غزة بين المصالحة والانفصال
راسم عبيدات
عندما شنت «إسرائيل» عدوانها الأخير على قطاع غزة في تموز2014، كنا ندرك أنّ الهدف ليس غزة، بل الانشغال في الحرب على غزة من أجل الإجهاز على القدس، وكان رئيس الوزراء «الإسرائيلي» الأسبق آرييل شارون عندما انسحب من غزة، قال إنه انسحب من أجل السيطرة على الضفة الغربية والقدس. والآن يعاد طرح مشروع الدولة الفلسطينية الموقتة بقوة بعد فوز الليكود في الانتخابات، وتصريحات نتنياهو بأن لا دولة فلسطينية غرب نهر الأردن ولا تقسيم للقدس ولا عودة للاجئين.
أما الحالة الفلسطينية، فهي منقسمة على ذاتها مع استمرار المناكفات والتحريض وعدم تحقيق المصالحة الوطنية، في ظلّ ضعف حكومة الوفاق الوطني، وغياب دورها عن القطاع لأسباب ذاتية وموضوعية منها عدم الاهتمام بهموم وشؤون القطاع المعيشية والحياتية المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية ، وعدم تمكين حماس لها من القيام بدورها ومهمّاتها ومسؤولياتها.
من جهة أخرى، فإنّ تراكم المشاكل في القطاع بسبب عدم فتح المعابر وعدم رفع الحصار وبطء دوران عجلة الإعمار وعدم تلقي موظفي سلطة حماس رواتبهم، فاقم مشاكل وهموم أهله من فقر وبطالة ومشاكل أخرى تتعلق بتفاصيل حياتهم اليومية.
أمام هذا الواقع، أصبحت حماس تفكر في طريقة تستطيع من خلالها أن تنجو بنفسها وتحفظ سلطتها، وقد تقدم، تحت الضغط، على خطوة قد تذهب بالقطاع إلى الانفصال، من خلال التوقيع على هدنة طويلة مع حكومة الاحتلال. هدنة قد تشكل خطراً جدياً على المشروع الوطني الفلسطيني، لأنّ وجود تمثيل مواز للسلطة ومنظمة التحرير سيضعف الموقف الوطني في شكل كبير، وبالتالي سيسمح بتنفيذ الرؤية والمشروع الصهيونيين بالسيطرة على القدس، وإقامة الكانتونات المعزولة في الضفة الغربية.
تتحدث قيادات حماس، من هنية إلى الزهار وموسى ويحيى وغيرهم، عن مشروع الهدنة الطويلة مع دولة الاحتلال، مؤكدين أن لا موانع لديهم من تنفيذ هذه الهدنة على أن تشمل وقف العدوان على القطاع وفتح المعابر بينه وبين الأراضي المحيطة به الداخل الفلسطيني ورفع الحصار وإعادة الإعمار والسماح بحرية الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى بناء الميناء وإعادة فتح المطار.
في ظلّ غياب أفق للمصالحة واستعادة جدية وحقيقية للوحدة الوطنية، سيصبح الباب مشرّعاً على التدخلات العربية والإقليمية والدولية وحتى «الإسرائيلية» لفرض حلول على الشعب الفلسطيني، من شأنها قتل مشروعه الوطني وتغييب قضيته وتفكيكها.
إنّ ما يطرح من مبادرات تشارك فيها دول مثل سويسرا وتركيا وقطر، ليس بعيداً، بمعزل عن التشاور في شأنها مع «إسرائيل» وأميركا، ويبدو أنّ اللقاءات «الإسرائيلية» القطرية في هذا الشأن، هي من أجل ربط غزة بالكهرباء «الإسرائيلية» والسماح بدخول مواد الإعمار عن طريق «إسرائيل»، وتفعيل الدور التركي في قضية إنشاء ميناء بحري للقطاع كمنفذ على العالم، وحلّ مسألة الرواتب لموظفي حماس من خلال سويسرا، وربط كلّ ذلك بالتصعيد العسكري ضدّ الجيش المصري من قبل القوى التكفيرية والظلامية في سيناء، مع فتح معبر رفح، ما يؤشر إلى أنّ هناك قوى تسعى إلى تنفيذ مخطط يصل في النهاية إلى فصل القطاع، في شكل نهائي، عن الضفة والقدس.
الوضع في غزة كارثي، فما البديل أمام حماس في ظلّ غياب المصالحة وإهمال حكومة الوفاق للقطاع وتفاقم مشاكله وأزماته؟ تعتبر حماس أنّ إقرارها بالهدنة سيجعلها محط ترحيب في الشارع الغزي الذي يريد أن يصل إلى حلّ لمشاكله. المخاطر كبيرة والتدخلات كثيرة، والمشروع المعادي يريد أن يستهدف مشروعنا الوطني، وهو سيستخدم حماس من أجل الضغط على السلطة في مفاوضاتها مع الاحتلال والذهاب إلى المؤسسات الدولية، من أجل الموافقة على المطالب والشروط «الإسرائيلية». ويبدو أنّ حماس باتت مطلوبة من قبل العديد من الأطراف الدولية، وبموافقة العديد من الأطراف العربية والإقليمية، والمأساة هي ضعف السلطة الفلسطينية وتآكل هيبتها وحرصها على العلاقات مع الأطراف الراعية للمشروع الذي قد يلحق ضرراً بالغاً بالمشروع الوطني الفلسطيني قطر وتركيا . وبذلك، لن يكون المشروع الوطني وحده الضحية، فحماس ستدفع ثمناً باهظاً، وإن كانت ستستفيد في شكل آني، فالمشاريع والمبادرات الغربية المطبوخة في مطابخ «السي آي إيه» وبموافقة الموساد والحكومة «الإسرائيلية» عليها، ستفرض على حماس وغيرها تقديم تنازلات كبيرة، تفرغها من محتواها كحركة مقاومة، في مقدمتها حلّ كتائب القسام ووقف تصنيع وتهريب السلاح وغير ذلك.
نحن نعرف الاحتلال جيداً، فهو لا يلتزم بمعاهدات ولا اتفاقيات، يلتزم فقط بمصالحه وأمنه، وما دون ذلك يدوس على كلّ الاتفاقيات والتعهدات، وبالتالي بموقفنا الموحّد وتغليب المصالح العليا لشعبنا الفلسطيني، نوقف التدخلات العربية والإقليمية والدولية في شؤوننا الداخلية.
إنّ تفرد حماس بقرار الهدنة مع الاحتلال سيكون أمراً كارثياً بكلّ معنى الكلمة، ويخدم الاحتلال في مشروع الحدود والدولة الموقتة، وما يفكر به العدو الصهيوني تجاه قطاع غزة، لا يخرج عن إطار حالة الصراع والاشتباك.
على حماس أن تراجع موقفها ، وأن تتصرف بمسؤولية وطنية. عليها ألا تقدم على توقيع اتفاق هدنة مع الاحتلال في شكل منفرد، قبل أن تخضع المشروع للحوار والنقاش من خلال عرضه على الفصائل ومنظمة التحرير لاتخاذ القرار المناسب.
Quds.45 gmail.com