المحكمة الدولية وخطة لاستفراد «الأخبار» مزحة الحريري عن التمديد
كتب المحرر السياسي
رغم الثقة بعدم جديتها وعدم قابليتها للتداول كأطروحة قابلة للتحقق، تداول الوسط المعني بالاستحقاق الرئاسي المزحة التي نُسبت إلى رئيس «المستقبل» سعد الحريري، عن عدم الممانعة بالتمديد للرئيس المنتهية ولايته قريباً العماد ميشال سليمان، وهو ما نفاه الحريري سريعاً، كما تداولت الأوساط المعنية بالاستحقاق مكوكية نشاط ممثل الأمم المتحدة، وما نُقل عنه من سعي إلى عقد جلسة انتخابية بلا شروط مسبقة، بعد سحب ترشيح كلّ من المرشح رئيس القوات سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر العماد ميشال عون، وهو طرح يعلم أصحابه أنه إبراء ذمة من المسؤولية عن الفراغ القادم بفعل التعقيدات التي تمنع التفاهمات الإقليمية أو الدولية الضرورية لنجاح توافق رئاسي في بلد حساس كلبنان، يؤثر بخياراته على خريطة التوازنات التي تهتمّ لها كلّ الدول الكبرى، وكان جلياً للمتابعين من يوم الانهماك الدولي بتسريع تشكيل الحكومة الجامعة وتذليل العقبات من طريقها، أنّ الخارج المعني بلبنان يتهيأ للفراغ الرئاسي.
في هذا اليقين من قدوم الفراغ تلقى المعنيون حدثين يدقان الباب سريعاً، الأول سلسلة الرتب والرواتب التي يضع المجلس النيابي يده عليها من بوابة التقرير الذي أعدته اللجنة النيابية تعديلاً لتقرير لجنة المال والموازنة، والمرفوض من هيئة التنسيق النقابية، والمتوقع كما قالت مصادر نيابية ووزارية معنية ومطلعة، أن تدور على أساسه السلسلة لساعات بين مطرقة التنحيف الذي صار ممراً لا مفرّ منه بحثاً عن توافق الحدّ الأدنى لإنقاذها، ولو رفضها أهلها في النقابات فتصير مكسباً يتواصل النضال من بعده، وبين سندان التطيير الذي يعمل لبلوغه الرافضون للسلسلة، خصوصاً القوى المالية التي تريد التنصل من تحمّل موجباتها في التمويل، وعلى رأسها جمعية المصارف والشركات العقارية.
الحدث الثاني أخطر وهو ما ينتظر قضية قناة «الجديد» وجريدة «الأخبار» مع المحكمة الدولية، وهي قضية تتفرّع في زواريب بلا أضواء تسرّبت معها معلومات عن خطة استفراد توضع لعزل «الأخبار»، وإيجاد مخرج لإخراج «الجديد» من القضية، بعدما بدا أنّ المحكمة ستقع أمام محكمة أشدّ منها فعلاً وأثراً هي محكمة الرأي العام الذي انتفض على خطوة المحكمة المستهجنة والعدوانية على الإعلام، فاقتضت الاستعانة بصديق لتفكيك الأفخاخ والخروج منها بأمان من دون فقدان الوظيفة التأديبية والردعية للإعلام، تجاه مهمة المحكمة التي ستزداد نشاطاً خارج الأصول والقانون، كلما اقتربت ساعاتها الأكثر جدية، والصديق هنا
هو الوزير السابق والنائب مروان حمادة الذي اقترح فك الارتباط بين قضيتي «الجديد» و«الأخبار»، واختيار الحلقة الأضعف برأيه ميداناً للمواجهة، خصوصاً أنّ قراراً بعدم المثول لم يصدر عن شبكة أمان تحمي الإعلام لرفض الانصياع لدعوة المحكمة، فكان المسعى على لسان حمادة وعبر رئيس الجمهورية بالدعوة إلى التريّث في قضية «الجديد» وإيجاد فوارق قانونية في الملفين تولى التمهيد لها حمادة في تصريح له أمام عدسات الكاميرات، عن أنّ القضيتين مختلفتان، وأن قناة «الجديد» ليست موضعاً للمطالبة فهي لم تنشر الأسماء كاملة ولم تبث الصور واضحة، وعندما تحدث حمادة بلغة الخبير القضائي بانت القطبة المخفية.
استحقاقات داخلية داهمة
في ظل هذه الأجواء، يشهد هذا الأسبوع اعتباراً من اليوم ثلاثة استحقاقات كبيرة، الأول يتمثّل ببدء المحكمة الدولية اليوم محاكمة الحقيقة وحرية الإعلام والتعبير من خلال مثول قناة «الجديد» ممثلة بنائب مدير إدارة «الجديد» كرمى خياط وإعلان جريدة «الأخبار» أن رئيس تحريرها ابراهيم الأمين لن يحضر الجلسة. ويوم غد بالجلسة التشريعية العامة التي ستبحث ملف سلسلة الرتب والرواتب بالتوازي مع تصعيد نقابي غير مسبوق تنفذه هيئة التنسيق بإضراب عام وتظاهرة حاشدة. ويوم الخميس جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس للجمهورية وسط معطيات لا تؤشر إلى حصول أي جديد في هذه الجلسة، بل سيتكرر مشهد عدم اكتمال النصاب ما سيفتح الباب واسعاً أمام حصول الفراغ في رئاسة الجمهورية.
خرق مزدوج للاحتلال «الإسرائيلي»
ووسط هذه الاستحقاقات، شهدت منطقة الناقورة خرقاً مزدوجاً هو الأخطر منذ فترة طويلة، تقوم به قوات الاحتلال «الإسرائيلي» في اعتداء مبرمج على لبنان، بينما الصمت يلف فريق 14 آذار الذي يدّعي الدفاع عن سيادة لبنان واستقلاله.
فقد أقدمت قوات الاحتلال على خرق بحري وبري مزدوج في الناقورة، تمثّل الأول بخرق بحريّة الاحتلال لخط الحدود المائي في رأس الناقورة من خلال تبديل مواقع الطفافات الطائشة التي تعتبر نقطة اعتلام للخط المائي ودفعتها لأكثر من 20 متراً باتجاه المياه اللبنانية، وقد تحرك الجيش اللبناني بسرعة لمجابهة هذا الخرق حيث أرسل أحد زوارقه البحرية باتجاه المنطقة التي يعمل فيها جنود العدو. ومع اقتراب الزوارق من القوة البحرية الصهيونية سارعت الأخيرة إلى الابتعاد عن المنطقة.
كما ارتكبت قوات الاحتلال خرقاً برياً آخر في منطقة رأس الناقورة، عندما أقدمت آلية بوكلين معادية بعملية تجريف داخل الأراضي اللبنانية بعمق أربعة أمتار وبطول 200 متر وعمدت إلى اقتلاع الأشجار بالقرب من السياج الشائك.
وفيما أكد رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقائه الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ديريك بلامبلي أن تصعيد «إسرائيل» يهدد عمل اللجنة الثلاثية ومهمّة اليونيفيل، دان رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الخرق «الإسرائيلي» وطلب من وزير الخارجية جبران باسيل تقديم شكوى إلى مجلس الأمن ضد هذا الاعتداء «الإسرائيلي».
وقد دعا الرئيس بري لبنان إلى تجميد مشاركته في اجتماعات اللجنة الثلاثية لعدم جدواها في ردع «إسرائيل» عن هذه الأعمال العدوانية.
قرصنة المحكمة الدولية ضد «الأخبار» و«الجديد»
في هذا الوقت، تبدأ المحكمة الدولية اليوم، وفي خطوة خطيرة محاكمة جريدة «الأخبار» ممثّلة برئيس تحريرها ابراهيم الأمين وقناة «الجديد» ممثلة بنائب رئيس مجلس الإدارة كرمى خياط بحجة تحقير المحكمة ونشر لوائح شهود سريين ما يطرح علامات استفهام جديدة حول دور المحكمة والمهمة التي شكلت من أجلها، وهل أنها تفتش حقيقة عن قتلة الرئيس رفيق الحريري، أم أنها تمارس الدور الذي يخدم السياسة الأميركية والصهيونية في لبنان، من خلال استخدامها منذ إنشائها كورقة ابتزاز ضد المقاومة وقبل ذلك ضد سورية، واليوم ضد حرية الإعلام وما تقوم به من محاولات لكشف حقيقة الدور المغلوط الذي تلعبه هذه المحكمة المشكوك بها.
الأمين لن يحضر وخياط في لاهاي
وفيما تحضر الخياط أمام المحكمة في لاهاي بعد أن قررت محطة «الجديد» مواجهة هذه المحكمة في عقر دارها، أعلنت «الأخبار» أن رئيس تحريرها إبراهيم الأمين لن يمثل أمام المحكمة اليوم لعدم ردّها إلى طلب الأمين بتأجيل الجلسة. وحملت المحكمة المسؤولية الكاملة عن أي ضرر جسدي أو معنوي يصيب أياً من العاملين في المؤسسة، ولوحظ أن الوكالة الوطنية للإعلام تجاهلت بيان «الأخبار» ولم تنشره.
وبالتزامن مع انعقاد المحكمة، ينفذ في نقابة الصحافة منذ العاشرة والنصف ـ حيث ستمثل الزميلة خياط ـ اعتصام وطني وإعلامي حاشد ستشارك فيه عشرات الشخصيات السياسية والإعلامية، ومن المجتمع المدني رفضاً لسلوك المحكمة الدولية الساعي لقمع الحريات والإعلام في لبنان، وتضامناً مع «الجديد» و«الأخبار» خصوصاً ومع الحريات الإعلامية وحرية التعبير عموماً.
ملف السلسلة بين الإقرار والتصعيد
في شأن آخر، يدخل ملف سلسلة الرتب والرواتب في «عنق الزجاجة» مع انعقاد الجلسة التشريعية يوم غد وسط استمرار التباينات بين اللجنة النيابية الممثلة بشكل خاص بالكتل النيابية التابعة لفريق 14 آذار وبين وزارة المال وكتلتي التحرير والتنمية والوفاء للمقاومة حول بنود أساسية تضمنتها السلسلة، وفي الدرجة الأولى ما يتعلق بالتخفيضات التي أدخلتها اللجنة النيابية على رواتب المعلمين ودرجاتهم وعلى رواتب العسكريين، ما يشير إلى أن الغموض ما زال يلف مصير السلسلة والحقوق التي يمكن أن تقرها الجلسة العامة، وكل ذلك في ظل تهديد هيئة التنسيق النقابية بالذهاب نحو الإضراب المفتوح ومقاطعة الامتحانات الرسمية إذا ما جرى الأخذ بالتقرير الذي كانت وضعته اللجنة النيابية، على أن يشهد يوم غد، أي في اليوم نفسه لانعقاد الجلسة التشريعية إضراب عام شامل في القطاعين التربويين الرسمي والخاص والإدارات الرسمية، مع تظاهرة مركزية حاشدة من أمام مقر جمعية المصارف إلى ساحة النجمة واعتصامات في المناطق.
اجتماع الخليل واللجنة النيابية
وفي إطار المحاولات لردم الهوة بين ما تضمنه تقرير اللجنة النيابية وموقف وزارة المال، عقد أمس اجتماع بين وزير المال علي حسن خليل والنواب جورج عدوان وغازي يوسف وجمال الجراح، وأكد الوزير خليل الحرص على إقرار السلسلة بما يلبّي الحقوق وتحافظ على التوازن المالي والاستقرار، لكنه أشار بوضوح إلى استمرار الخلاف مع اللجنة النيابية حول بعض الحقوق.
وعلمت «البناء» من مصادر مطلعة ان الاجتماع الذي جرى بين الوزير خليل واللجنة النيابية تناول بشكل رئيسي وعلى مدى ثلاث ساعات موضوع الإيرادات لتأمين السلسلة ومناقشة بنودها، وخلص إلى تأكيدات مبدئية:
ـ وجوب إقرار السلسلة في جلسة الأربعاء حتى ولو امتدت لآخر الليل تفادياً لحصول مضاعفات سلبية في الشارع.
ـ إبقاء كلفة السلسلة قريبة من ألف و800 مليار، مع الأخذ في الاعتبار إجراء بعض التعديلات في الزيادات وتحديداً بالنسبة للمعلمين وإعطائهم الدرجات الست أو أقل.
ـ تبقى الزيادات بالنسبة للعسكريين وفق تقرير اللجنة النيابية.
ـ لا مفعول رجعياً للسلسلة.
تحضيرات نقابية ليوم الغضب
وبالتوازي مع هذا الحَراك النيابي والحكومي تحضيراً للجلسة التشريعية رفعت هيئة التنسيق النقابية من تحركها التصعيدي رفضاً لمشروع السلسلة كما جاء في تقرير اللجنة النيابية أو اللجان المشتركة، ونفذت اعتصاماً حاشداً أمس أمام وزارة الشؤون الاجتماعية وفي بعض المناطق. وأكد رئيس الهيئة حنا غريب أن الهيئة ستربح المعركة على رغم التخويف والتهويل. وقال لا تنازل عن زيادة الـ 121 في المئة. ومن جهته، أكد رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر أن يوم غد هو يوم الامتحان الكبير، مؤكداً المضي في الإضراب المفتوح إذا لم يؤخذ بكل الحقوق.
تساؤلات حول عودة نغمة التمديد
أما في شأن الاستحقاق الرئاسي، فلا مؤشرات جديدة توحي بإمكان حصول تغيير في الجلسة النيابية المخصصة يوم بعد غد الخميس لانتخاب رئيس للجمهورية، حيث من المؤكد أن الجلسة ستطير كسابقاتها لعدم اكتمال النصاب، لكن اللافت أمس ما نقل من أن نادر الحريري مدير مكتب رئيس تيار «المستقبل» نقل للبطريرك الراعي أن سعد الحريري لا يمانع في استمرار الرئيس ميشال سليمان في سدة الرئاسة بعد 25 أيار في حال لم يتم انتخاب رئيس جديد». وهو الأمر الذي لمّح إليه رئيس حزب الكتائب أمين الجميل بصورة غير مباشرة عندما أجاب رداً على سؤال حول إمكان بقاء سليمان في موقعه، فقال: «مهمتنا منع الفراغ وغبطته في هذا التوجه».
لكن قناة «الجديد» نقلت مساء أمس عن مصادر سعد الحريري نفيه أن يكون قد أبلغ الراعي أنه مع التمديد لسليمان».
إذاً فعشية جلسة الخميس، أخذت ملامح خطة تجاوز المهلة الدستورية من دون انتخاب رئيس الجمهورية تتكشّف أكثر فأكثر وفق سيناريو تعمل عليه دوائر خارجية بتنسيق مع جهات داخلية. وقد اتضح ذلك في اليومين الماضيين من خلال المواقف والتسريبات الإعلامية حول الحديث مرة أخرى عن محاولة التمديد للرئيس ميشال سليمان بحجة تفادي الشغور الرئاسي والكلام عما يسمى استمرار مهامه بعد 25 أيار الجاري، وكل ذلك يصب في إطار رمي الكرة إلى الآخرين، بينما الحقيقة هو تأخير هذا الاستحقاق والرهان على الوقت قبل حسم الأمور في شأنه.
مناورة «المستقبل»
إذاً، فهذا السيناريو يتضح من تصريحات صادرة عن تيار «المستقبل» أو ما نسب من معلومات حول إبلاغ نادر الحريري البطريرك الراعي أمس بأن سعد الحريري لا يمانع في استمرار سليمان بمهامه بعد المهلة الدستورية.
وفي هذا الصدد، قالت مصادر بارزة لـ«البناء» إنه إذا صح مثل هذا الكلام، فإن الحريري يطلق مناورة سياسية أولاً لاسترضاء بكركي والمسيحيين. وثانياً لرمي الكرة على الطرف الآخر، مع العلم انه يدرك استحالة حصول أي تعديل دستوري لصالح التمديد مهما قصرت الفترة الممددة.
وبالنسبة للتطورات في شأن الاستحقاق الرئاسي أيضاً، فإنه لم يسجل في الساعات الماضية أي جديد ما يعني أن جلسة الخميس المقبل لن تكون مختلفة عن الأسبوع الماضي، وبالتالي سيبقى موضوع انتخاب رئيس الجمهورية يراوح مكانه.