تقرير

كُتب الكثير عن الانتخابات الأخيرة التي أجريت في الكيان الصهيوني الغاصب، قبلها وخلالها وبعدها، لكن هذا المقال ـ وإن كان يتحدّث بلسانٍ صهيونيّ محض ـ يُظهِر مدى المعارضة التي تشوب حكم بنيامين نتنياهو.

كتب آري شافيت في صحيفة «هاآرتس» العبرية:

بداية ينبغي أن ننكّس الرأس: فالشعب قال كلمته. الانتخابات كانت حرّة، سرّية ونزيهة. وإذا كانت الأرضية الإعلامية مائلة ـ فقد كانت مائلة ضد اليمين. ومع ذلك، في قرار ضد التيار، قضت الغالبية، بأن يكون بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، وأن يكون «الليكود» حزب السلطة، والأحزاب الأصولية والقومية المتطرّفة جزءاً لا يتجزّأ من السلطة.

من توقّع أن تكرّر سنة 1999 نفسها حصل على صيغة متجددة وقوية من 1996: تمرّد هادئ في صناديق الاقتراع، ليلة مفاجئة، تتويج بنيامين نتنياهو قيصراً. المواطن الملتزم بالديمقراطية لا يمكنه ألّا يتبنى هذه النتائج إذ هكذا قرّرت الغالبية، والغالبية هي صاحبة السيادة. في مسيرة شرعية حدّدت «إسرائيل» نفسها مرّة أخرى كـ«إسرائيل» نتنياهو.

ومع ذلك، ما حصل مصيبة. لقد كانت لـ«إسرائيل» فرصة اللحظة الأخيرة لإزاحة الدفّة قبل أن تصطدم بالجبل الجليدي لنزع الشرعية، ولكنها اختارت أن تصطدم به. كانت لها فرصة اللحظة الأخيرة لمنع مواجهة سياسية شعبية، متداخلة بالجبهة الفلسطينية، ولكنها اختارت المواجهة. بعيون مفتوحة، اختار «الإسرائيليون» العمى، بعقل سليم اختاروا السُّكر.

عندما سيسفك الدم هنا، فإنّ هذا سيحصل لأن الغالبية الجديدة ـ القديمة اختارت ألّا ترى لا الفلسطينيين، لا المستوطنات ولا الاحتلال. وعندما ستضرب العقوبات هنا، فإن هذا سيحصل لأنّ الغالبية «الإسرائيلية» الجديدة ـ القديمة تنكّرت لروح العصر. حملة انتخابات عكرة وبائسة انتهت بحسم حادّ، سحبت الفرصة من أن تكون هنا صحوة قبل الصدمة الجبهوية مع الواقع.

ما حصل هزّة أرضية. شدّة الهزة في 2015 لا تقل عن شدة الهزّة في 1977 و1981. ليس صدفة أنّ نحو ثلث مواطني «إسرائيل» يعيشون اليوم في حالة اكتئاب. فلننظر فقط إلى تركيبة «الكنيست» الجديدة: نحو ربع الأعضاء فقط هم ممثلو أحزاب ديمقراطية، ملتزمة بشكل كامل بالديمقراطية. ولننظر إلى تركيبة الحكومة المتوقعة: أصوليون، مستوطنون، متطرّفون قوميون ومتزلّفون للشعب. ثمة بضع قبائل في الدولة، والآلية العنيفة بينهما هي التي تتسبب في أن الارض تنفتح المرة تلو الأخرى هنا فتبتلع الأمل. وبدلاً من بلورة وسط سويّ العقل ومتنوّع، يقود العموم القبليّ ويخدمه، خلقنا حرباً قبلية مستمرّة، تجعلنا جميعاً نتّخذ قرارات غير عقلانية وغير مسؤولة.

يائير جربوز زرع الكراهية، ونتنياهو حصد العاصفة. لقد حاولت وسائل الإعلام أن تفرض رأيها على الجماهير، فتمرّدت الجماهير ضدّها. والدائرة السحرية لحرب النخب ضدّ الشعب والشعب ضدّ النخب، سمحت للساحر في أن يقلب البلاد المحبوبة ويجعلها محروقة.

إنّ إغراء اليأس هائل. فبعد الصدمة، سهل تبنّي الإيمان في أنّ الجمهور «الإسرائيلي» قوميّ متطرّف ـ دينيّ، شبه عنصر وعديم الصلاح. وبعد أن استيقظنا إلى فجر ليلة ظلماء، سهل الغرق في اكتئابٍ عديم الوسيلة. ولكنّ اليأس ليس خيارات. والأزمة الفظيعة بالذات فرصة لا سابق لها. والتواجد القريب للكارثة بالذات واجب الانقاذ. ينبغي استخلاص الدروس وبسرعة،. ينبغي التعلم من الأخطاء، ينبغي اختراع الدولاب من جديد وخلق حركة جماهيرية جديدة تقوم بعمل حيويّ وقيميّ وسياسيّ ومناسب.

إن انتصار نتنياهو ليس خطيئة بل عقاب. عقاب على أنّنا كنّا لا مبالين ومغرورين. عقاب على أنّنا كنّا سطحيين وفارغين. إذا كان الجمهور المتنوّر في «إسرائيل» سيصحو في أعقاب الضربة الساحقة التي تلقاها هذا الأسبوع فسيكون هناك أمل. سيكون هناك بديل، ستكون هناك فرصة أخرى.

بعدما فشلنا بشكل مخجل بهذا القدر في حملة الانتخابات في 2015، ينبغي أن نبدأ فوراً بالمعركة التالية. لا سنة للانتظار. لا شهر للانتظار، هذا الأسبوع. اليوم. الآن.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى