ارتباك أميركي في سورية وسعودي في لبنان… والأسد «سوا»
كتب المحرر السياسي
في ظلّ الوقت الضائع والبحث اللبناني في فرص التوافق على أسماء خارج نادي الأربعة الكبار، وبقاء اسم المرشح سمير جعجع حاجزاً يقطع طريق الرابع عشر من آذار عن أي بحث توافقي جدي، واسترخاء الثامن من آذار بانتظار عرض توافقي قابل للبحث، فيما اسم العماد ميشال عون باق كمرشح قوي في التداول، افتتح الرئيس السوري بشار الأسد حملته الانتخابية تحت شعار «سوا»، بينما تسير الآلة العسكرية السورية خطوات واثقة نحو حسم المزيد من المناطق التي تمثل خصوصية في الاستحقاق الرئاسي القادم بعد أقلّ من شهر، وفي طليعتها عاصمة الشمال السوري حلب، بينما يعيش الائتلاف السوري المعارض أسوأ أيامه السياسية والعسكرية، فحربه في الشرق مع «داعش» تستنزف قواه البشرية والمادية، والأزمة الناشبة مع «جبهة النصرة» في الجنوب تجعل مواقعهما المتداخلة في ما تبقّى من ريف دمشق عرضة للسقوط السريع، وآثار زلزال حمص لم تهدأ بعد.
محور ما يجريه الائتلاف هو الترويج لزيارة وفده إلى واشنطن، مقابل التردّدات التي تطغى على الزيارة لما جرى في حمص، كمسار تبدو فرص تكراره السريع متعدّدة في أكثر من مكان وموقع.
الزيارة كما يتضمّن التقرير الذي تنفرد «البناء» بنشره من وثائق الائتلاف الداخلية، والمرسل من القيادي في الائتلاف هادي البحرة إلى الهيئتين العامة والتنفيذية، والذي يتلافى التقييم الجدي لنتائج الزيارة مركزاً على محاولات تجميلية مبالغ بها، مثل إخفاء الترتيب الذي لا يزال موضع أخذ وردّ للقاء الرئيس باراك أوباما والذي يتضمّن حتى الآن مروراً لإلقاء التحية من أوباما على الوفد خلال اجتماعه بمستشارة الأمن القومي سوزانا رايس في البيت الأبيض، وتهرّبه من تفسير سرّ عدم إتاحة المؤسسات التلفزيونية الأوسع انتشاراً لدى الرأي العام الأميركي لرئيس الائتلاف كقناة «سي أن أن»، وسبب الرفض لمنح ممثلية الائتلاف مرتبة أعلى من «مجاهدي خلق» الإيرانية، وحرمانها حتى من إنجاز المهام القنصلية على رغم الاستعانة بالنواب الديمقراطيين والجمهوريين للضغط من أجل هذا الهدف، وكذلك والأهمّ بقاء القرار الأميركي على حاله برفض تسليح الائتلاف، والمطالبة الصريحة كما يكشف التقرير بموقف عملي تصادمي مع «جبهة النصرة»، ربما يفسّر ما سيجري في الأيام المقبلة انطلاقاً من درعا.
واشنطن المربكة سوريّاً أمام ما يجري في الميدان، والمدركة لمعاني الحسم الدستوري بإجراء الانتخابات الرئاسية التي يصير ما بعدها غير ما قبلها، قرّرت كما تقول مصادر واسعة الإطلاع والاتصالات أن تتعامل مع سورية بعد الانتخابات الرئاسية كما تعاملت مع الحكم في إيران بقطيعة وعقوبات، وستتعامل مع الائتلاف المعارض وجسمه المسلّح كما تعاملت مع تنظيم «مجاهدي خلق»، الذين يحوزون مكتباً شبيهاً بمكتب الائتلاف، ولا يتلقون سلاحاً بل مساعدات غير عسكرية، وترخيصاً ودعماً لمؤسسات إعلامية، وربما يجري البحث في تأمين معسكر شبيه بمعسكر «أشرف» الذي آوى مسلحي مجاهدي خلق في العراق لسنوات، والمشكلة لا تزال في من يستطيع تحمّل تبعات هذا الإيواء من دول الجوار، وهو أمر كان مطروحاً لعرسال اللبنانية لولا الحسم السريع في القلمون، وقيل في أروقة وكواليس الأمن والسياسة أن معسكر أشرف اللبناني في مناطق بين الحدود السورية ـ اللبنانية سيتردّد عليه ذات الاسم، «أشرف» تندّراً بالرعاية المنتظرة له من وزير العدل أشرف ريفي، لكن سبق السيف العذل.
موسكو على خط المراقبة الحثيثة لنوع المساعدات الأميركية للائتلاف، وكما تقول أوساط روسية ديبلوماسية إنّ تفاهماً روسياً أميركياً ثابتاً يضع الدعم النوعي للمعارضة السورية، في موازاة ومقابل الدخول العسكري الروسي إلى أوكرانيا.
الارتباك الأميركي سوريّاً يقابله ارتباك سعودي لبنانياً، فالرئاسة اللبنانية في الظرف الراهن محتجزة بقرار سمير جعجع مواصلة الترشح والتبني المستمرّ لتيار المستقبل ورئيسه سعد الحريري لهذا الترشح، وهما أمران بيد السعودية تأثير كبير عليهما، لكن فرص التحرك لاستعجال التوافق على الرئيس العتيد تبدو مقيّدة لزمن غير قصير باسم وحيد تضعه قوى الثامن من آذار في التداول، هو اسم العماد ميشال عون، والتسريع يعني زيادة فرص عون قبل نضوجها من الزاوية السعودية، بينما التعايش المديد مع الفراغ يعني إفساحاً في المجال أمام التغييرات التي تشهدها سورية للاكتمال، وعودة سورية إلى دورها التقليدي في التشارك بأيّ شأن لبناني بحجم الاستحقاق الرئاسي، وانتقال الحليفين الإقليمي واللبناني لسورية، وهما إيران وحزب الله، من التداول المباشر في الشأن الرئاسي، إلى المجاهرة باستحالة تجاوز دور سورية في هذا الاستحقاق، وما يربك السعودية هنا ليس ثنائية المأزق فقط، بل كون الدستور اللبناني الذي ولد من اتفاق الطائف الذي رعته السعودية قام على ثنائية تقليص صلاحيات رئيس الجمهورية وتعزيز صلاحيات رئيس الحكومة، ضمن معادلة تضمّنت قوننة علاقات تنسيق وتعاون بين الدولتين اللبنانية والسورية، خصوصاً في مجالي الأمن والسياسة الخارجية، وسيكون سهلاً القول إنّ خروج لبنان من هذا الالتزام يستتبع سقوط اتفاق الطائف، أو على الأقلّ سقوط الضمانات السورية لهذا التعديل في الصلاحيات، واحتمال إعادة فتح بابها، خصوصاً في ظلّ الصحوة الكنسية للمطالبة بالرئاسة المسيحية القوية، فيصير التعويض الوحيد الممكن لتلافي إعادة البحث بالصلاحيات وتوزيعها ارتضاء مقولة الرئيس الذي يستعيض بقوته التمثيلية ومواقفه المطمئنة لسورية، عن الصلاحيات والعلاقات المميّزة بصيغتها السابقة، وهذا يُعيد العماد عون خياراً حاضراً مرة أخرى.
استمرار التجاذب حول الرئاسة والسلسلة
في هذا الوقت، ومع استمرار المراوحة في ملف الانتخابات الرئاسية على خلفية تمسّك قوى 14 آذار بترشيح سمير جعجع وإقفال الأبواب أمام البحث الجدي للوصول إلى توافق حول إسم مقبول من الأكثرية اللبنانية ولا يشكل استفزازاً لها، يعود إلى الواجهة هذا الأسبوع موضوع سلسلة الرتب والرواتب، إذ يُتوقع أن تنشط الاتصالات بين الكتل النيابية بهدف ردم الهوّة بين تقرير اللجنة النيابية الذي عمد إلى تشحيل كبير في أرقام السلسلة، والذي أقرّته اللجنة النيابية المشتركة بغية إقرارها، بما يتوافق مع الحد الأدنى من مطالب هيئة التنسيق النقابية التي أكدت المضي في الإضراب المفتوح، حتى ولو أقرت الجلسة العامة سلسلة لا تتجاوب مع حقوق المعلمين والموظفين والعسكريين.
اتصالات تسبق بحث السلسلة في جلسة الأربعاء
وفيما ستواصل هيئة التنسيق النقابية إضرابها العام في القطاع التربوي الرسمي وفي الإدارات العامة وستتوج هذا التحرك بتظاهرة مركزية واعتصامات بعد غد الأربعاء، عُلم في هذا الإطار أن هناك اجتماعات وتحضيرات مكثّفة استباقاً للجلسة النيابية العامة، لأنه إذا لم تقرّ السلسلة ستكون لها مضاعفات سياسية في الشارع، لذلك من المقرّر أن يعقد اليوم اجتماع بين لجنة وزارية واللجنة النيابية التي أعدّت التقرير الأخير حول السلسلة للبحث في عدد من نقاط المشروع بهدف إزالة التباينات بين مكونات الحكومة ومجلس النواب، لكي تتمكّن الجلسة العامة من إقرارها.
وكذلك أشارت مصادر نيابية أيضاً إلى أنّ من المرجّح أن تُدخل الجلسة العامة تعديلات على السلسلة، مشدّدة على ضرورة إقرارها حتى لا تذهب البلاد إلى فوضى اجتماعية.
هيئة التنسيق
إلى ذلك، أكد نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض أمس، أن هيئة التنسيق لن تخرج من الشارع إذا أُقرت السلسلة بالشكل المطروح، آملاً أن يأخذ الاجتماع الوزاري والنيابي اليوم بملاحظات الهيئة. كذلك دعت رابطة أساتذة التعليم الثانوي إلى إسقاط المشروع المسخ الذي أقرّته اللجنة النيابية.
الفراغ يقترب من بعبدا
أما في موضوع الاستحقاق الرئاسي، فتشير المعطيات كلّها إلى أن الاتصالات الداخلية لم تدخل حتى الآن أيّ بحث حول التوافق على شخصية مقبولة من أكثرية الكتل النيابية. وتقول مصادر سياسية متابعة إن مردّ هذا الدوران في الحلقة المفرغة يعود إلى تمسك تيار «المستقبل» بترشيح جعجع، بينما بدا حزب الكتائب منزعجاً من استمرار هذا الترشيح، ولكنه فضّل عدم الإعلان عن ذلك. لذا يضغط داخل فريقه لطرح إمكان البحث عن مرشح غير رئيس «القوات». إلا أن هذه الرغبة تُواجَه برفض من تيار «المستقبل» ورئيس «القوات» اللبنانية.
وتضيف المصادر إن هذه الأجواء بدأت تُشعر الجميع أن البلاد تتجه بشكل مؤكّد نحو الفراغ الرئاسي، إلا إذا حصلت معجزة. وحتى هذه المعجزة غير واردة التحقق في ظل انسداد الأفق داخلياً وخارجياً للاتفاق على الرئيس الجديد.
وفي معلومات المصادر، أن بعض الأطراف من داخل 14 آذار ومن «الوسطيين» طرحت على تيار «المستقبل» أن الحكمة تقتضي البحث عن بدائل من جعجع، لأن «المستقبل» ما زال على موقفه الداعم لهذا الترشيح، ما يعني أن البقاء على هذا الموقف سيأخذ الأمور نحو الفراغ الرئاسي، لا بل إن فترة الفراغ قد تمتد عندها طويلاً.
وبحسب معطيات المصادر، فإن على رغم استمرار التواصل بين «المستقبل» والتيار الوطني الحر والبحث لم يتوصل إلى أي مقاربات مشتركة حتى الآن من موضوع الانتخابات. وهو ما يعني أن «المستقبل» يسعى لتقطيع الوقت، حتى يرفع مسؤولية الفراغ عنه، ويضعها في مرمى الفريق الآخر.
كذلك أكدت مصادر وزارية، أنه لم يطرأ أي جديد خلال الأيام الأخيرة على مستوى الاستحقاق الرئاسي، وأن الحراك الداخلي الذي يحصل ما زال يقف أمام حائط مسدود. وبالتالي فإنّ إجراء الانتخابات في موعدها أصبح من «سابع المستحيلات».
لذلك تشير مراجع سياسية إلى أنه في ظل انسداد الأفق أمام الاتصالات، فلا شيء متوقعاً في جلسة الخميس، وهي بالتالي لن تكون أفضل من سابقاتها.
السعودية تشجع على استمرار ترشيح جعجع
وفي هذا الإطار، كشفت مصادر نيابية مطلعة أن السعودية فرضت على فريق 14 آذار التمسك بترشيح جعجع، وأن هذه الإملاءات تحت رعاية أميركية والهدف منها الوصول إلى الفراغ لكي تستغل واشنطن الفرصة وتأتي برئيس لا يغرّد بعيداً عن مدارها. وشدّدت المصادر على أن استمرار التباعد الإيراني ـ السعودي يمثّل عائقاً قوياً وإضافياً أمام انتخاب الرئيس، إذ إن هناك من يقول إن السعودية تحاول المقايضة بين الإفراج عن الاستحقاق الرئاسي في لبنان والإتيان برئيس للحكومة في العراق خاضع لإرادتها، خصوصاً أن المعطيات تشير إلى أن نتائج الانتخابات العراقية لا تتناسب مع سعي السعودية لوضع يدها على سياسة العراق وحكومته.
الراعي يرفض الفراغ
وأمس اعتبر البطريرك الماروني بشارة الراعي أن الفراغ في سدة الرئاسة الذي يعمل عليه البعض مرفوض بالمطلق لأنه يطعن بالميثاق الوطني. ورأى أن الفراغ يناقض المسؤولية الدستورية التي توجب على النواب انتخاب رئيس للجمهورية وتلغي مكوناً أساسياً من مكونات الوطن، وهو المسيحي؟
هل عطّل 14 آذار مجلس النواب إذا حصل الفراغ؟
وبالتوازي مع الانشغال في الاستحقاق الرئاسي، فُتحت منذ اليوم معركة التشريع في مجلس النواب في حال حصول فراغ في رئاسة الجمهورية، وبحسب مصادر نيابية فإن قوى 14 آذار تتجه لتعطيل عمل مجلس النواب من خلال الامتناع عن المشاركة في الجلسات التشريعية، في خطوة جديدة ـ إذا ما تحقّقت ـ ستؤدي إلى تعطيل عمل المؤسسة الأم في البلاد، وبالتالي تعطيل قضايا اللبنانيين وكثير من المشاريع التي تهم غالبية الناس.
ووفق معلومات المصادر فإن فريق 14 آذار ينطلق من مسوّغات غير مقنعة، منها اعتبار «القوات» والكتائب عدم جواز التشريع من دون وجود رأس الدولة أو لأسباب ميثاقية كما تسرّب بعض أوساط «المستقبل». أضافت المصادر أنه من العبث تعطيل عمل مجلس النواب إذا استحال انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً أن الحكومة تتولى في هذه الحالة إدارة شؤون البلاد.
«إسرائيل» تخرق الخط الأزرق في الناقورة
على صعيد آخر، أقدمت قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في تطور لافت وخطير تمثّل بخرق جديد للخط الأزرق عند بلدة الناقورة، عندما عمدت إلى عبور هذا الخط إلى داخل الأراضي اللبنانية، وقامت بقطع عشرات الأشجار وتشحيلها، وذلك بعد خروقات مماثلة قامت بها قبل أيام عند نبع الوزاني وعند بئر شعيب في بلدة بليدا.
ويتوقع أن يبحث رئيس مجلس النواب نبيه بري اليوم هذا الخرق مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي ويبلغه رفض لبنان استمرار هذه الخروقات وضرورة قيام الأمم المتحدة بدورها في منعها.