حربٌ وشيكة بين «إسرائيل» وحزب الله؟
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
إنها حرب لبنان الثالثة، حرب لا ينفكّ الإعلام الصهيوني بالترويج لها كأنها قائمة غداً، من دون تحديد فترة معيّنة، إلا أن هذا الإعلام، يقول إن الحرب وشيكة. أما الإعلام الأميركي، فيستسيغ أخباراً كهذه، ويلحق بالقطار مروّجاً ومحلّلاً.
ومؤخراً، لا سيما في الأشهر القليلة الماضية، عمدت مصادر عسكرية «إسرائيلية» إلى إعطاء تسريبات لوسائل إعلام غربية حول واقع ميداني في جنوب لبنان، وذلك في سياق تهيئة الرأي العام العالمي لحرب ثالثة من المرجّح أن يشنّها الجيش «الإسرائيلي» ضدّ مقاتلي حزب الله، وتؤكدها مقالات وتحليلات كتبها مسؤولون سابقون في المؤسستين الأمنية والعسكرية «الإسرائيلية»، حاولوا من خلالها إرسال رسائل تهديد مبطنة للبنان، من خلال التوجه إلى المجتمع الدولي بطلب التدخل لتفكيك البنية العسكرية لحزب الله في منطقة جنوب الليطاني، إذ تزعم الجهات الاستخباراتية «الإسرائيلية» أن الحزب أعاد بناءها خلال السنوات القليلة الماضية، خلافاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، الذي اتخذه المجلس في آب 2006، لإيقاف الحرب بين الجيش «الإسرائيلي» والمقاومة الإسلامية، والالتزامات المترتبة على الطرفين وفقاً لذلك.
وإذ نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في الرابع عشر من أيار الماضي دراسة مطولة، مرفقة بخرائط وصور جوية حصلت عليها من مصادر عسكرية «إسرائيلية»، تكشف ـ بحسب مزاعم الجهات التي سرّبت المعلومات الواردة فيها ـ أنّ حزب الله أعاد نشر مقاتليه ومنظومات صاروخية في جنوب نهر الليطاني، إضافة إلى أنه أعاد تأهيل شبكة أنفاق تحت الأرض، وقام بتخزين كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر. فإنّ صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية أيضاً، وعلى لسان الكاتب بول بيلار ، عزت احتمال شنّ «إسرائيل» الحرب على لبنان هذه المرّة، إلى تحويل الزخم في الكونغرس الأميركي بشكل حاسم ضدّ اتفاق نووي مع إيران ـ اتفاق يرى النقاد أنه سيزيد من قدرة إيران على المناورة في المنطقة، بما فيها دعمها اللامحدود لحزب الله، لا إلى التوترات الجارية بين حزب الله و«إسرائيل».
التقرير التالي عبارة عن عددٍ من المقالات المترجمة، الأول عن صحيفة «هافنغتون بوست» الأميركية، أما المقالات الباقية فعن صحف عبرية.
كتب بول بيلار:
تشير دلائل عدّة إلى أن «إسرائيل» ستخوض حرباً جديدة هذا الصيف. لكن ليس مع حماس في غزة هذه المرة، إنما مع حزب الله في لبنان. وقد لا تكون هذه الحرب ناجمة عن آثار الحرب السورية أو التوترات الجارية بين حزب الله و«إسرائيل». إنما يبدو أن العامل الحاسم في الحسابات «الإسرائيلية»، تحويل الزخم في الكونغرس الأميركي بشكل حاسم ضدّ اتفاق نووي مع إيران ـ اتفاق يرى النقاد أنه سيزيد من قدرة إيران على المناورة في المنطقة، بما فيها دعمها اللامحدود لحزب الله.
وعلى رغم المحاولات المستميتة التي سعت إليها «آيباك» ومعها رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو والسعوديون ومن خلفهم دول مجلس التعاون الخليجي، لقتل أيّ إمكانية لولادة مثل هذه الصفقة مع إيران، غير أن محاولاتهم هذه جميعها باءت بالفشل. وها هي المحادثات تسير على الطريق الصحيح.
وتشير استطلاعات الرأي إلى شعور الغالبية الأميركية بالراحة نتيجة دعم الرئيس الأميركي باراك أوباما المحادثات الدبلوماسية مع إيران.
ولو أن التصويت على قرار رفض هذه الصفقة النووية مع إيران كان سيُجرى اليوم، فإن الغلبة ربما تكون للرئيس أوباما ـ ربما حتى من دون الحاجة إلى استخدام حق النقض «الفيتو» ـ لهزيمة محاولات الجمهوريين والديمقراطيين المؤيدين لنتنياهو لإفشال تحقيق اتفاق سياسي تاريخي مع طهران. أما الحجج المعارضة ـ والتي تدّعي الاستسلام لإيران باعتبار أنه من غير المقبول عقد صفقة مع نظام كذلك الذي يقوم في طهران ـ فهي لم تلقَ الصدى الكافي من قبل الجمهور لخنقها. ما تسبّب ببعض الفوضى في معسكر المعارضة.
وفي الواقع، فإنك لو كنتَ في هذا المعسكر في الوقت الراهن، فمن الممكن توقع البحث ليس لدعم الحجة الجديدة، بل لتغيير لعبة التنمية: أي حدث جلل قد ينقل الزخم إلى الكونغرس و«آيباك» ونتنياهو والسعوديين ودول الخليج إلى التمسك والعمل بكلّ قوة على ضرورة تقويض هذه الصفقة من جديد.
ويمكننا القول أن مواجهة جديدة بين حزب الله و«إسرائيل» خلال الصيف المقبل قد تكون أكثر من مناسِبة لاجتراح قانون جديد كهذا. استناداً إلى الحجة القائلة إن الصفقة ـ وأكثر من 50 بليون دولار ستُعاد إلى طهران ـ قد تعزّز من دور إيران في المنطقة وتقوّي حلفاءها وتصبح أكثر فعالية بكثير لو كانت «إسرائيل» في صراع حقيقي مع حزب الله الذي سيستهدف المدن «الإسرائيلية» بصواريخه، أسوةً بسيناريو عام 2006. وأحداث كهذه قد تصبح الهدف المنشود لتغيير قواعد اللعبة التي قد تدعو الكثير من الديمقراطيين إلى مواجهة سياسة أوباما.
لكن، يمكننا تجنّب وقوع كلّ ذلك، لو أن مثل هذه الحرب مع حزب الله حصلت خلال الأشهر القليلة الماضية. فقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في 12 أيار الماضي أن «إسرائيل» تستعدّ لما تعتبره معركة حتمية مقبلة مع حزب الله. ويضيف مسؤول «إسرائيلي» لـ«نيويورك تايمز»: «سنضرب حزب الله بشدّة».
يرى «الإسرائيليون» أن حزب الله يشارك في هذا الحشد العسكري الهائل، وأن «إسرائيل» تروّج لتسلّح حزب الله بهدف وضع هذه المشكلة على الأجندة الدولية في حال وجود صراع آخر. أما بالنسبة إلى الجيش «الإسرائيلي»، فإن لحزب الله قدرات تمكّنه من إلقاء 1220 صاروخاً يومياً على «إسرائيل».
تركّز «إسرائيل» على هذه النقطة منذ أشهر عدّة. ففي شباط الماضي، قدِم 28 من المشرّعين الأميركيين إلى «إسرائيل» لتقديم المساعدة وراسلوا أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون مطالبين بضرورة الضغط من قبل الأمم المتحدة لوقف تسليح حزب الله. واتهموا في رسالتهم هذه الأمم المتحدة بالفشل في تنفيذ القرارات، بما فيها القرار الذي يقضي بحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها.
ويضيف هؤلاء أن العنف الذي يتسبب به حزب الله مرعب للغاية، وهو ناتج عن فشل الأمم المتحدة في تنفيذ القرارين 1559 و1701.
وهذا العمل العسكري الوقائي كان قد دعا اليه مؤخراً السفير دوري غولد، المقرّب من نتنياهو والذي عُيّن مديراً عاماً لوزارة الخارجية «الإسرائيلية». ويؤكد غولد في معرض اتهامه الأمم المتحدة في فشلها إيقاف تسلّح حزب الله أنه «لو امتلكنا خيار تدمير الجيش الإسرائيلي مخازن أسلحة حزب الله في الجنوب، أو السماح له بإطلاق الآلاف من صواريخه على إسرائيل، فما الذي سنختاره؟».
تورّط حزب الله في الصراع السوري، وقد لا يتحمل عبء المواجهة مع «إسرائيل» في الوقت الحالي. ومع ذلك، فإذا هاجمت «إسرائيل» لبنان، سيكون من المستحيل أن نتخيّل أن حزب الله لن يردّ، على رغم الصعاب التي يعانيها في سورية، والآثار التي قد تترتب عليها ردود فعله وانعكاساتها على المحادثات النووية الإيرانية الجارية.
حذّر الجنرال يحيى رحيم صفوي، وهو المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي، في أيار الفائت من أن أيّ هجوم «إسرائيلي» مرتقب على لبنان من شأنه إطلاق العنان لعاصفة من الصواريخ على مدنها الآمنة. ويقول: «تستطيع إيران ومعها حلفاؤها تدمير مدن إسرائيلية كتلّ أبيب وحيفا في حال تورّط الصهاينة في أي عمل عسكري».
إذاً، من الواضح أن حرباً محتملة بين «إسرائيل» وحزب الله قد لا تؤدي فقط إلى إيقاف المحادثات النووية الإيرانية. بل ستشكل دفعاً قوياً لكلّ أولئك الذين يحرّضون على عدم توقيع هذه الاتفاقية، وهذا العامل هو سبب رئيس ووجيه جداً في أذهان صنّاع السياسة «الإسرائيليين». إن فكرة إلغاء توقيع هذه الصفقة يستحوذ على عقول الساسة «الإسرائيليين»، لتصبح هي العامل الحاسم في عملية صنع القرار في «إسرائيل».
وإذا كان الأمر كذلك، فلن تكون هذه المرة الأولى التي تذهب فيها «إسرائيل» إلى حرب مع حزب الله بدافع الاعتقاد أو الرغبة بأن الحرب مع إيران كانت تلوح في الأفق. ففي خضم الحرب «الإسرائيلية» ـ اللبناينة عام 2006، صرّح نائب وزير الدفاع «الإسرائيلي» ـ آنذاك ـ أفرايم سنيه أن الحرب مع إيران هي حربٌ لا مفرّ منها… فلبنان مجرّد مقدمة صغيرة لحرب كبيرة وشاملة مع إيران.
يبدو أن سنيه كان مخطئاً. إن الحرب مع إيران لم تكن ولن تكون يوماً حتمية. غير أن حرب «إسرائيل» مع حزب الله هذا الصيف قد يساعدها في التأكد من أن السلام مع إيران أبعد بكثير من متناول أوباما.
نصر الله المعضلة
وفي الثاني من أيار الماضي، كتب أيال زيسر في صحيفة «إسرائيل اليوم»:
انهيار الجيش السوري أمام «الثوار» من تنظيمَي «داعش» و«جبهة النصرة» في عدد من جبهات القتال، أخرج زعيم حزب الله، حسن نصر الله من مخبأه. ففي خطاب فزع حذّر سامعيه، من أبناء الطائفة الشيعية في لبنان، من أنّ البرابرة على الأبواب، وأعدّهم لإمكانية أن تعلن منظمته عن التجنيد العام للشيعة في لبنان كي توقف التسونامي الإسلامي السلفي الذي يهدد حدود البلاد.
في صرخات النجدة لنصر الله، ثمة الكثير من الحقيقة. فسلوكهم على مدى السنة الاخيرة، يثبت مقاتلو «داعش» تصميماً على إعادة الشرق الأوسط إلى ظلامية العصور الوسطى. فهم يدمّرون بمنهجية آثار الحضارات التي بقيت في منطقتنا منذ آلاف السنين، إنما الاسوأ من ذلك، عدم إخفاء أنّ هدفهم ليس فقط الاثار العتيقة، بل البشر أيضاً. كل من لا يقبل بشكل كامل فكرهم ومعتقدهم ـ يحكم عليه بالموت. وهكذا تختفي من منطقتنا ـ ليس فقط التماثيل القديمة ـ إنما أيضاً طوائف الاقليات مثل الأيزيديين، المسيحيين الأشوريين وغيرهم.
في ظهور مغطى إعلامياً في قناة «الجزيرة»، حاول أبو محمد الجولاني، زعيم «جبهة النصرة»، التي يسيطر مقاتلوها اليوم على معظم هضبة الجولان، مدّ خط يفصل بينها وبين «داعش». وقد شرح أنّ منظمته تركّز على سورية، ولا مصلحة لها في أن تحوّل هذه الدولة عند سيطرتها عليها إلى قاعدة عمل ضد الغرب. وامتنع الجولاني عن ذكر «إسرائيل» تماماً. والواضح أن الفرق بين الجولاني، الذي يعلن الولاء لـ«القاعدة» وبين «داعش» تكتيكيّ، وموضوعه الاستعداد لأن يؤجل إلى المستقبل، عندما تتاح الظروف ما يصرّ «داعش» على عمله اليوم.
إمكانية سيطرة «داعش» و«جبهة النصرة» على سورية يجب أن تقلق «إسرائيل». ولكن السؤال هو ما البديل؟
عندما غرقت سورية في الحرب المضرّجة بالدماء، كان في «إسرائيل» من تمنّى النجاح للطرفين المتقاتلين في الدولة المجاورة من الشمال، سواء لبشار أم لـ«الثائرين» في وجهه.
ولكن الحرب في سورية من شأنها أن تنتهي أسرع مما قدّرت «إسرائيل». وحتى لو تطلب الامر شهوراً طويلة إلى أن يسقط بشار. والاسوأ من ذلك، فإن تجنّد نصر الله وإيران لنجدة بشار، يدل على أن المعضلة التي تقف أمامها «إسرائيل» ليست بشار أم «داعش»، إنما نصر الله أم «داعش». وعلى ذلك، أفادت الاحداث في هضبة الجولان في شهر كانون الثاني من هذه السنة، عندما بعث حزب الله برجاله في وضح النهار إلى الجدار الحدودي «الإسرائيلي ـ السوري، ولمّا صفّتهم «إسرائيل»، ردّ بعملية في «هار دوف».
تكتيك مسبق
وفي أواخر أيار الماضي، كتب الصهيونيّ غيورا آيلند مقالاً في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية:
هذا الاسبوع، قبل 15 سنة، خرج الجيش «الإسرائيلي» من طرف واحد من لبنان. وكان القرار خطوة صحيحة وشجاعة لرئيس الوزراء في حينه أيهود باراك. ما كان مغلوطاً يتمثل في السياسة التي تمّ تبنيها بعد الخروج، والاخطر آثارها في المستقبل. لقد كان قرار الخروج صحيحاً لأنه لم تكن أيّ منفعة من البقاء هناك بثمن نحو 25 قتيلاً في كل سنة. عند الخروج ارتكبت أخطاء عدّة، ولكنها لا تغير حقيقة أن هذه الاستراتيجية كانت خطوة صحيحة.
لقد قامت فكرة باراك على قبول الشرعية الدولية، وهذا بالفعل أخذ به عندما انسحب الجيش «الإسرائيلي» إلى الخط الذي أملته الامم المتحدة. وفي هذه النقطة أيضاً بدأ تفويت الفرصة. فقبل الخروج كان للجيش «الإسرائيلي» شرعية للقتال ضد حزب الله، المنظمة الإرهابية المدعومة من سورية وإيران. لم يكن مطلوباً الخروج من لبنان كي تكون شرعية لمواصلة القتال ضدها، إذا ما واصلت إلحاق الاذى بنا. أما الشرعية التي تحققت بعدما خرجنا حتى آخر سنتيمتر من أراضي لبنان، فقد كانت العمل ضد دولة لبنان إذا ما مورس الإرهاب ضدنا من اراضيها. أخطأنا حين لم نوضح ذلك مسبقاً، وأخطأنا جداً في الشكل الذي أدرنا فيه حرب لبنان الثانية. حاولنا أن ننتصر على حزب الله، وسمحنا لدولة لبنان التي تعطي رعاية كاملة لحزب الله التحلّل من كل مسؤولية.
ماذا سيحصل إذا ما اندلعت غداً حرب لبنان الثالثة؟ إذا ما أدرنا هذه الحرب مثلما أدرنا سابقتها، فسنجلب على أنفسنا مشكلة كبيرة. ظاهراً تحسّن الجيش «الإسرائيلي» منذ حرب لبنان الثانية، ولكن في الميزان التكتيكي تحسّن حزب الله أكثر. مثل هذه النتيجة للحرب، التي قد تستمر 33 يوماً أو 50 يوماً، ستكون أشدّ بكثير من حرب لبنان الثانية. ينبغي الاعتراف بأنّ الجيش «الإسرائيلي» غير قادر على أن ينتصر على حزب الله الا بثمن لا يطاق على الجبهة الداخلية «الإسرائيلية».
الاستنتاج واضح. إذا فتحت النار من الاراضي اللبنانية، وقرّرت «إسرائيل» الشروع في المعركة، فينبغي إعلان الحرب على دولة لبنان وممارسة وسائل النار ضدّ حزب الله أيضاً، ولكن بالأساس ضد الجيش اللبناني، البنى التحتية اللبنانية ومؤسسات الدولة اللبنانية. ولمّا لم يكن أيّ لاعب في الساحة، لا سورية وإيران من جهة، ولا السعودية والدول الغربية من جهة أخرى، ولا حزب الله نفسه، مستعدّ لأن يحتمل تدمير دولة لبنان ـ فإن نتيجة الهجوم «الإسرائيلي» ضدّ لبنان ستكون على ما يبدو دعوة عاجلة للجميع لوقف النار. ووقف للنار بعد ثلاثة أيام لا بعد 33 يوماً هو السبيل أيضاً للانتصار في الحرب المقبلة، وكذا لإعادة خلق ردع ناجع.
هناك من يقول إنّ العالم لن يسمح لنا بعمل ذلك. هذا قول غير صحيح. فالأسرة الدولية لن تقول لنا كفّوا عن إطلاق النار، ومن جهة أخرى ستقول لحزب الله أنّ من حقه أن يواصل. الأسرة الدولية ستدعو كل الاطراف إلى وقف النار في وقت واحد، وبقدر ما يحصل هذا في وقت أبكر سيكون الميزان في مصلحة «إسرائيل» أكثر.
فضلاً عن ذلك، فإنّ السبيل الاكثر نجاعة لتأجيل حرب لبنان الثالثة، القول المسبق كيف وضدّ من ستدار. في اللحظة التي تفتح فيها النار لن يعود ممكناً بدء شرح السياسة الجديدة. هذا هو الدرس الاساس من السنوات الـ15 الاخيرة. على «إسرائيل» أن تفضّل دوماً الحرب أو التسوية مع لاعب دولة لا مع منظمة إرهابية. وهذا القول صحيح بالنسبة إلى لبنان، وبقدر لا يقل عن ذلك بالنسبة إلى غزة أيضاً.
التهديد العسكري الأهمّ
وفي منتصف أيار، كتب آلون بن ديفيد في صحيفة «معاريف» العبرية:
في إطار التدريبات التي يخوضها الجيش الإسرائيلي» في الاشهر الاخيرة، أجريت في الاسبوع الماضي مناورة لواء مشاة في الاحتياط في هضبة الجولان. وشاهد رئيس الأركان غادي آيزنكوت، الذي زار مناورة قتالية ضد قوات عصابات، كيف تهاجم أربع كتائب هدفاً كان فيه نحو 70 إلى 80 مخرّباً. وعندما انتهى الحدث، في حديث مع القادة تساءل آيزنكوت: «هل صحيح وضروري استثمار أربع كتائب لمعالجة مثل هذا الهدف؟ هل يتعين علينا حقاً أن نواصل القتال على هذا النحو؟».
لقد كان مشوقاً وغير لطيف مشاهدة هذا الاسبوع فيلم رفيف دروكر، الذي قدم روايات القادة عن حرب لبنان الثانية. في كل مرة كان يذكر فيها رئيس الاركان الاسبق داني حلوتس القوات البرية كان يمكن لنا أن نسمع في صوته الاحتقار الذي يكنّه لها. ولكن ثمّة نواة من الحقيقة في أقواله: فلم تكن الاسلحة الغربية في الجيش «الإسرائيلي» جاهزة للحرب في 2009، ومشكوك فيه إذا كانت اليوم أيضاً ملائمة لنوع القتال الذي ستكون مطالبة له في المواجهة المستقبلية، في الشمال أو في غزة.
«إسرائيل» اليوم في الغالب تختار متى، كيف وضدّ من ستدخل في حرب. في 2006 اختار أيهود أولمرت الدخول في حرب مع حزب الله. لم يكن لهذه الحرب أهداف واضحة كما لم يسبقها تخطيط عملياتي. وقد أديرت ونفّذت بشكل مخجل، ولكن النتيجة، في نظرة إلى الوراء تبدو أقل سوء. فما كان يصدق في آب 2006 أن تجلب لنا حرب لبنان تسع سنوات من الهدوء في الشمال.
في نهاية 2008 اختار أولمرت مرة أخرى الدخول في مواجهة مع حماس. في حينه أيضاً لم تحدّد أهداف واضحة للحرب. ولكنها كانت خطة عملياتية، كانت القوات جاهزة لها جيداً وقد نفّذت بدقة. قد لا تكون النتائج لامعة، ولكن الثمن الذي دفعته «إسرائيل» كان متدنياً نسبياً. وعلى الطريق، أعاد الجيش «الإسرائيلي» بناء الثقة بالنفس للاسلحة البرية واظهر بانه لا يخشى من المناورة في ميدان مديني مكتظ.
في 2012 اختار بنيامين نتنياهو التوجه الى مواجهة أخرى مع حماس، وليس واضحاً ما كان هدف هذه المواجهة، باستثناء الفرصة لتصفية احمد الجعبري. ولكن نتنياهو ورئيس الاركان في حينه، بيني غانتس، فضّلا عدم استخدام القوات البرية، وانتهت المواجهة بلا إنجاز ذي مغزى. ولمّحت حملة «عمود السحاب» لحماس وللمحيط بأسره بأن «إسرائيل» تمتنع عن خطوات عسكرية وتريد العودة إلى الديار بسلام بأسرع وقت ممكن.
في «الجرف الصامد» تفاقم هذا الميل. فقد جرت «إسرائيل» بلا رغبة بارزة إلى الحرب. دخلت إليها بلا خطة عملياتية واضحة، امتنعت عن تحديد اهداف استراتيجية لها وأدارتها بشكل متردد ومع الكثير من الاخطاء العسكرية. ولكن القوة الشديدة التي مارستها «إسرائيل» في غزة، متداخلة مع التغييرات التي وقعت في مصر، خلقت ردعا حيال حماس.
وفي مواجهة المحيط المتغير، سيتعين على آيزنكوت أن يعيد النظر أيضاً في انتشار القوات البرّية. فعلى مدى السنين احتفظ الجيش «الإسرائيلي» بفرقة نظامية في هضبة الجولان لتتمكن من صد هجوم سوري، ولكن بعد أن بات واضحاً أنّ الجيش السوري لم يعد يشكل تهديداً على «إسرائيل»، فقد أخرج بيني غانتس الفرقة 36 من هضبة الجولان وأقام مكانها فرقة من الامن الجاري، تحمي اليوم الحدود.
ولكن بينما تتفكك سورية، يواصل في لبنان اليوم تشكيل التهديد العسكري الاهم على «إسرائيل». فعلى أساس دروس «الجرف الصامد»، يبني حزب الله قوات هجومية يمكنها أن تخترق الاراضي «الإسرائيلية» في الحرب وتسيطر لزمن قصير على البلدات. ويتطلب هذا من الجيش «الإسرائيلي» أن يكون جاهزاً في كل لحظة لمعركة دفاع واسعة على الحدود الشمالية. وعليه، فمثلما حرس الجيش «الإسرائيلي» على مدى السنين على تواجد دائم للقوات النظامية في الجولان، مطلوب الآن تواجد كهذا على الحدود الشمالية. إذا ما علقنا في مواجهة مع حزب الله من دون إنذار مسبق، فلن يتمكن الجيش «الإسرائيلي» من جلب فرقة نظامية إلى المنطقة كي تتمكن من حماية البلدات من قوات حزب الله البرية.
أكاديميّ مخضرم عمل في وكالة الاستخبارات الأميركية،
وهو زميل غير مقيم في مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون.