روسيا: كي لا تكون عاصفة الجنون سابقة
عامر نعيم الياس
أشار وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أنّ روسيا «قامت بإنجاز كبير في ما يتعلق بسورية، إذ لم تسمح بتكرار سيناريو ليبيّ آخر، ولن تسمح بحصول تدخل عسكريّ من الخارج». وشدّد، في مقابلة أمس مع ثلاث إذاعات روسية، على ضرورة مكافحة الإرهاب، من دون اللجوء إلى الكيل بمكيالين، وأن تكون محاربته منهجية، وتعتمد استراتيجية يتفق عليها المجتمع الدولي بكامله قائلاً: «إننا لا نشارك في الهياكل التي قامت الولايات المتحدة بتشكيلها في العراق وسورية، لكننا نقدم مساعدات أكثر فاعلية للأجهزة الأمنية والعسكريين».
توقيت كلام لافروف بعد الإعلان عن توقف عاصفة الجنون السعودية في اليمن، مع الاستمرار ببعض القصف هنا وهناك، لم يأتِ من فراغ. فالوزير الروسي ـ وإن كان موقف بلاده العام وحق النقض الذي استخدمته مرات أربع ـ يشير إلى رفض التدخل العسكري الخارجي في سورية. إلا أن للتأكيد على عدم السماح بتدخل خارجي في سورية وفي هذا التوقيت، بعداً آخر يعكس التالي:
ـ التخوّف الروسي من تكرار «عاصفة الحزم» السعودية في سورية، وسط تسريبات إعلامية نشرتها صحيفة «هافينغتون بوست» الأميركية عن وجود محادثات عالية المستوى بين تركيا والمملكة العربية السعودية بوساطة قطرية لتشكيل تحالف عسكريّ من أجل الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. فقد نقلت عن مصادر مطلعة على تلك المحادثات، «أنه من المتوقع أن تقدم تركيا القوات البرية، في حين ستدعمها السعودية بالغارات الجوية، لمساعدة مقاتلي المعارضة السورية المعتدلة ضدّ نظام الأسد… إن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أطلع الرئيس الأميركي باراك أوباما على هذه المحادثات خلال زيارة الأول للبيت الأبيض في شباط الماضي».
ـ الانكفاء الأميركي عن المنطقة، وإن كان في اليمن، أثبت شيئاً من بعد النظر السياسي الخاص بالإدارة الأميركية التي أرادت قبل أي شيء تمرير البيان حول النووي بين إيران والدول الستّ الكبرى، هذا الانكفاء من شأنه أن يمنح بعض الدول الإقليمية هامش مناورة محدوداً في ما يخصّ سورية والأوضاع الميدانية فيها. هنا لا يمكننا أن نغفل الجنون الذي يحكم سياسات محور واشنطن في المنطقة والذي أدى إلى المشهد الذي شهدناه يوم أول من أمس في مجلس الأمن الدولي بين المندوب السعودي الذي هدّد علناً بقصف سورية، والردّ البليغ من السفير السوري بشار الجعفري.
ـ مسارعة رؤساء أركان الجيوش العربية، وفور انتهاء العدوان السعودي ـ الخليجي على اليمن، للاجتماع في القاهرة من أجل بحث قرار القمة العربية القاضي بتشكيل «قوة عربية مشتركة»، استناداً إلى معاهدة الدفاع العربي المشترك، في محاولة لتشريع التدخل العربي في الدول العربية المعارضة للنهج الأميركي في المنطقة وتكريسه.
ـ التدخل العلني في سورية من جانب تركيا والأردن في الآونة الأخيرة يجري في ظلِّ صمتٍ دوليّ لا يمكن تفسيره حتى من قبل حلفاء سورية. وجاء بالتزامن مع إعلان السعودية قبل شهر بدء عدوانها العسكري على اليمن.
مما لا شك فيه، أن موسكو كانت محور الاتصالات الأخيرة التي أدّت إلى وقف العمليات العسكرية لتحالف آل سعود في اليمن، وتأمين إخراج الفشل السعودي بطريقة دبلوماسية مقدّرة وبتوقيت مناسب، من دون أن يعني ذلك نهاية الحرب نهائياً. فالصراع لا يزال مستمراً، والتقدّم على الأرض من جانب «أنصار الله» واللجان الشعبية لم ولن يتوقف. فيما الطائرات السعودية لا تزال تغير على المدن اليمنية، فارضةً حصاراً بحرياً وجوياً، بحجة تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الذي امتنعت موسكو عن التصويت عليه. لكن دمشق تختلف عن صنعاء، ربما يريد لافروف التذكير بذلك، كي لا تتكرّر التجربة اليمنية في سورية. ففرض حصار على سورية أو بالأحرى خلق أمرٍ واقعٍ جديد على الأرض يمسّ الأوضاع الميداني والسياسي الداخلي والخارجي في سورية ومن حولها ويؤثر بشكل مباشر فيها. هو أمرٌ غير مقبول بالنسبة إلى الروس. ففي اليمن ثمة تسوية وقبول مبدئيّ بالأمر الواقع الدولي الذي بلورته «عاصفة الحزم» السعودية. إنّما في سورية، لن يسمح لأيّ أحد بالتفكير بعدوان واستخدامٍ مباشر للقوة الجوية للدفع بأدوات أنقرة والرياض والدوحة قدماً على الأرض. فعاصفة الجنون السعودي لن تكون أرضية لتكريس مبدأ التدخل الاستباقي «العربي» ضد الدول العربية.
كاتب ومترجم سوري