ماذا بقي من ثورة الكرامة؟!

سعد الله الخليل

في الخامس عشر من آذار وقبل أربعة أعوام قرّر أصحاب مشروع الشرق الأوسط الجديد وعرّابوه من أعراب وأغراب إطلاق شعار «الشعب يريد» في سورية، بعد أن نجحت وصفتهم السحرية في تونس ومصر، بالاعتماد على شعارات جذابة وإعلام برّاق وشخصيات صنعت على أنها ناشطة في منظمات المجتمع المدني كإطار عام، ضمّت باقة من المعارضين السوريين والعملاء الخفيين وأبناء الجيل الثاني من رموز «الإخوان المسلمين».

ربما نجح أصحاب الشعارات البراقة في خطف الأنظار وكسب تعاطف شريحة من السوريين التواقين إلى التغيير، والحالمين بحياة سياسية حقيقية تنتقل بسورية من بلد اللون الواحد إلى قوس قزح يعكس تلوّن المجتمع السوري وجماليته ونقاء صورته بعيداً عن أيّ صبغة دينية أو طائفية أو مناطقية، إلا أنه سرعان ما بدأت الصورة الحقيقية تنجلي وثوب العفاف الأبيض الذي تسربل به منظرو ما يُسمّى «الثورة السورية» تلطخ بدماء السوريين وكسرت فضائحهم المالية ومتاجرتهم بمعاناة وآلام وأعضاء السوريين هالة الزهد التي اختبأوا وراءها لعقود مواجهتهم للدولة السورية، وقضت الشيكات القطرية السعودية والرعاية التركية الفرنسية «الإسرائيلة» على كلّ ما يمت بصلة إلى السيادة والاستقلالية والرأي الحرّ وغيرها من الشعارات الفضفاضة والكلمات الرنانة.

ماذا بقيَ من ثورة كرامة؟!… حوّلها أصحابها إلى حرب انتقام من الدولة وأبنائها ومن يناصرها بشعارات طائفية من اللحظة الأولى لانطلاقها بعد أن أسقطت الشعارات الطائفية في حمص وبانياس منذ بداية الأحداث مقولة تحوّل «الثورة» عن مسارها والمسجد العمري ومخازن السلاح فيه تشهد على السلمية المزعومة.

ماذا بقي من ثورة كرامة؟! أمعن أصحابها في قتل السوريين وبات دم السوري يسفك من دون خوف أو وجل وألِف أنصار «الثورة» مشاهد الذبح والتنكيل بالجثث قبل ظهور «جبهة النصرة» و«داعش»، فمن قتل نضال جنود كان على رأس تظاهرة سلمية الشعارات، ومن ارتكب مجزرة جسر الشغور دعاة إسقاط النظام قبل ظهور «داعش» و«النصرة».

ماذا بقي من ثورة كرامة؟! عرّابها برنار هنري ليفي والمحاضر والمنظر برموزها والصديق الصدوق لرموزها الذين لم يجدوا حرجاً من العلاقة مع العدو «الإسرائيلي» والتنسيق معه، بل تقديم الضمانات وولاء الطاعة لقادته وجنرلاته صبح مساء من أعلى المستويات إلى أدناها.

ربما من عبثية القدر أن يكون الخامس عشر من آذار عيد ميلاد شعبان عبد الرحيم أو شعبولا الفن رمز العبث والفوضى في كلّ شيء من الموسيقى والألحان إلى الصورة والألوان… شعبولا يبدو أنه أصبح رمزاً لثورة شعب لا يعرف ما يريد.

مع مرور الوقت وتسارع الأحداث السورية عرف الشعب السوري ماذا يريد، والتفّ حول جيشه وقيادته وصمد الشعب والجيش والقيادة في وجه أعتى حرب عرفتها البشرية، حرب أعادت تصويب البوصلة وكشفت المستور وأماطت اللثام عن خيارات الشعوب الحقيقية، وأين أراد أخذها مزوّرو الحاضر والتاريخ، فسقط مشروع «الإخوان المسلمين» في تونس ومصر، وسقطت رهانات السعودية وتركيا في اليمن والبحرين والعراق.

أراد السوريون وفعلوا وصمدوا وأراد الجيش السوري كشف لعبة إسقاط الدولة السورية ورمزها الرئيس بشار الأسد والنيل من خياراتها من بوابة الشعوب، فآمن بخيار الشعب الحقيقي وواجه وحلفاؤه في محور المقاومة الإرهاب، وكان له النصر وكسر معاقل ورموز العمل المسلح وحصونه المنيعة من وسط سورية إلى شمالها وجنوبها، ورسم نصره وصموده خريطة العالم الجيوسياسية الجديدة وبات الجيش العربي السوري رمزاً للحرب على الإرهاب وأيقونة الدفاع عن الوطن والخيارات، وعرفت الشعوب حقيقة النيل من الرئيس بشار الأسد وتحوّل شعار إسقاطه إلى مرادف للعمالة والارتهان للعدو.

بعد أربع سنوات سقطت «الثورة»، وعرف الشعب ماذا يريد… وأدركت شعوب العرب أنّ كرامتها ومصير العروبة مرهونان بصمود وبقاء ثالوثها المقدس الشعب والجيش والقيادة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى