الشيخ المجاهد خضر عدنان يواصل دق جدران الخزان
راسم عبيدات
الشيخ خضر عدنان قامة من قامات الوطن، وهو بوبي ساندز فلسطين، هو من كسر وهزم مخابرات الاحتلال وإدارة سجونها، عندما أعلن حربه المفتوحة على سياسة الاعتقال الإداري الظالمة، رافعاً شعاره الناظم، ليس الشعار الذي ترفعه الحركة الأسيرة في كل معاركها المفتوحة عن الطعام، معارك الأمعاء الخاوية، دفاعاً عن حقوقها ومنجزاتها ومكتسباتها، وحقها في التنظيم وترتيب أوضاعها الداخلية والاعتقالية، بل كان شعاره في المرة الأولى عندما خاض الإضراب الأول المفتوح عن الطعام عام 2012 ضد استمرار اعتقاله الإداري لمدة 66 يوماً، إما الشهادة أو التحرير. واستطاع بصموده وثباته على موقفه، على رغم الطرق والأساليب القمعية والمساومات والإغراءات التي لجأت إليها المخابرات «الإسرائيلية» وأجهزتها الأمنية وحتى المستوى السياسي، أن ينال حريته معلناً ومدشناً مرحلة جديدة في نضالات الحركة الأسيرة.
نحن علينا أن لا نضع رؤوسنا في الرمال، الخطوة التي لجأ إليها الأسير خضر عدنان في المرة الأولى في 2012، ويعود إليها الآن عام 2015 من أجل قبر وإسقاط سياسة الاعتقال الإداري، والتي خاضها قبله وبعده عدد آخر من المناضلين والمناضلات، ما كان يمكن خوضها بهذه الطريقة الفردية، لو أن أوضاع الحركة الأسيرة سليمة ومعافاة، فكما كان لأوسلو تأثيراته السلبية وانعكاساته الخطيرة على شعبنا وأرضنا لجهة تقسيم الشعب والأرض، كان له صداه وامتداداته وانعكاساته وتأثيراته في الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال، والتي لم تكن التأثيرات في هذه الجوانب فقط، بل كان لإهمال الحركة الأسيرة من قبل السلطة الفلسطينية، وعدم تحريرها من المعتقلات «الإسرائيلية» استناداً إلى اتفاق المبادئ – أوسلو- الكثير من التأثيرات السلبية، حتى أنك كنت تشعر بأنه أصبحت هناك حالة من فقدان البوصلة والاتجاه، وأحدث ذلك الكثير من الخلل والتراجع والتفكك والتحلل، ليس فقط على وحدة الحركة الاعتقالية ومؤسساتها، بل طاول البنى والهياكل التنظيمية والحزبية للأحزاب والتنظيمات والفصائل الاعتقالية، حيث شهدت حالة من التفكك والتحلل، وأضحت حتى الوحدة التنظيمية في التنظيم الواحد نفسه تعاني من الاهتزاز، ولم تفلح كل عمليات الإنعاش التي قامت بها كادرات وقيادات الحركة الأسيرة التي وفدت على السجون بعد الانتفاضة الثانية في إعادة أوضاع الحركة الأسيرة إلى ما كانت عليه قبل أوسلو، على رغم أنها حققت نجاحات في وقف حالة الانهيار والتراجع في أوضاع الحركة الأسيرة، حيث غياب الكادر والقيادة الحزبية، وحالة التآكل والهلاك التي أصابت العديد من الأسرى القدماء، نتيجة طول مدة الاعتقال وفقدان الثقة بالقيادة واهتزاز القناعات، وهنا نحن لسنا في إطار التعميم حتى لا يتهمنا البعض بالعدمية والتطير، كما قال الأسير المجاهد خضر عدنان في خطوته النضالية بأنه غير سائر نحو العدمية.
وأنا هنا، لا أريد أن أشخص وأعالج أوضاع الحركة الأسيرة، بقدر ما أريد القول، بأن وحدة الأداة التنظيمية الوطنية الموحدة، أي المؤسسة الاعتقالية الموحدة، تعرضت لشرخ، ولم تعد قرارات الحركة الأسيرة مركزية وملزمة لكل الأسرى في مختلف سجون الاحتلال، ولعل فشل إضراب 15/8/2004، أثار مثل هذه القضية على نطاق واسع فواحد من أسباب فشل ذلك الإضراب، هو عدم وجود الأداة التنظيمية الوطنية الموحدة، غياب القيادة المركزية الممسكة بالقرار، والمالكة للتقرير بشأن استمرار الإضراب أو حله، وهذا الفشل فاقم من أزمة الحركة الأسيرة، في ظل تعمق أزمة الحركة الوطنية في الخارج، وعدم حصول حراك جدي على أوضاع الحركة الأسيرة لجهة تحررهم من الأسر، أو إعطاء قضيتهم الأهمية الكافية من مختلف ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، ناهيك عن اشتداد الهجمة الوحشية من قبل إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية»، بغرض سحب منجزاتها ومكتسباتها والتنكر لحقوقها، وكسر إرادتها وتحطيم معنوياتها، وإفراغها من محتواها الوطني والنضالي، وإبقائها في حالة من عدم الاستقرار وتفكيك منظماتها الاعتقالية، ولهذا الغرض جرى الزج بعشرات القيادات والكادرات الاعتقالية في زنازين وأقسام العزل، وأخضع عدد منهم لسياسة العزل الدوار بين أقسام العزل في سجون الاحتلال المختلفة، ولتضاف إلى ذلك حالة الانقسام الفلسطيني وما استتبع ذلك من تأثيرات سلبية أخرى على وحدة الأداة التنظيمية الوطنية للحركة الأسيرة.
ولذلك لم تنجح الحركة الأسيرة الفلسطيني في خوض إضراب استراتيجي مفتوح عن الطعام بعد ذلك، بل كانت الحركة الأسيرة في حالة دفاع مع هجوم شامل ومتواصل من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية وأجهزة مخابراتها.
واليوم عندما يدق الأسير المجاهد خضر عدنان جدران الخزان ويقود ملحمة بطولية فردية، فهو لا يسير إلى العدم، وخطوته النضالية هذه حالة غير مسبوقة في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية، حيث لأول مرة جرى خوض إضراب مفتوح عن الطعام والماء في تاريخ الحركة الأسيرة الفلسطينية وبهذا الزمن القياسي، ولم يسبقه لذلك سوى الأسير بوبي ساندرز أسير الجيش الجمهوري الإيرلندي الشين فين ، والذي استشهد بعد أربعة وستين يوماً من الإضراب المتواصل عن الطعام والماء في سبيل الاعتراف بهم كأسرى حرب في السجون البريطانية، وتلك الخطوة لم تكن فردية بل كانت ضمن خطة شاملة للجيش الجمهوري الإيرلندي، ونحن حتى اللحظة التي يخوض فيها أسيرنا البطل خضر عدنان إضرابه المفتوح عن الطعام للمرة الثانية والذي دخل يومه الثامن والعشرين، دفاعاً عن حقوق الحركة الأسيرة ومنجزاتها ومكتسباتها ووجودها وحريتها وكرامتها، ومن أجل إغلاق ملف الاعتقال الإداري، فإن حجم التضامن معه داخل المعتقلات أو خارجها لم يرتقِ إلى المستوى المطلوب، فالمطلوب حركة أسيرة بأداة تنظيمية وطنية موحدة لا فصائلية، بمعنى أسرى الشعبية يناصرون أسراهم، أو أسرى الجهاد يتضامنون مع الأسير خضر ويعلنون الإضراب المفتوح عن الطعام، فهذا شيء مقيت ومدمر للحركة الأسيرة، فالجميع مستهدف ليس هذا الفصيل أو ذاك، ولتكن الحركة الأسيرة موحدة بأداة تنظيمية موحدة وبمطالب واستراتيجيات موحدة، لكي تنجح في فرض مطالبها على إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية» وتحقق أهدافها في النصر والحرية.
الآن ما يجري من انتهاكات بحق أسرانا في سجون الاحتلال، مثل سياسة الإهمال الطبي، والاعتقال الإداري المتواصل من دون محاكمات وبينّات وأدلة، فإن ما حصل من متغيرات وحصولنا على عضوية محكمة الجنايات الدولية من 1/4/2015، فهذا يوجب علينا التوجه إلى تلك المحكمة من أجل جلب ومحاكمة قادة الاحتلال وأجهزة مخابراته وإدارات سجونه، على مثل تلك الجرائم التي هي جرائم حرب بامتياز.
Quds.45 gmail.com