تحت وقع حرب الاستنزاف وغزوة ادلب وسقوط تدمر… هل تصمد سورية؟
هشام الهبيشان
مع استمرار فصول غزوات القوى الراديكالية المدعومة بأجندة إقليمية ودولية للأراضي السورية، يبدو واضحاً في هذه المرحلة تحديداً، أن مسار الحلول السياسية حتى الآن ما زال مغلقاً في ما يخص الحرب المفروضة على الدولة السورية، وهنا لنعترف جميعاً أنّ استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها على الدولة السورية بدأت تفرض واقعاً جديداً وإيقاعاً جديداًَ لطريقة عملها ومخطط سيرها، فلا مجال هنا للحديث عن الحلول السياسية، فما يجري الآن على الأرض السورية ما هو إلا حرب استنزاف لسورية ودور سورية بالمنطقة وقوة سورية الاقتصادية والعسكرية والإقليمية وتضارب مصالحها القومية مع تحالف التآمر على سورية «أميركا و«إسرائيل» وفرنسا ووكلاؤها من العرب والمتأسلمين الجدد» وحلف تآمري بدا بما يقارب نصف دول العالم».
فهنا يبدو واضحاً وتزامناً مع استمرار تقدم المجاميع الراديكالية في إدلب وتدمر، مدى وحجم الحرب التي تخوضها هذه التنظيمات الراديكالية بالوكالة عن بعض القوى الإقليمية والدولية على الأرض السورية، فهناك حقائق موثقة بهذه المرحلة تحديداً تقول إن الدولة السورية بكل أركانها تعصف بها بهذه المرحلة عاصفة إرهابية دموية هوجاء، وهذه الحقائق نفسها تقول إن هناك اليوم ما بين 22 و18 إلف مسلح راديكالي غربي وشرق آسيوي وشمال أفريقي، ومن نجد والحجاز وغيرهما من البلدان والمنظمات المتطرفة، بشكل كيانات مستقلة «داعش» أو «النصرة» أو صفوف ما يسمى بـ«قوات المعارضة السورية» وهدفها الرئيسي هو استنزاف قدرات الجيش العربي السوري، وهؤلاء أنفسهم هم عبارة عن مجموعة أدوات ولدت من رحم أجهزة مخابرات واستخبارات غربية وعربية وإقليمية، إضافة لكل هذا فهناك اليوم ما بين 78 و86 دولة ما زالت إلى الآن تصدر إلى سورية مجموعات هائلة من مواطنيها الراديكاليين أصحاب الفكر المتطرف ليتخلصوا منهم.
وهذه الحقائق نفسها تقول إن هناك اليوم ما بين 76 و85 ألف مسلح سوري يقاتلون الجيش العربي السوري، وهؤلاء بمعظمهم هم عبارة عن أدوات في أيدي أجهزة مخابرات واستخبارات الدول الشريكة بهذه الحرب على الدولة السورية، وإن هناك ما بين 20 و18 جهازاً استخباراتياً غربياً وعربياً وإقليمياً يعمل اليوم داخل الجغرافيا السورية.
أدوات الحرب المذكورة أعلاه ما زالت تعمل بكفاءة وتقود حرب بالوكالة بسورية نيابة عن أعداء سورية بفاعلية عالية، وهنا يجدر التنبيه إلى أن هذه الأدوات كادت في فترة ما أن تنجح بأن تسقط الدولة السورية ككل بالفوضى العارمة، لولا يقظة الدولة السورية منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب على سورية، ولكن للأسف في تلك الفترة وإلى الآن برزت إلى الواجهة فئات من أبناء الشعب السوري استغلت هذا الظرف الصعب من عمر الدولة السورية والتقت أهدافهم وحقدهم وكراهيتهم مع أهداف وحقد وكراهية أعداء سورية لتدميرها وتخريبها ونشر فكر الإرهاب والقتل والتدمير بسورية.
اليوم يمكن القول إنه وعلى رغم اشتداد فصول الحرب غير المباشرة على الدولة السورية وبعد مضي أربعة أعوام من التدمير الممنهج والخراب والقتل والتهجير، ومع هذا صمدت سورية الوطن والإنسان، ومع استمرار فصول الصمود السوري أمام موجات الزحف المسلح إلى العاصمة دمشق ومدينة حلب وانكسار معظم هذه الموجات على مشارف دمشق وحلب، ومع عجز الدول الشريكة بالحرب على الدولة السورية عن إحراز أي اختراق يهيئ لإسقاط الدولة السورية، على رغم كل ما جرى في إدلب وتدمر أخيراً، وهذا بدوره دفع الدول الشريكة في الحرب على الدولة السورية إلى الانتقال إلى حرب الاستنزاف لكل موارد وقطاعات الدولة السورية بمحاولة أخيرة لإسقاطها.
ومن هنا، فمن الطبيعي أن نجد الآن كما هائلاً من المسلحين العابرين للقارات والمدججين بالسلاح قد أدخلوا لسورية في الآونة الأخيرة، والبعض منهم ينتظر دوره بدخول معسكرات تركيا «أورفا – العثمانية – كرمان -غازي عنتاب»، والهدف من هذا التوريد المستمر للقوى الرديكالية داخل سورية والعابر للقارات باتجاه سورية، هو ضرب منظومة الصمود السورية، وضرب المنظومة العقائدية للجيش العربي السوري واستنزاف قدراته اللوجيستية والبشرية كهدف تتبعه أهداف أخرى في المنظومة الاستراتيجية للمؤامرة الكبرى على سورية، لأن تفكيك الدولة السورية وجيشها الوطني هو الشرط الأساس لاستكمال تفكيك الأرض والمجتمع.
اليوم وعلى رغم صعوبة المعركة تزامناً مع تكالب والتقاء أهداف ورهانات وأجندة قوى إقليمية ودولية بحربها على سورية، ومع كل هذا وذاك فما زالت الدولة السورية بكل أركانها وعلى رغم حرب الاستنزاف التي تستهدفها، قادرة على أن تبرهن للجميع أنها إلى الآن ما زالت قادرة على الصمود، والدليل على ذلك قوة وحجم التضحيات والانتصارات التي يقدمها الجيش العربي السوري بعقيدته الوطنية والقومية الجامعة، والتي انعكست أخيراً بظهور حالة واسعة من التشرذم لما يسمى بقوى المعارضة المسلحة الراديكالية بمناطق عدة منها «القلمون» ما انعكس على تشظيها، ومن هنا نقرأ أن حالة التشرذم لهذه المجاميع المسلحة، والتي تقابلها حالة صمود وصعود دراماتيكي لقوة الجيش العربي السوري على الأرض، فهذا التطور اللافت إن استمر من شأنه أن يضعف الجبهة الدولية الساعية إلى إسقاط الدولة السورية بكل الوسائل والسبل.
ومع استمرار انتفاضة الجيش العربي السوري الأخيرة في وجه كل البؤر المسلحة بالقلمون، والتي من المتوقع أن تنتقل هذه الانتفاضة خلال أيام معدودة وفق زخمها وكثافتها التي تجري بالقلمون إلى شمال سورية وتحديداً إلى محافظة إدلب وريف حلب الشمالي، فهذه الانتفاضة المتوقعة شمالاً بدورها ستشكل حالة واسعة من الإحباط والتذمر عند الشركاء بهذه الحرب المفروضة على الدولة السورية، ما سيخلط أوراقهم وحساباتهم لحجم المعركة من جديد، ومن هنا نستطيع أن نقرأ أن هذه الحرب على الدولة السورية ومع تبدل أدوارها وخططها المرسومة، بعد انهيار الكثير من خططها، وآخر هذه الخطط والتي ما زالت حتى الآن تعمل بفاعلية نوعاً ما على الأرض السورية وهي «حرب الاستنزاف»، ومن هنا إن استطاعت الدولة السورية أن تصمد وبقوة كما صمدت أمام خطط سابقة أمام «حرب الاستنزاف»، فهي ستستطيع أن تحسم المعركة بفترة زمنية متوسطة الأجل، والسبب أن خطة ومنهجية حرب الاستنزاف التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها في سورية لها أمد معين وستنتهي بانتهاء مدة صلاحيتها، ومن هنا ستكون الدولة السورية بحال استمرار صمودها أمام آخر الخطط بالحرب غير المباشرة عليها، وستكون قد أعلنت حسمها باكراً لهذه الحرب المفروضة عليها.
اختتاماً، على الدولة السورية اليوم وبكل أركانها، وتحديداً سلطتها السياسية أن تعمل على تمتين الجبهة الداخلية أكثر وأكثر، وحتى وإن كان ذلك على حساب تنازلات مجتمعية «مصالحات وطنية كبرى» عقلانية تقوم بها الدولة السورية، للتخفيف من وطأة هذه الغزوة الأخيرة، وإن نجحت الدولة السورية بذلك واستطاعت بناء تحالفات جديدة مع قوى مجتمعية سورية كبرى بالداخل السوري من خلال تنازلات عقلانية ومهيكلة تقدم لهذه القوى، فهي ستكون بلا شك قد قطعت شوطاً كبيراً من إنجاز مشروع الانتصار الأكبر على حلف دولي كان وما زال يطمح للوصول إلى هدف إسقاط الدولة العربية السورية بكل أركانها.