«الماهدون»… كتاباً يحلّل مناهج نقّاد الرواية السورية

محمد خالد الخضر

يحلّل الدكتور سمر روحي الفيصل في كتابه «الماهدون… نقاد الرواية السورية»، المنهج النقدي لدى نقّاد هذا الفن الأدبي في سورية، كما يناقش مدارسهم ويبحث في الخلفية الثقافية والفكرية التي بُني عليها الهيكل النقدي لكل واحد منهم.

ومن خلال دراسته التحليلية والتقويمية لنتاجات نقاد الرواية السورية، يعاين الدكتور الفيصل اتجاهاتهم وأساليبهم ويتبع بنظرة جدلية التباين في معارفهم الخاصة من حيث بناءي الرواية الفنّي والفكري، ونماذجهم النقدية المختلفة.

وفي كتاب الفيصل ثمانية نقّاد منهم: شاكر مصطفى الذي لم يتبع منهجاً محدّداً في نقده الرواية. إضافة إلى تأطره بثقافته القومية وانتقائه نصوصاً رآها منتمية إلى الحقل الأدبي كما يراها، ولا يمكن لهذا الانتقاء أن يكون ضعفاً في سلوكه النقدي.

كما أورد الفيصل أسلوب شاكر مصطفى في تعريفه الروائي وترجمته لصاحب الرواية وأنه اشتغل على غالبية الروايات السورية، ودقّق في الحوادث الرئيسية والشخصيات، إضافة إلى أنه يقدّم مجموعة من أحكام القيمة في نهاية تلخيصه الرواية، مع عدم إسقاط الواقع الخارجي على الواقع الفني. فنصّ الرواية عنده ليس نسخاً للواقع.

كما بيّن الفيصل في دراسته مكوّنات النقد لدى الدكتور حسام الخطيب، وعدم اهتمامه بالتنظير النقدي، وأن منهج الخطيب الخاص القائم على التكاملية الجديدة منهج اجتماعي يقدم عليه أثناء معالجته النصوص الأدبية. لافتاً إلى أن الناقد يغني قلمه بمناهج علم الفلسفة والاجتماع والتاريخ، إنما يجب ألا يحل هذا محل الدراسة الفنية، لأن دائرة اهتمام الناقد تتمثل بالأدب مهما تتسع وتضم في أفيائها نتائج علوم أخرى.

وأوضح الكاتب أن من أبرز ميزات الدكتور الخطيب ضمن عملية التحليل والتفسير في النقد عدم إلغاء القارئ، فيجعل منه تابعاً لتفسيره إنما يفتح له الكوّة أثناء السير عبر شعاب النصّ، ويشعر القارئ أن رأيه المطروح في النص ليس هو الرأي النهائي.

ويجمع الخطيب بين العلم والنصّ في نقده، وتكمن موضوعيته في عدم إبعاد القارئ وسدّ أبواب الفهم الخاص أمامه. ليوضح الفيصل أن طبيعة التفسير لدى الدكتور الخطيب تحليلية تستند إلى الدلالة الفنية لطبيعة العمل الادبي، ولا يهمل أحكام القيمة أثناء تحليله النص وتفسيره، لأن غرض الدكتور الخطيب في النهاية التوصل إلى تقييم الروايات السورية وتذوقها من خلال تحديد المؤثرات الاجتماعية.

وفي حديثه عن الناقد فائق محمد، أشار الفيصل إلى استناد هذا الناقد إلى المفهوم العربي لتيار الوعي في الرواية الحديثة واعتماده على الأساس الفني للتعريف بهذا التيار، وتوضيح طبيعته الفنية وبيان مشكلة الزمن والأنماط المتبعة في البناء الفني للروايات، خصوصاً الموسيقى والبلاغة والأسطورة والتقنية السينمائية.

ويهدف الناقد محمد بمنظور الفيصل، إلى مناقشة طبيعة التجربة الفنية الخاصة بالشخصية الروائية، وتداخل الحياة النفسية، وتباين النظرة إلى عنصر الوعي، وارتباط ذلك بسمات تيار الوعي كالعامل الذاتي والهروب والتداخل والرموز المكثفة.

ويصف الفيصل الناقد محمد أبو خضور بالهدوء والإخلاص واهتمامه بالنقد التطبيقي الذي يعنى بتعريف النقاد والدارسين وقراء القيم التي يدعو الأدب العربي إليها، وانطلاق الفعالية النقدية عنده من الرغبة في الافادة بما قدمه النقد العربي القديم، وحرصه على أن تدور دراسته النقدية وسطاً بين شكلَي التعبير والمضمون.

وعن رأيه في كتاب «الماهدون» لسمر روحي الفيصل، قال الشاعر والناقد رضوان هلال فلاحة إن هذا الكتاب قدم أقلاماً نقدية فعّلت دور الرواية السورية في الحقل الأدبي من خلال مقاربات جدلية لمناهجهم في التذوق الفني والفكري والنفسي، المستند إلى مذاهبهم النقدية المتباينة، فكوّن في كتابه تعريفاً لمدارس هؤلاء النقاد باختلاف مشاربهم الفكرية.

لكن فلاحة يرى أن كتاب «الماهدون» افتقد إلى الجانب التحليلي الذي يجب أن يقدم رؤية الكاتب النقدية التي تحمل أدواته وقواعده الفنية في التذوق. لأن وظيفة النقد في الأجناس الأدبية كافة، تكمن في كشف قيمة العمل الفنية والثقافية، لا أداة تجميلة أو تشريحية.

في حين قالت الكاتبة نبوغ أسعد إن كتاب «الماهدون» اهتم كغالبية الكتب النقدية بتسليط الضوء على مجموعة نقّاد موجودين على الساحة الأدبية، من دون أن يدخل في العمق البنيوي لهؤلاء النقاد، إذ بدت النزعة الذاتية ظاهرة على نماذج الاختيار، وتجلى ذلك في ما كتبه عن الدكتور الخطيب الذي سيطر على غالبية صفحات الكتاب، ما ينعكس سلباً على تطور النقد بشكل عام. مشيرة إلى الجرأة في تناول ما يكتبه النقاد وتراجعها في مجال نقد النصوص الأدبية وتحليلها.

ورأى الدكتور نزار بني المرجة رئيس تحرير «جريدة الاسبوع الأدبي» الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب، أن ظاهرة تسليط الضوء على النقاد ظاهرة إيجابية تستأهل التقدير والاحترام، لأن هناك نفراً من النقاد بدأت تغيب شمسهم بعد رحيلهم عن الدنيا مباشرة. متمنياً أن تستمر عملية البحث عنهم والكتابة عن نتاجاتهم إضافة إلى العمل على تحليل كتاباتهم بشكل منهجي والابتعاد عن التوصيف السردي القريب من المادة الصحافية.

اختلفت الآراء حول بنية الكتاب، إلا أن كل كاتب ذهب في اتجاه صائب. فالقراءة التحليلية اتجهت في نزعتها الذاتية من دون أن تشمل برعايتها كل الموجودين في الكتاب. كما أن الكاتب لم يقف عند سلبيات حسام الخطيب، في حين استوقفته سلبيات النقاد الآخرين. واختيار النقاد ظل في دائرته المغلقة وإن كانت القدرة التوصيفية عند سمر روحي الفيصل موجودة بقوة وتدل على ثقافة شمولية وملكة نقدية واعية.

ويعتبر كتاب «الماهدون» الصادر عن الهيئة السورية للكتاب والذي يقع في 383 صفحة من القطع المتوسط، طرحاً لنماذج نقدية أخرى ومتعددة تحفز على الاعتراف بالرواية جنساً أدبياً يستفيد من أشكال الفنّ كلّها.

كما في الكتاب مناقشة من نقاد لقضايا الرؤية الفنية والتقليدية لبداية التاريخ الروائي السوري، إذ اختلف «الماهدون» في تحليل الرواية فاتخذ عدنان بن ذريل المنهج النفسي والخطيب المنهج المقارن والمنهج العام في حين سلك محمد أبو خضور منهج التماثل والتشابه.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى