رسائل الجولاني من مقرّ عمليات الإرهاب… إلى الأصحاب
د. سليم حربا
سبعون عاماً على قصف المستعمر الفرنسي البرلمان السوري واستشهاد حاميته دفاعاً عن راية وقيم ووحدة سورية وحتى الآن ما زالت روائح البارود والحقد والدخان الفرنسي تزكم أنوف التاريخ من البرلمان إلى الحريقة ومن دمشق إلى بيروت.
وما زال القانون الدولي مختطفاً ومكبّلاً تحت أقدام تمثال الحرية في واشنطن وفي زنزانات الأمم المتحدة ومجلس أمنها، الذي يحشو مدافع جهنم «داعش» و«جبهة النصرة» بالبارود الفرنسي العثماني الوهابي الصهيوني نفسه لتقصف وتدمّر تدمر وإدلب وجسر الشغور وأريحا، ويسقط الشهداء دفاعاً عن الراية والقيم نفسها، وها هو فابيوس وهولاند ينفثان السم والدخان نفسهما، وها هو لورانس ما يسمى الربيع العربي الإرهابي أبو محمد الجولاني ممثلاً غير حصري لابن تيمية وبن لادن والظواهري ومتخفياً بقناع على قناة ومحطة تنظيم القاعدة التي كانت ولا تزال غرفة عمليات مركبة للإرهاب ومتزعميه وقادته وإعلامييه ومحلليه ومروجيه واتجاهاته المتلاقية مع كيان العدو والمتعاكسة مع العروبة والإسلام والمسيحية والإنسانية والتي تستحق بحق ليس جائزة نوبل للسلام بل جائزة «داعش» للقتل.
يكشف الجولاني القناع ويقدم أوراق اعتماده ويعلنها تحالفاً عضوياً مع أميركا وكيان العدو، ليأخذ تأشيرة مرور إلى قلب أوباما ونتنياهو بمناوشة «داعش» ومحاربة الدولة السورية والمقاومة، وينشر تفاصيل العقد مع مشيخات البترودولار كشهود العيان وتسقط الأقنعة وأوراق التوت الملوثة ليعلقها أردوغان نياشين على صدره وجبينه، وتتكرم أبجدية القتل وحروف علتها بحل الخلاف بين السعودية أم «داعش» وبين تركيا أبو «الإخونجية» وأم «جبهة النصرة» حول ما يسمى جيش الفاتح أم جيش الفتح ليتحوّل بلوغاريتم أميركي صهيوني إلى جيش القُبح وقطيع القتل للشعب السوري وتنعق وتنهق قنواته وتطلق التهديد والتهويل والوعيد من الجنوب والشمال والشرق وتحاول هزيمتنا النفسية والمعنوية لأنها عجزت عن هزيمتنا الميدانية.
نعم ما حصل في تدمر وإدلب وجسر الشغور وأريحا أخيراً عندما ترجمت مرتزقة «النصرة» عقد الاتفاق الأردوغاني السعودي ودفعت آلاف القطعان وخلقت تفوق كبير بالأعداد والعتاد ما اضطر قواتنا المحدودة في أريحا إلى المناورة إلى مشارف أريحا الغربية والجنوبية الغربية لكي لا تقع في التطويق وتفقد خطوط إمدادها، هو مزعج ومؤلم وقد يكون خسارة جولة في نزال وحرب المصير التي ما زلنا نمسك مفاتيح خواتيمها الاستراتيجية وبابها العريض في القلمون الذي فتح باب جهنم على الإرهاب وداعميه وهذه هي طبيعة الحروب في الميادين العسكرية كرّ وفرّ وخسارة وربح، وحتى طبيعة الحروب بين الحق والباطل، فللباطل جولة وللحق جولات وصولات. وفي الميدان السوري، الكثير من المتغيرات لكن الثابت الوحيد هو أن المعركة مستمرة وأننا لم ولن نخسر الحرب وأن بلداً كسورية حوّل عشرات الغزوات البربرية إلى مزابل التاريخ من العثمانيين إلى الفرنسيين والبريطانيين والصهاينة والوهابية، هذا الوطن السوري لا يخاف ولا يهن ولا يُهزم وشعاره دائماً هيهات منّا الهزيمة، نعم نحن نخوض الحرب الوطنية العظمى بل الإنسانية العظمى متسلحين باستراتيجية القتال في مواجهة استراتيجية القتل وقيمة الشهادة في مواجهة غريزة الانتحار، ولم نكن يوماً قط معتدين بل ندافع عن أنفسنا وعن أرضنا ومقدساتنا وعروبتنا وإسلامنا ومسيحيتنا القتل والتدمير، وفي بدهيات الحروب الوطنية العظمى أن كل مواطن مقاتل وكل مقاتل يمثل منظومة قتال ومنظومة مقاتل ومنظومة وطن وقيم وقيمة يمثلها ويتمثلها المقاوم في حزب الله والمقاتل في الجيش العربي السوري والتي ستبقى تكتب التاريخ وتصون الجغرافيا والديمغرافيا، وإذا كانت رسائل الجولاني إلى أوباما والكيان الإسرائيلي مناقصة في مزادات وبازارات أردوغان وأميركا ومعارضتها المعتدلة والمعتلّة بالبريد القطري الإخونجي المضمون، فإن هناك رسائل بالنار والإصرار والانتصار من بوابة القلمون تذكّر من تنفع معه الذكرى من القصير إلى بابا عمرو والخالدية والمليحة وخناصر وغيرها.
ولمن يفتح دفاتر التاريخ ليقرأ ويعتبر أن الدولة الوهابية التي قامت ثلاث مرات بكل أركانها في مطلع القرن التاسع عشر تقبع الآن في مزابل التاريخ، فلا دخان فرنسا ولا نيكوتين أردوغان ولا قطران قطر ولا سموم السعودية ولا أمبلاج أميركا وسيجار معارضتها المعتدلة بما فيها «جبهة النصرة» وخراساناتها سيجعلنا نغير هويتنا وخياراتنا بالنصر قرار والشهادة قدر.