه السنين؟ لِمَ لا يفتح حواراً مع الشعب الأميركي؟
طيّب، لنترك ذلك جانباً، ولننسَ الشعب الأميركي الذي لم يتحرّك كي يثأر لكرامته، ولننسَ الإعلام العربي الذي يهتم بأخبار الملوك والأمراء والبورصة و«الربيع العربي» أكثر ممّا يهتمّ بأخبار فلسطين، ولنتحدث عن اقتناص الفرص!
من المؤكّد أن اقتحام ناتنياهو مبنى الكابيتول لم يكن مفاجأة لأحد، فمذ بدأ الحديث عن إمكان الوصول إلى الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية في إيران والولايات المتحدة الأميركية، والعالم يتحدث عن الرحلة المزمعة لنتنياهو إلى واشنطن، والكلّ متفق على أن عمله هذا هو أكثر من خطأ… هو خطيئة!
كيف بدا المشهد العربي ضمن هذه المعادلة الغريبة عن بروتوكول العلاقات الدولية؟ بدا كأن الأمر لا يعني أحداً. إنه شأن أميركي محض . يا للعار!
كان على الملوك والأمراء والرؤساء عقد قمّة عاجلة، والخروج بقرار واحد: حملة إعلامية مدفوعة في الولايات المتحدة الأميركية لتشجيع الشعب الأميركي على الخروج إلى الشوارع، واحتلالها لمنع نتياهو من الوصول إلى الكابيتول.
لكن ويا للأسف، لم يقتنصوا الفرصة الذهبية المتاحة لهم، فرصة كانت ستغيّر مستقبل العلاقات الأميركية ـــ العربية، وستؤدي إلى أزمة حادة في العلاقات بين أميركا و«إسرائيل» تذكرنا بالأزمة التي نشأت بين ديغول و«إسرائيل» بعد حرب حزيران، وأدّت إلى حظر السلاح الفرنسي إلى «إسرائيل».