الرئيس سركيسيان ووزراء يؤكدون: الإبادة مستمرة طالما استمرت تركيا بالإنكار… وأحفاد العثمانيين يعيدون السيناريو في كسب
جودي يعقوب ـ أرمينيا ـ يريفان
في الذكرى التاسعة والتسعين للمجازر الأرمينية، أحيت جمهورية أرمينيا الذكرى. وقامت «البناء» في العاصمة يريفان بتغطية الحدث وأعدت تقريراً تضمن مواقف كبار المسؤولين، جاء على النحو الآتي:
تعتبر الإبادة الجماعية الأرمينية من أولى الإبادات في العصر الحديث، وتسمى أيضاً بالمحرقة الأرمينية، ويطلق عليها الأرمن تسمية
«Metz Yeghern» التي تعني الجريمة العظمى، إذ كانت تهدف إلى إزالة الاسم الأرميني من الوجود، ونقل عن لسان وزير داخلية تركيا آنذاك طلعت باشا: «سيتم إفناء وإبادة جميع الأرمن القاطنين في تركيا ومن دون الأخذ في الاعتبار وجود النساء والأطفال والعاجزين، سيوضع حدّ نهائي لوجودهم ولا يهم مدى فظاعة الوسائل التي ستستخدم لهذه الغاية، ولا يجوز أبداً أن تتحرك مشاعر الشفقة لدينا تجاههم».
وتعرض الأرمن، أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها على يد السلطات العثمانية، لمختلف أنواع التعذيب من عمليات قتل وتدمير منظم وترحيل قسري وتجويع وبطش، مع نوع من التعليمات التي كانت تهدف إلى القضاء عليهم خلال الترحيل الذي كانت وجهته النهائية الصحراء السورية، حيث ينتظرهم الموت جوعاً وعطشاً.
وكانت البداية في يوم 24 نيسان من عام 1915، عندما قامت السلطات العثمانية باعتقال أكثر من 250 من المفكرين والمسؤولين الأرمن، وعمدت إلى إبعادهم والقضاء عليهم جميعاً، ثم اجتث الجيش العثماني المواطنين الأرمن من بيوتهم وأجبرهم على السير مئات الأميال بعد أن حرمهم من الطعام والماء ليصلوا إلى الصحراء السورية، بعد أن كان قد مات معظمهم أثناء الترحيل ليلحق بهم الباقون إما قتلاً أو موتاً من العطش على رمال دير الزور، ومن استطاع النجاة استقر في أماكن أخرى ليشكل في ما بعد ما بات يُعرف بالشتات أو المهجر الأرميني.
قامت أكثر من 20 دولة غربية حتى الآن و44 ولاية أميركية بالاعتراف رسمياً بالإبادة الأرمينية، إضافة إلى العديد من كبار المؤرخين والمنظمات الدولية وكبرى وسائل الإعلام العالمية، إلا أن الجمهورية التركية الحديثة، والوريثة الشرعية للإمبراطورية العثمانية، ترفض رفضاً قاطعاً توصيف تلك الحوادث «بالإبادة» على رغم أنها تتعرض، خصوصاً في السنوات الأخيرة، لضغوطات دولية عدة للاعتراف بحقيقة ذلك.
وعشية الذكرى الـ99 وفي بادرة غير مسبوقة، توجه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان في رسالة تعزية، وللمرة الأولى، إلى أحفاد الأرمن القتلى، ولكن من دون الاعتراف بالجريمة، ناسياً أن الأمم ترتقي وتزداد قوة من خلال الاعتراف بماضيها، حتى لو كان مؤلماً القيام بتصفية الحسابات العالقة بينها، وبالتالي بناء أسس لمستقبل أكثر عدالة وتسامحاً.
الرئيس سركيسيان
أعلن الرئيس الأرميني سيرج سركيسيان في بيان أن بلاده «تعتبر أن تركيا تواصل سياسة الإنكار التام لهذه الإبادة، وإن الإبادة ما زالت مستمرة طالما أن دولة تركيا، التي خلفت السلطنة العثمانية، تواصل سياسة الإنكار التام لهذه الإبادة، على اعتبار أن إنكار جريمة يعني استمرارها المباشر»، من دون الإشارة بوضوح إلى التعازي التي عبرت عنها تركيا للمرة الأولى، وشكر جميع الدول التي «ساعدت أبناء الأرمن ومنحتهم اللجوء بعد أن استطاعوا الهروب والنجاة من الإبادة الجماعية»، مشيراً أيضاً إلى أن «المشاكل التي يعانيها الأرمن السوريون اليوم هو شغلنا الشاغل وهمنا الأول… ونحن نبذل قصارى جهدنا لإعادة السلام إلى الشعب السوري».
وفي اليوم الذي يقوم الأرمن بإحياء ذكرى أرواح شهدائهم التي زُهقت بطريقة غير إنسانية عام 1915، قام الرئيس سرج سركيسيان وعقيلته برفقة كاثوليكوس عموم الأرمن كاريكين الثاني وعدد من الوزراء وكبار المسؤولين في جمهورية أرمينيا، بزيارة نصب شهداء الإبادة الأرمينية على تلة الدزيزيرنلكابيرت «Tsitsernakabert» في العاصمة الأرمينية يريفان، ووضع أكاليل من الزهور والصلاة على أرواح الشهداء الطاهرة، ومنهم المطران هواكيم مانوكيان المسؤول العام للعلاقات بين الكنائس لدى الكرسي البطريركي في اتشميازين.
وصرح مانوكيان قائلاً: «نحن دائماً نصلي من أجل السلام في سورية ولدينا كل الثقة بأن الشعب السوري يجب أن يحلّ مشاكله من الداخل ولا ينتظر أي تدخل خارجي»، مضيفاً: «أردوغان ليس إنساناً صادقاً وأنا لا أصدقه، وجاءت تصريحاته هذه بعد الضغوطات العالمية على الدولة التركية».
وتابع مانوكيان: «هم يريدون أن يتهربوا من هذه الضغوطات، لذا فهم يتظاهروا بالحزن، ولكن التوبة الصحيحة هي باعترافهم بالمجازر الأرمينية، لأن حزنهم من غير الاعتراف لا يعني شيئاً»، موضحاً: «أثناء الحرب العالمية الأولى تهجر الأرمن من منازلهم واضطهدوا وذبح مليون ونصف من الأرمن في إبادة جماعية من قبل العثمانيين، واليوم يعاد السيناريو نفسه في كسب بتوقيع الأحفاد العثمانيين وبصماتهم»، وقال: «يجب على السوريين اليوم أن يتمسكوا بجذورهم وعراقتهم ووطنيتهم، وأن يصلوا ويصبروا لأن هذا الصراع سينتهي عن قريب بإذن الله».
بوغوصيان
وقالت وزيرة الثقافة هاسميك بوغوصيان: «الوضع في سورية صعب جداً لجميع السوريين والبشرية في العالم أجمع، خصوصاً للأرمن لأننا نحن لدينا علاقات جيدة مع سورية بالنسبة إلى العلاقات الثقافية»، مضيفة: «ولدينا أيضاً جالية أرمينية كبيرة فيها»، مؤكدة أنه «بالنسبة لنا كدولة أرمينية ما يجري في سورية اليوم هو شيء صعب جداً وأتمنى أن تنتهي المشاكل والصراع عن قريب في سورية».
وتابعت: «نحن على دراية تامة بما يجري في سورية، خصوصاً في كسب، لذا نظمنا في دار الأوبرا احتفالية كبيرة إهداءً منا للشعب السوري لنطلع الجميع على فظاعة الحرب في سورية وما وصلت إليه. آمل أن يرى الشعب السوري السلام، وأن يعيش بسعادة وصحة وأن يرجع الأمان والاستقرار إلى هذا البلد العظيم». وأكدت بوغوصيان: أن «تصريحات الدولة التركية المعتادة وكلمات أردوغان التقليدية لا تعني شيئاً بالنسبة للشعب الأرميني الذي ذاق الويلات من جرائمه».
هاكوبيان
وقالت وزيرة المغتربين هرانوش هاكوبيان: «إن الأزمة السورية هي أزمة كبيرة جداً، خصوصاً ما يحدث الآن في كسب، لأن الأرمن يعيشون في كسب منذ آلاف السنين، ونعلم الآن أن معظم السوريين قد تهجروا من بيوتهم خلال سنوات الأزمة وأيضاً في كسب»، مؤكدة أن هذا «بحد ذاته أزمة حقيقية، ونستطيع أن نطلق عليه مجزرة، لذا فلا يجب علينا أن نساوي بين الضحية والسفاح»، متمنية «السلام للشعب السوري في سورية، لأن ما يحدث في سورية، خصوصاً في كسب، يعيد إلى أذهاننا ما حدث قبل 99 عاماً، وأتمنى أن يجلس الشعب السوري إلى طاولة المفاوضات لكي يستطيع أن يتفاعل مع الحوار ويحل بسرعة كل مشاكله، وأتمنى من جميع السوريين أن يرجعوا إلى بلدهم وإلى حياتهم الطبيعية. ونحن نقول لأردوغان يجب عليك أن تقدم الاعتذار أولاً وأن تعترف بالمجزرة قبل أن تعزي، لأن كل هذا ليس له فائدة تذكر».
آرمين آشوديان
قال وزير التربية آرمين آشوديان: «أنا أتمنى السلام المزدهر للشعب السوري وجميع السوريين، وعلى جميع الطوائف في سورية أن تعيش بانسجام ووفاق لأن سورية جميلة بتنوعها، ونحن الأرمن لدينا
تاريخ عريق في صفحات الدولة السورية وفي الحضارة السورية»، مشيراً إلى أننا «نحن كدولة أرمينية سنساهم ونساعد الشعب السوري لتحقيق السلام في سورية، والسوريون هم وحدهم فقط عليهم أن يحددوا مصيرهم».
الأب يسايان
أما الأب بيدروس يسايان ممثل المطران رافائيل ميناسيان رئيس أساقفة أرمينيا وجورجيا وأوروبا الشرقية للأرمن الكاثوليك فقال: «إن هناك مشكلة كبيرة منذ أعوام بدأت في العراق أولاً والآن في سورية، وهي عملية واضحة وممنهجة لإخلاء المسيحيين من الشرق الأوسط»، مشيراً إلى أن هذه «بحد ذاتها ظاهرة خطرة جداً بالنسبة إلى السوريين عموماً والمسيحيين خصوصاً، لأن سورية بلد قديم جداً وهي مهد المسيحية والأماكن الموجودة فيها محببة ومقدسة لجميع السوريين والمسيحيين في العالم، لأن المسيحية انطلقت منها والقديس بولس الرسول، لذلك أضحت سورية بالنسبة إلى جميع المسيحيين في العالم وجعاً وألماً كبيرين». وأضاف: «نحن جميعاً نصلي من أجل السلام في سورية، وندين جميع الأعمال التي تقام ضد قداسة الحياة، وضد السلام وضد المسيحيين، وهذا هو الإخلاء الذي تكلمت عنه منذ قليل أصبح وجعاً وألماً لكل مسيحي، من أجل ذلك نصلي وندين مرة أخرى كل الأعمال التي تقام ضد السلام والمسيحيين».
وتابع يسايان: «عندما نتكلم عن كسب نتذكر المجزرة الكبرى بحق الأرمن، والتي تعتبر المجزرة الأولى في القرن العشرين، التي نفذها الأتراك قبل 99 عاماً، واليوم يكمل الأحفاد ما بدأه أجدادهم، لقد فعلوا شيئاً شبيهاً بما فعلوه أثناء المجازر وهذا وجع كبير وألم كبير بالنسبة لنا نحن الأرمن، ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك»، مضيفاً: «أنا لا أصدق أردوغان فكيف يعزي الأرمن اليوم وهو يفعل عكس ما يقوله في كسب، وربما تعزيته هذه جاءت تغطية لذنبه وذنب أجداده، فإذا أراد حقاً أن يعزي عليه أولاً أن يعترف بذنبه ويجب أن يتوب ويوقف بطشه ودعمه للقتلى هذا هو رأي، وأنا لا أصدقه وبنظري أنه يجب على أردوغان أولاً أن يعترف بخطيئته وبجريمته قبل أن يعزي».
وختم الأب قائلاً: «نحن بدورنا نكرم ذكرى ما حدث قبل تسعة وتسعين عاماً عندما تمت تصفية مليون ونصف من الأرمن، وسوقهم إلى الموت في الأيام الأخيرة من عمر الإمبراطورية العثمانية، ونقدم أحر التعازي للأرواح التي فقدت وللمعاناة التي ذاقها الرجال والنساء والأطفال في تلك الحقبة، ونتمنى أن يرقد الأرمن الذين قتلوا في سلام، ونعرب عن تعازينا إلى أحفادهم، لأنه من واجبنا أن نتذكر دائماً هذه الأحداث المؤلمة لمنع تكرارها مرة أخرى مثلما يحدث اليوم في كياننا الشامي»، وأضاف: «فكأنما جرائم الإبادة الجماعية والتهجير والاستيلاء على الممتلكات التي مارسها الأتراك العثمانيون الأجداد، بدأ الأحفاد العثمانيون الجدد بانتهاجها الآن في سورية وخصوصاً في كسب».
