تركيا إلى أين 1

تركي حسن

استطاع حزب العدالة والتنمية القبض على السلطة في تركيا طوال اثني عشر عاماً، كما سيطر على أبرز البلديات، والرئاسة، وقبض على المؤسسة الأمنية والجيش التركي، وقدّم نفسه كمنقذ سياسي واقتصادي في الفترة المنصرمة ونجح في ذلك في اتجاهين:

الأول سياسي باعتباره وريثاً للإسلام السياسي في تركيا ولعهد السلطنة العثمانية، فخاطب الأوروبيين مناوراً للدخول في الاتحاد الأوروبي، وعندما فشل اتجه نحو العالم الإسلامي وفتح القنوات نحو روسيا و إيران فأصاب في بعضها وفشل في بعضها الآخر، فأنشأ علاقة جيدة مع بعض الدول وطرح صفر «مشاكل» ووقف في قلب الحدث وأُعطي أدواراً كان يحلم بها سواه، مثل المفاوضات الفلسطينية ـ «الإسرائيلية» أو الملف النووي الإيراني، أو حضور مجموعة دول شنغهاي، إلخ، وعَقد تحالفات داخلية أهمها مع فتح الله غولين.

الثاني اقتصادي، إذ لا ننكر أن حكومة حزب العدالة والتنمية كسبت طبقة الرأسماليين والمستثمرين ورجال الأعمال عبر سياستها النيوليبرالية في بيع أو عرض استثمار ممتلكات الدولة والاعتماد على الاستدانة في تحسين الاقتصاد التركي وتحقيق الطفرة، إذ انتقلت تركيا إلى الرقم 18 في ترتيب الاقتصاد العالمي وارتفع احتياطي الكتلة النقدية في البنك المركزي إلى 153 مليار دولار، كما ارتفع معدل النمو إلى 7 في المئة حتى عام 2010 وفُتحت أسواق جديدة أمام المنتجات التركية.

وعلى رغم أن الحزب ورئيسه ينطلقان من خلفية عَقَدية أصولية ويعبّران عن سياسة جديدة لتنظيم الإخوان، إلاَّ أنه سَوّق للشعب التركي ذي الدولة العلمانية أن فلسفته السياسية لا تنطلق من موقف العقيدة، بل تعبر عن الواقعية السياسية والنهج الجديد لـ«الإخوان»، وأن تجربة الإسلام السياسي نجحت في تركيا ويمكن أن تُحتذى التجربة في بلدان أخرى. وخلال حكم أردوغان وحزبه تمكن شيئاً فشيئاً من كسب جولات داخلية ضد العلمانية ممثلة بمؤسستيّ الجيش والأمن، حتى تمكن من إحداث التحول فيها والقبض عليها، ووضع قادتها في السجون عبر السيطرة على مؤسسة القضاء فتحوّلت تحت إمرة السلطة التنفيذية من خلال تعديلات دستورية في البرلمان أو استفتاءات مباشرة من الشعب، وضرب القوى السياسية الرئيسية المعارضة مرتكزاً على إنجازاته الاقتصادية والسياسية، وسيطر على وسائل الإعلام المختلفة إلى حد الإملاء عليها والتدخل في شؤون تحريرها.

أما في السنوات الثلاث الأخيرة فبدأ الحزب ورئيسه يُظهران النوايا المبيّتة وبرامجه الحقيقية داخلياً وخارجياً، وتمظهرت كالآتي:

أولاً: الأزمة السورية التي عرّت الحزب وقيادته عبر تدخله المباشر في الحرب على سورية وظهوره كرأس حربة في التدخل العسكري والأمني والسياسي والحضّ على التدخل العسكري الغربي إذ بدت سياسته غير مناسبة لسياسة دولة بل انحدرت إلى سياسة طائفية ومذهبية حاولت تهشيم الدولة السورية وبنية المجتمع السوري الثقافية وفق توجهات عقائدية.

ثانياً: محاولة إظهار الحزب وقيادته بأنه قائد ما يسمى بـ«الربيع العربي»، وأعطى نفسه حق التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان تونس، ليبيا، مصر، سورية من منطلق فوقي يقرر ويحسم. ما شكل رد فعل طبيعياً تجلّى في مصر حتى في فترة حكم الإخوان.

ثالثاً: محاولة مصادرة القرار الفلسطيني عبر وضعه تحت مظلة سلطة أردوغان وحزبه من خلال حركة حماس.

رابعاً: التدخل المباشر التفصيلي في الداخل العراقي، إذ احتضن رموز «الإخوان المسلمين» ولعب بالوضع الأمني العراقي، وغذّى الصراعات الداخلية العراقية الطائفية والمذهبية والعرقية وأفاد منها.

خامساً: المناورة والمراوغة مع إيران ومحاولة الإفادة من وضعها تحت العقوبات الأممية سياسياً واقتصادياً، واعتماد التقيّة في سياسته معها.

سادساً: اللعب مع روسيا والإيهام بالانفتاح الاقتصادي والسياسي ورفع مستوى التبادل الاقتصادي والاستثمار إلى 100 مليار دولار في اتجاهات متعددة.

سابعاً: الاستمرار في الانفتاح على أوروبا واستجداء الدخول إلى الاتحاد الأوروبي.

ثامناً: تنفيذ سياسة التابع للأميركي، بل إظهار نفسه أنه يتقدم ويزايد على الموقف الأميركي والغربي في تأمين مصالح الغرب في المنطقة.

تاسعاً: استمرار السياسة العدوانية السابقة حيال قبرص واليونان وأرمينيا.

… يتبع

باحث في الشؤون الاستراتيجية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى