جنبلاط يجمّد مساعيه بعد اصطدامه برفض السويداء… ويهدّد أهلها بـ«النصرة» المشنوق يربح الجولة على ريفي ملوّحاً بالاستقالة في وجه الحريري

كتب المحرر السياسي:

على خلفية سترسم مستقبل الكثير من المتغيّرات في المنطقة والعالم، يبدأ الأسبوع الأخير من المفاوضات الدائرة بين إيران ودول الخمسة زائداً واحداً، حول ملفها النووي، ووفقاً لمصادر الفريقين، كان أبرزها كلام كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عراقجي بقوله إنّ الخلافات حول نصّ الاتفاق الشامل صارت أقلّ، والصياغة تتواصل على مستويات معقدة تقنية وقانونية وسياسية، كاشفاً عن اجتماعات ماراتونية نهاية الأسبوع لملاقاة موعد المهلة المتفق عليها نهاية الشهر الجاري بجهود حثيثة، بينما توقع وزير خارجية بريطانيا فيليب هاموند أن يجري تمديد المهلة إلى ما بعد الثلاثين من حزيران بقليل نظراً إلى طبيعة القضايا المعقدة التي يتناولها التفاوض، متفائلاً بتذليل العقبات، مثله مثل المتحدث بلسان الخارجية الألمانية مارتن شيفر.

المفاوضات التي لا تحتلّ مكانة الخبر الأول في المتابعات الإعلامية تحتلّ هذا الأسبوع مكانة الحدث الأول الصانع للسياسة في المعادلات الدولية والإقليمية وتحبس الأنفاس لمتابعة تطوراته، وعلى قياس درجة الحرارة في فيينا ولوكسمبورغ حيث تعقد جولات المحادثات يمكن قياس درجات الحرارة في ساحات عالمية وإقليمية كثيرة.

لبنان الذي يتأخر عادة لتلقي الإشارات، يبدو كمن دخل ساحة التطورات الحارة، على مستوى مختلف عن المستوى الأمني، حيث يبقى العامل الحاسم هو النجاحات التي يحققها حزب الله في جرود القلمون، وتتراجع فيه قدرة «جبهة النصرة» و«داعش» على اللعب بالداخل اللبناني على رغم عرض القوة الذي شهدته شوارع المناطق اللبنانية أول من أمس، وبدا أن المستهدف فيه هو وزير الداخلية نهاد المشنوق بتقاطعات التنافسات الداخلية، والصراعات بين الأجنحة الحاكمة في السعودية، مع شعور جماعات الداخل التي يشغلها تنظيم «القاعدة»، بالقلق من تداعيات اكتمال نصر القلمون وسقوط معقل عرسال في يد الجيش اللبناني، فكانت الحملة الاستباقية، باستثمار الحرب التي يخوضها وزير العدل أشرف ريفي على المشنوق، وحصوله على دعم رئيس المستقبل سعد الحريري، الذي قام فريق فرنسي بإثارة ذعره من تقدّم علاقات المشنوق بالأميركيين من جهة، وحزب الله وما يمثل من علاقة بإيران من جهة أخرى، عدا ما يحظى به من مكانة لدى ولي العهد السعودي محمد بن نايف، ما يؤهّله في حال صحة ما ينقل عن تقدّم في التفاوض على الملف النووي الإيراني، ليكون مشروعاً جدياً مهيأ لتولي رئاسة حكومة توافقية لا يملك الحريري القدرة على رفضها، خصوصاً إذا تمّ تقديم معادلة بديلة لرئاسة الجمهورية، بحيث تستبدل ثنائية العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية والرئيس سعد الحريري رئيساً للحكومة، بثنائية الوزير سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية والوزير نهاد المشنوق لرئاسة الحكومة.

كما تشجع الحريري ورسم خطاً أحمر للمشنوق، واستدعى منه التراجع عن موقفه المتشدّد تجاه حملة الفيديو المسرّب، يبدو أنّ النهار غير الليل، فهو نهار الاتصالات، التي أوصلت المشنوق إلى رمي قفاز الاستقالة في وجه الحريري، إذا كان كلّ الذي يهمّه مراضاة شارع غاضب ولو كان الشارع لـ»النصرة» و«داعش»، ليضطر الحريري أن يناوب هو ليلة أمس لاسترضاء المشنوق، بإيفاد معاونه السياسي ابن عمّته نادر الحريري مصرّحاً من عنده أنّ تيار المستقبل يؤيد وزير الداخلية.

ومثل الحريري المرتبك، يبدو النائب وليد جنبلاط متوتراً، بعدما كان متحمّساً لسرعة التحرك، فصار يتحدّث عن انتظار التوقيت المناسب، ويبشر بمصالحات كعنوان للتحرك، يعلم أنها لن تتمّ، بين محافظة السويداء السورية و«جبهة النصرة»، فقد خذله جبل العرب للمرة الثانية، وأعلن رفضه لمبادرات جنبلاط وتمسّكه بالقتال مع الجيش السوري وصار سلاح جنبلاط الوحيد، والوقت يداهم المنطقة باستحقاقات يحرص جنبلاط على رصدها ومتابعتها، أن يكتفي بانتظار أن تعاقب «جبهة النصرة» السويداء مرة أخرى على رفض يده الممدودة لسلخ السويداء عن سورية، وهو يعلم أنّ الأمر ليس الحياد ولا حماية المدنيين، ولا قيام دولة درزية مستحيلة، بل فكفكة الدولة والنسيج السوريين، ونقل العدوى إلى لبنان، كما يعلم أنّ الفشل سيعني مشهداً درزياً شبيهاً بمشهد عام 1983، عندما تصدّر جنبلاط صفوف الدفاع عن الجبل، مدعوماً من الدولة السورية وجيشها، فتوّج زعيماً لربع قرن، بينما كانت الزعامة الأرسلانية مرتبكة برحيل الأمير مجيد أرسلان، وعدم تبلور زعامتها الجديدة وظهورها بمظهر المحايد في صراع الجبل مع تصدّر الراحل فيصل أرسلان للمشهد. واليوم تدور الأمور عكسياً، فالأمير طلال أرسلان يبدو في مقدّمة صفوف الدفاع عن جبل العرب داعماً للدولة السورية ومدعوماً منها، بينما الزعامة الجنبلاطية مرتبكة، تبدو في موقع الحياد، والتهديد متشابه، «القوات اللبنانية» يومها تدخل قرى وبلدات جبل لبنان وترتكب المجازر والناس تطلب السلاح ولا تترك مكاناً لمن يتحدّث عن المصالحات والحياد ويمتدح مرتكبي المجازر كشريك لا غنى عنه، وبالصورة نفسها التاريخ يعيد نفسه، لكن مع بلوغ «النصرة» أطراف السويداء وتلويحهم بالمجازر، والخطاب الجنبلاطي الحيادي والمبشر بـ»النصرة» شريكاً، مقابل ضحايا الاعتداءات الذين يطلبون السلاح، موقف أرسلاني يتقدّم صفوفهم بشحذ الهمم تحت راية الدولة السورية وجيشها.

هكذا يلتقي فيديو قلب لوزة عن مجازر «النصرة» في ريف إدلب مع فيديو رومية المسرّب والمبرمج، على رغم الفوارق بينهما في صناعة المشهد السياسي اللبناني، حيث بدا الوزير أشرف ريفي يربح الشارع ويخسر في السياسة، وبدا النائب جنبلاط على المقلب الآخر يخسر الشارع ويخسر في السياسة.

تحضير الساحة الداخلية للحظة أمنية

أرخى تسريب الفيديو الذي يظهر تعذيب موقوفين في سجن رومية، بظلاله على المواقف السياسية، ما استدعى اجتماعاً أمنياً دعا إليه رئيس الحكومة تمام سلام لمعالجة الوضع قبل أن تتفاقم الأمور من خلال السير بالتحقيق القضائي حتى النهاية ومحاسبة الفاعلين، لا سيما بعدما شهدت المناطق اللبنانية أول من أمس قطعاً للطرقات ورفعاً لأعلام «النصرة» و«داعش» وحرق سيارات.

وقال مصدر في قوى 8 آذار لـ«البناء» «إنّ الشريط سرّب بقرار وبتوقيت مريب وبلحظة معينة، علماً أنّ عمره الافتراضي 3 أشهر منذ مداهمة المبنى د». وأضاف: «إذا افترضنا في الشكل أنه صراع بين وزيري الداخلية نهاد المشنوق والعدل أشرف ريفي، لكن المضمون بقطع الطرقات وحرق الإطارات تجاوز إلى ما هو أخطر من ذلك».

وأشار المصدر إلى «أنّ هناك من يريد تأجيج العواطف وأخذها إلى مكان أبعد من الاقتصاص من المشنوق، فهناك كلمة سرّ وساعة صفر وأمر عمليات حرك كلّ المناطق لتعزف على الوتر نفسه من وضع أعلام النصرة والقاعدة وداعش في بعض المناطق، بمعنى آخر أنّ ريفي لا يملك كلّ هذا المستوى من التخطيط والتنفيذ ما يعني أنّ ما حصل له أبعاد أخطر».

وتساءل: «لماذا تزامن تسريب الفيديو مع نشر وثائق ويكيليكس السعودية وكأنّ هناك من يريد من فيديو سجن رومية أن يسرق وجهة الأحداث، فضلاً عن تحضير الساحة الداخلية للحظة أمنية لبنانية قادمة مطلوب أن يؤمّن لها جمرات ووقود».

وأكدت مصادر مطلعة لـ«البناء» أن وزير العدل يريد من خلال تسريب الفيديو تحريك الشارع الطرابلسي ليقطف إسلامياً في الشمال ونجح في ذلك، في حين أن وزير الداخلية ليس من مصلحته تحريك الشارع، لأن العبء سيقع عليه».

واعتبر مصدر في تيار المستقبل لـ«البناء» «أن ما يحصل في سجن رومية هو فضيحة بمعزل عن الجهة التي تتولى موقع المسؤولية اليوم، إلا أنّ الشريط سرّب الآن ومن الطبيعي أن يضع المسؤول الحالي في الواجهة ويجعله مسؤولاً عن التقصير، على رغم أنّ ما حصل في سجن رومية من ممارسات قام بها بعض عناصر الأجهزة الأمنية يحصل في سجون معظم دول العالم».

وأشار المصدر إلى «أنّ ما حصل أثبت أنّ كلّ ما حاول أن يقوله تيار المستقبل لأهالي الإسلاميين الموقوفين بأنّ أبناءهم لا يتعرّضون للتعذيب والأذى والإذلال والإهانة، ظهر أنه غير صحيح».

وحمّل المصدر وزارة الداخلية مسؤولية ما حصل في السجن ومتابعة القضية والتأكد من صحة الشريط ومن سرّبه وكيف سرّب ولماذا؟ كي لا تشعر فئة من اللبنانيين بأنها تتعرّض للأذى دون غيرها.

وكان تسريب الفيديو استدعى اجتماعاً أمنياً في السراي حضره إلى رئيس الحكومة والوزيرين المشنوق وريفي، قادة الأجهزة الأمنية والقضائية. وأبلغ سلام وزيري الداخلية والعدل «تأييده الكامل لكلّ الخطوات التي قاما بها حتى الآن لمعالجة هذا الملف، ولما أبدياه من حكمة ومسؤولية وطنية وحرص على القوانين»، داعياً إلى «التعامل مع هذا الملف برويّة وحصره في إطاره القانوني بعيداً عن الغرضية السياسية».

ورأى المشنوق في مؤتمر صحافي بعد لقاء السجين وائل الصمد وكتيبة الأسعد وعمر الأطرش في سجن رومية: «أن نشر أشرطة لا يزعزع موقعه بل مؤسسات الدولة». وقال المشنوق: «عودة المبنى «ب» إلى قبضة الإرهابيين لن تحدث، وإذا كانت استقالتي تمنع التطرف في لبنان فأنا مستعدّ لتقديمها».

وترافقت الحملة التي يتعرّض لها المشنوق وحرب الشوارع التي حرّكها ريفي ضدّه، مع زيارة قام بها نادر الحريري إلى المشنوق في مكتبه موفداً من الرئيس سعد الحريري، مؤكداً دعم تيار المستقبل له.

الأهالي: تصعيد موجع

في غضون ذلك، تعقد اللجنة الوزارية لملف العسكريين المخطوفين اجتماعاً اليوم لمتابعة البحث في القضية بعدما تلقى الأهالي رسائل تهديدية من «التنظيم» توعّد فيها بمعاملة أولادهم كما يعامل الإسلاميون في روميه. وبعدما نشر زعيم كتائب عبد الله عزام الشيخ سراج الدين زريقات صورة على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» لعناصر قوى الأمن الداخلي الذين خطفوا في آب الماضي بعد حوادث عرسال وللسجناء في سجن رومية الذين تعرّضوا للضرب، قائلاً: «أسرى الأمن الداخلي اللبناني لدى أهل السنة، وأسرى أهل السنة لدى الأمن الداخلي اللبناني».

وعشية الاجتماع قطع أهالي العسكريين المخطوفين لدى «داعش» و«النصرة» طريق عام راشيا الجنوب – المصنع بالإطارات المشتعلة عند مثلث ضهر الأحمر، مطالبين بحلّ أزمة أبنائهم.

وتحدّث نظام مغيط شقيق العسكري المخطوف لدى «داعش» إبراهيم مغيط لـ«البناء» «عن مشاورات تجرى بين الأهالي استعداداً للتحرك الذي سينفذ»، مشيراً إلى «أنّ التحرك سيكون شاملاً وموجعاً، وانّ قطع الطرقات لن يقتصر على قطع طريق واحد، إنما سنقوم بقطع عدد من الطرقات في الوقت نفسه». ولفت مغيط إلى «أنّ تقاعس الحكومة عن القيام بواجباتها تجاه أبنائنا الذين يحمون الوطن، كان السبب الأول وراء تصعيدنا الذي سنلجأ إليه، فنحن نحاول الاتصال بالمعنيين في خلية الأزمة منذ أن تلقينا رسائل تهديدية من «داعش»، ولكن أحداً لا يجيب أو يحرك ساكناً»، معتبراً «أن المسؤولين وللأسف هم غير مسؤولين إلا عن الكراسي التي يجلسون عليها».

وتابع: «كيف لوزير أن يطلب منا فك الاعتصام كرمى للتجار الذين تعرّضت مصالحهم لخسارة بسيطة، ويغضّ النظر عن معاناة الأهالي، مضيفاً: «إنّ المسؤولين في لبنان أكبر خسارة على الوطن».

في المقابل، لفتت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أنّ المسلحين يحاولون الضغط على أهالي العسكريين المختطفين في محاولة استفزازهم للنزول إلى الشارع، وباتجاه الجيش في منطقة رأس بعلبك القاع، وفي الوقت نفسه يقومون بعمليات عسكرية على الأرض في محاولة لفك الطوق عنهم في منطقة جرود عرسال».

وفي السياق، استهدف مجاهدو المقاومة والجيش السوري بقذائف المدفعية مقراً لمسلحي «داعش» أثناء اجتماعهم عند معبر ضهر علي في جرد قارة بالقلمون ما أسفر عن مقتل عدد من المسلحين عرف من بينهم أبو مصعب لحاف وأبو كتابة وأسامة شعاره وأحمد وردة إضافة إلى إصابة سبعة مسلحين. وواصل الجيش استهداف تحركات المسلحين التكفيريين في جرود عرسال وجرود راس بعلبك بالمدفعية.

حوار عين التينة

في وقت تعقد الجولة الرابعة عشرة للحوار بين تيار المستقبل وحزب الله الأربعاء في الأول من تموز المقبل، في عين التينة لمتابعة البحث في المواضيع المطروحة على طاولة الحوار والمتعلقة بالوضع الأمني والاستحقاق الرئاسي والملف الحكومي، لا تزال المشاورات الحكومية تراوح مكانها. ورأى وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور «أن الأزمة السياسية متمادية»، مشيراً إلى «أنه لا يبدو أن حلاً ما يلوح في الأفق». ولفت وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب إلى «أننا سنشارك في جلسة مجلس الوزراء عندما يدعو إليها رئيس الحكومة، وأنه علينا التحاور والاتفاق إذا كانت هناك شراكة وطنية حقيقية»، قائلاً: «لا أفهم ما الذي يمنع إقرار التعيينات ولا أفهم أسباب الشغور في المؤسسات ونريد حلاً».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى