تركيا والساعة الصفر في شمال سورية…هل نحن على اعتاب حرب إقليمية؟
هشام الهبيشان
تزامناً مع استمرار تصاعد حدة القتال شمال غربي سورية «ادلب» بين المنظمات الرديكالية المدعومة من الجانب التركي الحدودي وبين مقاتلي الجيش العربي السوري، أعلن في شكل مفاجئ من أنقرة عن تأجيل برنامج تدريب «المعارضة السورية المعتدلة» وهذا الخبر جاء بعد أيام من صدور خبر أعلنت من خلاله كل من وزراتي الخارجية الاميركية والتركية، البدء بوضع اللمسات الأخيرة لمشروع تدريب المعارضة السورية في معسكرات خاصة بتركيا، وهنا لن نخوض بتفاصيل ومعطيات وحقائق واهداف هذا التأجيل من قبل واشنطن وليس من قبل أنقرة وسنترك الحديث بمجمل هذا الموضوع للقادم من الأيام للأستيضاح عن بعض الحقائق والخفايا لما يدور خلف الكواليس في شأن موضوع «تدريب المعارضة السورية المعتدلة» حسب تصنيف واشنطن وحلفائها لها.
بالتحديد سيكون محور حديثنا هنا عن التدخل العلني التركي بدعم المجاميع الرديكالية بشمال وشمال غربي وشمال شرقي سورية، ومن هنا نستطيع أن نقرأ بوضوح وخصوصاً بعد معارك محافظة أدلب الأخيرة أن القوى الاقليمية والدولية وخصوصاً تركيا، قد عادت من جديد لتمارس دورها في اعادة صياغة ورسم ملامح جديده لأهدافها واستراتيجياتها المستقبلية بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية بكل اركانها، وما هذا التطور إلا جزء من فصول سابقة، عملت عليها الاستخبارات التركية منذ سنوات عدة، فهي عملت على أنشاء وتغذية وتنظيم صفوف المجاميع المسلحة الرديكالية المعارضة للدولة السورية وخصوصاً بشمال وشمال غربي وشمال شرقي سورية، وقد كانت الحدود التركية المحاذية للحدود السورية شمالاً، هي المنفذ الوحيد لمقاتلي هذه المجاميع، فهذه الحدود المحاذية للحدود السورية كانت وما زالت المنفذ الأكبر لتجميع وتنظيم صفوف هذه المجاميع المسلحة على اختلاف مسمياتها في سورية، وكل ذلك كان يتم بدعم استخباراتي ولوجستي أميركي – تركي.
ما وراء الكواليس لما يجري في أنقرة يظهر ان هناك مشروعاً تركياً قيد البحث يستهدف القيام بدعم المجاميع الرديكالية المسلحة بسورية للدفع بها اتجاه الأراضي السورية شمالاً وبحجج واهية، وهذه الحجج حسب مراقبين تدخل ضمن إطار الدخول المحتمل للجيش التركي الى الاراضي السورية، وإقامة مناطق عازلة ومناطق حظر جوي بأقصى الشمال السوري، وكل هذا سيتم بحجج إعادة اللاجئين السوريين الى وطنهم وتوفير مناطق آمنة لهم، وهذا ما يتم بحثه الآن بأروقة صنع القرار الاميركي أيضاً، ومن المحتمل أن توافق الإداره الاميركية وتحت ضغط الخليجيين، وتحت ضغط جمهوريي الكونغرس رغم «لاءات» أوباما المتكررة، الرافضة للمشروع التركي بأقصى شمال سورية وبعض الأجزاء الشمالية الشرقيه من سورية، ومن المتوقع ان تمنح واشنطن أنقرة وحلفاءها هامشاً من المناورة وستطلق أيديهم ان أستطاعوا لتجهيز الأرضية العسكرية والسياسية لإقامة مناطق عازلة ومناطق حظر جوي بأقصى الشمال السوري، وكل هذا متوقع دراسته بواشنطن بالنصف الثاني من هذا العام.
من الواضح ان موقف أنقرة الساعي لإقامة مناطق عازلة بشمال وشمال غربي سورية، يدعمها ويلتقي معها بهذا الطرح الكثير من الدول الخليجية إضافةً الى فرنسا، ومع زيادة مسار ضغوط بعض ساسة وجنرالات واشنطن «الجمهوريين والمقربين منهم» على أوباما للموافقة على طرح ونقاش هذا الطرح التركي، قد يجد اوباما نفسه بمرحلة ما مضطراً للانسياق وراء المشروع التركي لإرضاء بعض خصومه داخل الكونغرس وبعض حلفائه العرب الخليجيين.
من الواضح مؤخراً أن تركيا بدأت تناور مجدداً بورقة الشمال السوري، وخصوصاً بعد تقدم المجاميع الرديكالية المسلحة المدعومة من تركيا بمناطق واسعة من محافظة أدلب، وتسعى كذلك أنقرة الى تكرار سيناريو أدلب نفسه بحلب وحماة وحمص واللاذقية.
بالمحصلة لقد أعطى التقدم الاخير للمنظمات الرديكالية بشمال غربي سورية فرصة ثمينة لأنقرة لإعادة احياء دورها ومشروعها بالمنطقة، ومن هنا نقرأ بوضوح مدى ارتباط هذه المجاميع الرديكالية العابرة للقارات مع الجانب التركي الذي أصبح ممراً ومقراً لهذه المجاميع، وهذا ما يظهر في شكل واضح أرتباط الأجندات التركية بالمنطقة مع أجندات هذه المنظمات الرديكالية المدعومة هي الأخرى من دول وكيانات ومنظمات هدفها الأول والأخير هو تفتيت وتجزئة المجزأ بالوطن العربي خدمة للمشروع المستقبلي الصهيو اميركي بالمنطقة، وهو ما يظهر حقيقة التفاهم المشترك لكل هذه المنظمات وبين هذه الدول والكيانات لرؤية كل طرف منها للواقع المستقبلي للمنطقة العربية، وخصوصاً للحالة السورية والعراقية، وبالأخص للحرب «الغامضة» التي تدعي أميركا وبعض حلفائها بالمنطقة أنهم يقومون بها لضرب تمدد تنظيم الدولة «داعش» الرديكالي.
هنا وبشق آخر يبدو واضحاً ان هذا المسعى التركي المدعوم بأجندة اقليمية ودولية لإقامة مناطق عازلة بشمال وشمال غربي وشمال شرقي سورية، سيصتدم بمجموعة «لاءات» روسية ايرانية، فهذا المسعى يحتاج الى قرار أممي لتمريره والفيتو الروسي الصيني حاضر دائماً، إضافة الى «لاءات» إيران المعارضة لأي تدخل خارجي بسورية تحت أي عناوين، وهذا ما أكد عليه رئيس الشؤون الخارجية في البرلمان الإيراني علاء الدين بروجوردي خلال زيارته مؤخراً دمشق، وعلينا هنا ان لا ننسى ان الجمهورية العربية السورية وعلى رغم خسارتها لجزء كبير من الجولة الاخيرة بمحافظة أدلب، إلا أنها وللآن ما زالت بما تملكه من قدرات عسكرية قادرة على اسقاط أي مشروع علني لتدخل خارجي مباشر أو غير مباشر بسورية.
ختاماً، نقرأ أن أنقرة بعثت بكل رسائلها لكل الاطراف وخصوصاً للدولة السورية ولإيران، بأن ساعة الصفر للتدخل العلني بسورية قد اقتربت، وأن الاميركيين والفرنسيين وبعض العرب سوف يوفرون لهم المظلة الشرعية والعسكرية لكل ذلك، وهذا ما ترفضه في شكل قاطع كل من روسيا وايران، وحتى مصر المحايدة بالأزمة السورية نوعاً ما، وهذا ما قد يحتم على الدولة السورية وبدعم من حلفائها بالقادم من الأيام للرد المباشر على الدولة التركيه ان اقتربت من الخطوط الحمر بالشمال السوري وبحلب تحديداً، ومن هنا فإن المرحلة المقبلة تحمل العديد من التكهنات والتساؤلات حول تطور الاحداث على الجبهة الشمالية السورية، التي أصبحت ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات، والأسابيع الخمسة المقبلة على الارجح سوف تحمل المزيد من الاحداث المتوقعة وغير المتوقعة ميدانياً وعسكرياً على هذه الجبهة تحديداً.
كاتب وناشط سياسي – الاردن
hesham.awamleh yahoo.com