الاقتصاد السوري بعد أربع سنوات من الأزمة…
مرفان شيخموس
أربع سنوات متتالية، شهدت خلالها سورية أعمال عنف ومعارك، نتيجة لما يُسمّى بالربيع العربي، ألحقت أضراراً فادحة باقتصادها وبناها التحتية.
لن ندخل في تفاصيل كثيرة ومتشعّبة عن السبب والمسبّب في حالة التدهور الاقتصادي التي تعانيه البلاد، إنما سنوضح سوياً، وبالأرقام، ما آل إليه الاقتصاد الوطني خلال السنوات الأربع الماضية، حيث بات نموه المستقبلي معرّضاً للخطر جرّاء عمليات التدمير الممنهجة لمقوّماته وبنيته التحتية ومؤسّساته ورأسماله البشري والمادي.
قدّر تقرير المركز السوري لبحوث السياسات، الصادر بتاريخ 12 – 3 – 2015 ، حجم الخسائر الاقتصادية منذ بداية الأزمة حتى نهاية العام 2014 بنحو 202.6 مليار دولار أميركي، في حين شكّلت خسائر مخزون رأس المال المتضرّر 35.5 في المئة من هذه الخسائر.
وتعادل الخسائر الاقتصادية الإجمالية 383 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2010 بالأسعار الثابتة. وقد قادت هذه الخسائر الفادحة إلى زيادة هائلة في حجم الاعتماد على الدعم الخارجي.
وقُدِّرَ الحجم الإجمالي للخسائر في الناتج المحلي الإجمالي بمبلغ 119.7 مليار دولار أميركي، علماً أنّ 46.1 مليار دولار أميركي منها تكبّدها الاقتصاد خلال العام 2014 وحده. فقد انكمش الناتج المحلي الإجمالي، وفق التقرير، بنسبة 9.9 في المئة في 2014، مقارنة بالسنة السابقة، في حين بلغ معدّل الانكماش 15.1 في المئة في الربع الأول، و8.1 في المئة في الربع الثاني، و7.3 في المئة في الربع الثالث، و9.5 في المئة في الربع الرابع، مقارنة بالأرباع المقابلة لها من العام 2013.
وأدّت الأزمة إلى تغيّر كبير في هيكلية الناتج المحلي الإجمالي، إذ شكّل قطاعا الزراعة والخدمات الحكومية حوالى 45.7 في المئة من الناتج خلال العام 2014، وذلك بسبب تراجع بقية القطاعات نسبياً بمعدلات أسرع من تراجع هذين القطاعين، وسُجِّلَ تحسّن بسيط في الاستثمار الخاص، الذي ارتفع في 2014 ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 1.4 في المئة مقارنة بالعام 2013. ويُعزى هذا الارتفاع إلى الاستثمار في الصناعات التحويلية في المناطق المستقرّة نسبياً.
وبحسب التقرير، استمرّ الاستثمار العام في التراجع، فانكمش بمعدّل 17 في المئة، وازداد نصيب الاستهلاك عام 2014 من الناتج المحلي الإجمالي خلال الأزمة، إذ قفز من 17.6 في المئة في 2010 إلى 28.1 في المئة في 2014. وانكمش الاستهلاك الخاص، الذي يُعتبر المكوّن الرئيسي للطلب الاقتصادي ومقياساً مباشراً لمعيشة الأسر، بنسبة 41.7 في المئة في 2014، مقارنة بعام 2010، وإنْ كان قد انكمش بنسبة 11 في المئة في 2014، مقارنة بالسنة السابقة، مع مواصلة مؤشر أسعار الاستهلاك ارتفاعه في 2014، علماً أنه قد تراجع بنسبة 4.3 في المئة خلال الربع الأول من العام ليعاود الارتفاع بنسبة 5 في المئة في الربع الثاني، وقد تعزّز هذا التوجّه في المؤشر في النصف الثاني من العام، إذ ارتفع بنسبة 10.3 في المئة في الربع الثالث، بينما قفز 22 في المئة في الربع الأخير، وشمل هذا الأمر تزايد أسعار السلع الأساسية مثل الخبز والسكّر والمشتقات النفطية، بعد أن قلّصت الحكومة الدعم المقدّم لهذه السلع في النصف الثاني من العام.
وفي هذا السياق، رأى رئيس جمعية حماية المستهلك في دمشق وريفها عدنان الدخاخني «أنّ عقلنة الدعم أمر غير منطقي وهي لا تعني سوى إلغاء الدعم»، لافتاً إلى «أنّ في إمكان الحكومة أن ترفع الدعم المقدّم عن بعض السلع في شكل نهائي، ولكن بشرط أن تعوّض هذا الدعم عن طريق زيادة رواتب العاملين في الدولة والموظفين»، في حين سجّلت تغطية الصادرات للمستوردات تدهوراً حادّاً من 82.7 في المئة في 2010 إلى 29.7 في المئة في 2014، وقد تجلّى ذلك في العجز التجاري الهائل الذي وصل إلى 42.7 في المئة في 2014، ما يعكس انكشاف الاقتصاد على الاقتصادات الخارجية واعتماده إلى حدّ كبير على المستوردات المُموّلة بصورة رئيسية من خلال القروض الخارجية والتسهيلات المالية، وفق ما جاء ضمن التقرير.
ازداد عجز الموازنة العامة، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، من 35.7 في المئة في 2013 إلى 40.5 في المئة في 2014، وألقى هذا العجز عبئاً إضافياً على الدين العام الذي استمرّ في الارتفاع إلى مستويات قياسية، وقد ازدادت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي الجاري ازدياداً هائلاً من 104 في المئة في 2013، إلى 147 في المئة بحلول الربع الرابع من العام 2014.
وبحسب التقرير أيضاً، تعاني سورية من فقدان فرص العمل والبطالة التي ارتفع معدّلها من 14.9 في المئة في 2011 إلى 57.7 في المئة مع نهاية 2014، أي أنّ هناك 3.72 مليون شخص عاطلين عن العمل، منهم 2.96 مليون فقدوا عملهم خلال الأزمة، الأمر الذي أدّى إلى فقدان المصدر الرئيسي لدخل 12.22 مليون شخص.
جاء الردّ الحكومي على هذا التقرير، على لسان وزير الاقتصاد همام الجزائري، الذي اعتبر «أنّ التقرير يعكس جهداً بحثياً ملحوظاً، لكنّ الرقم الإحصائي المعتمد والمنهجية البحثية اللذين تمّ تبنّيهما أدّيا إلى نتائج مضللة في التحليل والتعليل».
وأوضح الجزائري «أنّ تقدير تكاليف الأضرار على البنى التحتية والصناعية والإنتاجية يخضع لعدة معايير في التقييم، متسائلاً: هل هي تقديرات تقوم على معايير التكلفة الإسمية المباشرة المتحققة في إنشاء الوحدات المتضرّرة، أم تكلفة الاستبدال والتجديد وفق الأسعار الحالية، أم أنها التكلفة المباشرة وغير المباشرة بما فيها التكلفة الاجتماعية ؟ وهل تعتمد معايير حساب التكلفة على كلفة الاستبدال بالاستثمار الخاص أم العام؟ وهل بصورة تمويلية مباشرة أم بالاقتراض؟ فكلّ معيار من المعايير صحيح، لكن ينتج تقديراً مختلفاً لتكاليف الأضرار يلبّي حاجة الباحث والهدف الذي يصبو إليه».
وأشار الجزائري إلى «أنّ الرقم الحقيقي للصادرات أعلى بكثير من الرقم الإحصائي الرسمي، ما يعني أنّ التقديرات لعجز ميزان المدفوعات في التقرير هي تقديرات خاطئة، ويجب أن ترتكز على معادلة الرقم الرسمي مضروباً بمعامل التصحيح اللازم».
وأضاف: «في ذات الإطار والمنهج، تأتي التقديرات لحجم الدعم الحكومي في التقرير مرتكزة على الرقم الإسمي الكلي للدعم الظاهر، ككتلة واحدة في الموازنة العامة للدولة، وهذا أنتج تحليلاً مضللاً لسياسة الدولة تجاه الدعم والأعباء المالية الحقيقية المترتبة عليه».
وأكد الجزائري «أنّ الاقتصاد السوري حقق نمواً، للمرة الأولى خلال الأزمة عام 2014، مرتكزاً على التعافي التدريجي في قطاع الصناعات التحويلية والتصدير، وفي توسُّع القطاع التجاري والإنفاق الاستهلاكي، وزيادة الإنفاق العام الاستثماري الذي تركّز على القطاعات الإنتاجية الزراعية والصناعية، من خلال «لجنة إعادة الإعمار والتعويض عن الأضرار».
وأشار إلى «أنّ الصادرات تضاعفت خلال 2014 مقارنة مع 2013، وحققت مستوردات سورية من المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج نمواً وصل إلى 65 في المئة من إجمالي المستوردات خلال الربع الأخير من 2014».
وفي هذا الإطار، يستمرّ التحدّي الطاقوي، كونه التحدّي الأساسي الذي يواجه الاقتصاد السوري، حيث أنّ الإجراءات التي تتخذها الحكومة والبدائل الاستراتيجية التي تعمل على تطويرها وتفعيلها ستحقق مقوماتٍ أوسع للنمو الاقتصادي خلال 2015، وتؤدي إلى تحسّن تدريجي في المستوى المعيشي.
ولكن ما بين طيات الأحداث، ما حدث وما سيحدث، يبقى لسان حال المواطن السوري: أريد الحصول على لقمة عيشي…!