الشعب السوري يعرّي المعارضة والإرهابيين ويصفع الغرب
حسن حردان
لم يكن مشهد الإقبال الشعبي الكثيف على انتخابات الرئاسة في داخل سورية بأقلّ من مثيله خارج سورية، لا بل يمكن القول إنه كان يضاهيه من حيث الحماسة وتحدّي الإرهاب في المناطق المحاذية للاشتباكات. وقد كان واضحاً أنّ الشعب السوري قد عبّر بذلك عن وطنية فائقة، وتمسك بالدفاع عن وطنه وحرية قراره في اختيار رئيسه، والإفصاح على الملأ أنه ينتخب الرئيس بشار الأسد الذي أثبت طوال مراحل الأزمة أنه أهل لقيادة سورية والتعبير عن تطلعات شعبها في الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً ومؤسسات، ورفض الرضوخ للضغوط الخارجية بالتخلي عن ثوابت سورية الوطنية والقومية لصالح الالتحاق بمعسكر أعدائها من دول الغرب والعدو الصهيوني والدول التي تدور في فلكهم.
وبدا واضحاً أنّ هذا المشهد السوري الوطني قد عرّى تماماً ما سُمّي بالمعارضة، وأسقط عنها ورقة التوت، التي طالما استترت خلفها لتدعي طوال مراحل الأزمة أنها هي من يمثل إرادة الشعب السوري، غير أنّ الردّ جاء بالأمس قوياً صاعقاً وكاشفاً حقيقة هذه المعارضة المزيفة التي لا تعدو مجرّد دمى تحرّكها الدول الغربية لخدمة أهدافها الاستعمارية.
أما القوى الإرهابية المسلحة التي تسللت إلى داخل سورية عبر دول الجوار وبدعم أميركي غربي ـ خليجي ـ تركي ولبست ثوب الدين للتعمية على الدور الحقيقي الذي قدمت من أجله إلى سورية. فإنه بعد انكشاف هذا الدور ومدى ارتباطها بأعداء سورية. وإماطة اللثام عن زيف ادّعاءاتها بالانتماء إلى الإسلام، فقدت البيئة الحاضنة، التي انخدعت بها في البداية، وباتت اليوم تقاتل وحيدة ليس فقط من أي احتضان أو تأييد كانت تحوز عليه في بعض مناطق سيطرتها، بل أيضاً خسرت دعم الكثير من الدول التي مولتها ودعمتها وباتت تصنف من قبلها على أنها قوى إرهابية تشكل خطراً عليها.
وبالمقابل فإنّ الدول الغربية والخليجية ومعها العدو الصهيوني أصيبت بالدهشة والصدمة والذهول لما شاهدته من ارتفاع في حجم التأييد الشعبي للرئيس الأسد، الذي أصبح اليوم أقوى بما لا يُقاس عما كان عليه في السابق، وهو ما وجّه صفعة قوية إلى خطط واشنطن التي استهدفت النيل من شعبيته وإزاحته عن سدة حكم سورية، للإتيان برئيس يأتمر بأوامرها وينفذ سياساتها التي تخدم مصالح «إسرائيل» ومصالحها في إحكام سيطرتها الاستعمارية على المنطقة.
لكن، بالقدر الذي سعت فيه أميركا وحلفاؤها لإسقاط سورية والسيطرة عليها. وجعلها نقطة تحوّل لإعادة تعويم هيمنتها على كامل المنطقة العربية، واستطراداً على العالم، بقدر ما أنّ فشلها في بلوغ ذلك يشكل نقطة تحوّل بالاتجاه المعاكس، فصمود سورية وبقاؤها موحدة على ثوابتها العروبية المقاومة يحمي عروبة المنطقة، ويعطي قوة لكلّ الأحرار العرب في تعزيز نضالهم لاستعادة استقلالهم وإحباط مخطط الربيع العربي الأميركي، بالتالي يعيد استنهاض المشروع القومي التحرّري الذي استهدف المشروع الأميركي إسقاطه لمصلحة الإتيان بمشروع إسلاموي يخدع الجماهير العربية ليجري بعد ذلك إعادتها إلى زمن الخضوع للسياسات الغربية عبر إعادة إنتاج سياسات الأنظمة التي سقطت، وبالتالي تجديد شكلها، من دون أن يطاول ذلك مضمونها الذي يهمّ الغرب أولاً وآخراً.
وما جرى في مصر من سقوط للمشروع الإخواني ما هو إلا مؤشر على هذه الصحوة الجماهيرية، فيما ليبيا التي أريد لها أن تشكل قاعدة لتصدير الفوضى إلى المنطقة تتحكم بمصيرها أميركا والدول الغربية وصولاً إلى الاستيلاء على ثرواتها النفطية، تبدو اليوم وقد خرجت عن سياق السيناريو الأميركي، وأصبحت تعيش التشظّي على كلّ المستويات فيما انتشر وقوي عود تنظيم «القاعدة» فيها الذي ينشط تحت اسم «أنصار الشريعة» وباتت الفوضى العارمة التي انفجرت أخيراً، البيئة النموذجية لعمل هذا التنظيم، مما أقلق واشنطن وحلفاءها، من أن يؤدي ذلك إلى تهديد المصالح الأميركية في كلّ المنطقة وبالتالي إضعاف النفوذ الأميركي فيها.
وهكذا تحوّل إسقاط نظام القذافي عبر التدخل العسكري لحلف الناتو إلى وبالاً على الغرب، فانقلب السحر على الساحر. أسقط نظام القذافي الذي كان يؤمن مصالح الغرب، لكن لم تعثر أميركا على بديل له أفضل منه قادر على خدمة مصالحها. وباتت اليوم قلقة من خسارة ليبيا كما خسرت العراق.
فهي اليوم تواجه مأزقاً مزدوجاً، من جهة تدخلها العسكري في ليبيا يعني تورطاً برياً سيقود إلى غرقها في حرب استنزاف جديدة لا تستطيع تحملها ويرفضها الشعب الأميركي، ومن جهة ثانية فإن عدم تدخلها سيؤدي إلى تكريس فشلها وإضعاف هيمنتها في المنطقة وما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية على مجمل مصالحها في المنطقة.
هكذا يمكن القول إنّ سورية اليوم، وهي تصنع النصر ضدّ أعدائها، تسهم في زيادة مأزق المشروع الأميركي في كلّ المنطقة وتؤسّس لعودة الروح الثورية التحررية، واستطراداً خلق موازين قوى جديدة لمصلحة قوى المقاومة والتحرّر من الاحتلال الصهيوني والتبعية للاستعمار.