إشارة ثقافية قوية عن تآلف السوريين على امتداد مشاربهم الثقافية والقومية
لوحات ومقطوعات غنائية راقصة عدّة، كانت مقدّمة لمهرجان «قوس قزح سورية»، الذي افتتح الموسم الجديد لعروض دار الأسد للثقافة والفنون، ليتجلى ذلك بلوحات راقصة قدّمتها فرقة «أجيال للمسرح الراقص»، جنباً إلى جنب مع فرقة «التخت الشرقي» بقيادة الفنان نزيه أسعد، وبمشاركة عدد من مغنّي التراث الشعبي من كل البلدات والمدن السورية.
الحفل الذي حضره وزير الثقافة السوري عصام خليل، افتتحته مقطوعة موسيقية من ناي منفرد، ليتبعها أداء فرقة «التخت الشرقي» أغنية «أبو الزلف»، فمقطع راقص لفرقة «أجيال» على أغنية «يادلهو»، إضافةً إلى لوحة راقصة أدّاها راقصو فرقة «أجيال» بعنوان «عاليادي»، إذ برع كل من الفنان نزيه أسعد بمشاركة الفنان باسل حمدان في تقديم بانوراما غنائية حركية راقصة تجلّت فيها كثافة التراث السوري وعبقريته في الرقص والزيّ، عبر مجاميع الراقصين وبمشاركة الكورال الذي عبّر صوتياً عن فرادة هذا التراث وتشابكه في الجملة والإيماءة وطرق التعبير الجسدي.
«أنا في سرير الله»، هو الموال الذي قدّمته فرقة «التخت الشرقي»، لتتبعه بموشح «لما بدا يتثّنى» من التراث الحلبي، أعقبه موال من التراث الساحلي بعنوان «إذا مات وردك مات فلّي»، إضافةً إلى أغنيات جبلية مثل: «علوش»، «يا جميلة»، «عيوش»، لتؤدّي بعدها الفرقة الراقصة لوحة بعنوان «الشام يا محبّة» وبمشاركة أصوات سورية واعدة مثل عبد الوهاب الفراتي ومالك غريغو وحسام العلي وعلي الشيخ وتهامة سعيد ولينا الشاهين وأحلام ديب.
اليوم الأول من مهرجان «قوس قزح سورية» الذي سيمتد لخمسة أيام على مسرح الدراما، كان حافلاً بكل أطياف الغناء الفلكلوري الذي زادت دار أوبرا دمشق من اهتمامها به في الآونة الأخيرة، إذ قدّمت «التخت الشرقي» أغنية من التراث الحموي بعنوان «سمعت عنينك ناعورة»، إضافةً إلى لوحة غنائية من محافظة السويداء بدأتها بموال «خسا مين قال عيشتنا ذليلة»، أتبعتها بأغنية «لاكتب ورق وأرسلك».
مقطع راقص وحيوي قدّمته بدورها فرقة «أجيال» بعنوان «عالعميم عالعمام رفرف يا طير الحمام»، إذ بدا واضحاً اهتمام فرقة «التخت الشرقي» باتجاهها إلى الموسيقى والغناء من التراث السوري، وذلك لتعريف الحضور على المفردات التراثية بالطقوس المختلفة من كل المحافظات السورية. فهذه الفرقة السورية تشمل كل الآلات الموسيقية الشرقية، والهدف من تشكيلها تسليط الضوء على الألحان العربية والسورية وإعطاء المساحة المناسبة لكل آلة موسيقية للتعبير عن هوية الموسيقى السورية بمرافقة الكورال.
يذكر أن المهرجان سيقدم في أيامه المقبلة لوحات راقصة وغنائية من التراث: الشركسي والأرميني والكردي والسرياني الآشوري، في إشارة ثقافية قوية عن غنى السوريين وتآلفهم على امتداد مشاربهم الثقافية والقومية.
ففي اليوم الثاني، تقدّم الفرقة الفنية التابعة للجمعية الخيرية الشركسية لوحات آرامية تقدّمها «لونا للغناء الجماعي»، فيما تقدّم فرقة «برمايا للتراث السرياني» في اليوم الثالث لوحات آشورية. أما فعالية اليوم الرابع فهي لفرقة «ميغري للتراث الأرميني» والفنانة سيلفا كجهجيان. وختام الفعاليات في اليوم الخامس مع فرقة «آشتي للفولكلور الكردي» برفقة مجموعة من المغنّين.
ويعتبر مهرجان «قوس قزح سورية» نافذة للاطلاع على التراث الشعبي في مختلف المناطق السورية والذي يتميّز بالغنى والتنوّع، من دبكات ورقصات وأزياء شعبية. إذ تتنوع الدبكات بحسب التنوّع الطبيعي الذي تزخر به البيئة السورية بين الساحل والداخل وفي السهل والجبل مروراً بالأرياف والمدن والبادية.
وهناك ثمانية أنواع للدبكة السورية وفق ما يقوله الباحث وجيه وهبة الخوري وهي: الدبكة الغربية، اللوحة، النسوانية، الطبيلة البداوية، الدندشية، العثمانية. وتجسّد الدبكة مواضيع شعبية عدّة مثل الحصاد وقطف الزهور وقطاف القطن والزيتون وغيرها من النشاطات اليومية.
ومن أشكال الدبكات السورية «الدلعونا» في الفرات والمنطقة الساحلية، «المثلثة الطرطوسية»، «الماني الديرنجية»، «الحنّة الحورانية»، «الميجة والسحجة» في حوران، «الشمس» في القلمون، وتسميات أخرى مختلفة. إلّا أن الطقوس مشتركة في كل المناطق السورية، خصوصاً دبكات الأعراس.
أما الرقصات الفولكلورية، الشركسية، فتتميز بحركاتها الحيوية وإيماءاتها المعبّرة وموسيقاها المبهجة وثيابها الملوّنة. إذ تعبّر طريقة الرقص عن الشخصية الشركسية بما تتّصف به من فروسية ولمحات إنسانية وإعجاب وفخر كرقصة «القافا» التي تجسّد الثراء والكرم.
فيما يعتبر الرقص الشعبي السرياني الآشوري نوعاً من أنواع الرقص الحلقي الجماعي الذي ينتشر بشكل خاص في المهرجانات الخاصة بهم مثل «خابنيسان» وأعياد الميلاد ومراسم الزواج. وتستخدم مع هذه الدبكات عدة آلات موسيقية مثل الزرنة والطبل والعود.
كما يقدّم المهرجان رقصات أرمينية. والرقص الأرميني قديم جدّاً وتتنوّع فيه حركات الراقصين، ما يستدعي وجود إيقاعات متنوّعة للرقصات، أشهرها الرقصة الحربية التي يؤدّيها شابان يتبارزان بالسيف، وقد جسّدها المؤلف الموسيقي خاتشادوريان في القطعة الموسيقية الشهيرة «رقصة السيوف».
ولا يخلو مهرجان «قوس قزح سورية» من الدبكة الكردية التي هي نوع من أنواع الدبكة التقليدية، أو ما يسمى برقص تشابك الأيدي ضمن حلقة دائرية الشكل مع راقص مستقلّ أو من دونه. وتختلف هذه الدبكة في بعض تفاصيلها وعدد خطواتها ذهاباً وإياباً بحسب المنطقة أو القرية المنسوبة إليها. ومن أنواعها: الدبكة التقليدية، ثلاث خطوات، هورزة، وبازو.