روسيا من مبادرة بوتين إلى نظام الأمن الجماعي…

سومر صالح

مبادرتان روسيتان في أقلّ من شهر تقريباً، الثانية منها تؤطر الأولى وتجعلها أكثر واقعية وقرباً من التطبيق، متجاوزة الطابع الآني الظرفي للمبادرة الأولى، لتدخل في سياق استراتيجي يقدم مقاربة أوسع لحل الملفات الأزموية في الشرق الأوسط، حيث ذكرت وزارة الخارجية الروسية في بيان أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيبحث خلال زيارته لدولة قطر يومي 2 و3 آب الجاري قضايا تسوية الأزمة السورية ومكافحة تنظيم «داعش» الإرهابي، ونوهت الخارجية الروسية إلى أن الجانب الروسي سيلفت اهتمام قطر إلى المبادرة الروسية لإنشاء منظومة الأمن الجماعي في هذه المنطقة الاستراتيجية انتهى الاقتباس، نعم الخارجية الروسية تتكلم عن نظام للأمن الجماعي سيجري مناقشته مع قطر ولاحقاً مع السعودية والولايات المتحدة، وللتذكير كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد طرح أخيراً فكرة إقامة تحالف مشترك بين روسيا وتركيا والسعودية وقطر والولايات المتحدة، إضافة إلى سورية لمكافحة الإرهاب أثناء زيارة السيد وزير الخارجية السوري لموسكو بتاريخ 29 حزيران الماضي، ما استدعى رداً دبلوماسياً سورياً بأنّ هذه المبادرة تحتاج إلى «معجزة»، هذا الرد الدبلوماسي أشار بوضوح إلى افتقار ذاك الطرح لمقومات النجاح في حينه على أهميته، وكان على ما يبدو محل جدال ونقاش داخل القيادة الروسية، الأمر الذي استدعى تغييراً في شكل الطرح دون جوهره فكان الاتجاه إلى محاولة بناء نظام جماعي للأمن في الشرق الأوسط، يكون التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب محوره، هنا سأتوقف قليلاً على مدلولات هذه المبادرة الجديدة، فنظام الأمن الجماعي في اصطلاح العلاقات الدولية هو مجابهة أيّة محاولات لتغيير الواقع السياسي الدولي أو الإقليمي أو الإخلال بعلاقاته وأوضاعه بطرق غير مشروعة ، بواسطة تنفيذ إجراءات وتدابير دولية متفق عليها تعمل بشكل موحد كقوة مضادة لمحاولات التغيير، وإذا ما أضفنا على هذا المفهوم مبادرة الرئيس بوتين يكون العدو الأساسي في هذه الرؤية الروسية هو تنظيم «داعش» الإرهابي، ولكن ما الجديد الذي أضافته روسيا إلى مبادرة الرئيس بوتين، النقطة الأولى: أنّ التحالف الدوليّ ضد داعش وفق المبادرة الأولى لا يمنع القوى المتحالفة من الاستمرار بسياسة دعم الميليشيات السورية المعارضة تحت مسمى «الاعتدال» وهذه النقطة بالتحديد محل رفض سوري مطلق، بينما يستند نظام الأمن الجماعي إلى معاهدة تمنع تغيير الواقع السياسي بالقوة وهو ما تقضيه حاجات حل الأزمة السورية. أمّا النقطة الثانية: وهي الأهم أنّ مبادرة الرئيس بوتين كانت قد أخرجت إيران من دائرة التحالف وهو خطأ استراتيجي كان من شأنه تعقيد الموقف في الشرق الأوسط إن لم نقل تأزيمه وهذا الأمر سيتم تفاديه بكل تأكيد بنظام الأمن الجماعي الذي سيشمل كل القوى الشرق أوسطية ويقيم نوعاً من التوازن الاستراتيجي بين محاوره، النقطة الثالثة وهي أن مبادرة بوتين تستند إلى مبدأ «تحالف الضرورة» في مواجهة «داعش»، بينما تستند الرؤية الجديدة إلى منظور استراتيجي أكثر ديمومة وثباتاً، النقطة الرابعة: مبادرة السيد بوتين تبقى في إطار المساعي الحميدة لحل الأزمات الدولية وإنجازه يحتاج إلى موافقة أميركية، وهو أمر لن يتم بمجرد توافر النوايا الحسنة لحل الأزمات، بل يحتاج إلى إطار سياسيّ يراعي التوازنات الدولية ويقيم نوعاً من التوازن في المصالح المتضاربة، وهو أمر توفره رؤية نظام أمن جماعي في الشرق الأوسط… وعلى ما يبدو القيادة الروسية جادة في الطرح وتعمل بشكل عقلاني على إنجاحه، فمن أولى مقومات نجاح هذا الطرح هو «النضوج التاريخي» وهو أمر كان محل عناية روسية حيث أشار البيان بوضوح إلى جهود روسية خلال السنوات الأخيرة لإنجاح الطرح، هذه الرؤية الجديدة للقيادة الروسية لا تحتاج إلى معجزات لتحقيقها بخلاف المبادرة الأولى كونها تستند إلى قراءة واقعية لسياسات وأزمات دول الشرق الأوسط تقوم على رؤيتين: الرؤية الأولى تنطلق من أن المشكلة الأساس في الشرق الأوسط هي توتر العلاقات السعودية ـ الإيرانية وما استتبعه من أزمات افتعلتها السعودية وحلفاؤها لمواجهة ما يسمى «النفوذ الإيراني»، الثانية قلق خليجي من حدوث فراغ استراتيجي نتيجة سياسات الولايات المتحدة في المنطقة، قلقٌ أفقد سياساتها الهدوء والعقلانية وهو أمر دفعها إلى حضن «إسرائيل» عدوها التاريخي هرباً من تمددٍ إيراني مفترض، فكان اتجاه القيادة الروسية على حل الأزمات استناداً إلى أسبابها وليس تداعياتها، فنظام الأمن الجماعي يزيل هواجس الدول الخليجية من المحور الآخر، ويصبح النظام الجديد أساساً يضمن صيغ نظم الحكم القائمة لأن جوهره يمنع استخدام القوة في تغيير الواقع السياسي، وبالتالي يحل جزئياً مكان الولايات المتحدة في ضمان تلك الصيغ، النقطة الثانية، يستند حل أيّ أزمة مستجدة أو قائمة إلى مبدأ الحوار وليس الصراع، وبالتالي سيكون الحل توافقياً وهو ما يحقق حداً لا بأس به من الاستقرار لدول الشرق الأوسط… في الختام، من السابق القول إن الشرق الأوسط دخل مرحلة جديدة بدأت إرهاصاتها الأولى تتضح من خلال الطرح الروسي المتوازن، لأن ما زالت دونه عقباتٌ ليست سهلة وبحاجة إلى حوار عميق وتفاهمات كبرى مع الأطراف الدولية والإقليمية، ولكن من الثابت القول أيضاً إنّ مقاربة دولية بدأت تتبلور لمستقبل الشرق الأوسط عنوانها مثلث متساوي الأضلاع يقوم على توازن المصالح ومنع تحول تلك المنطقة الاستراتيجية إلى خزان للإرهاب العالمي، ومنع تغير الأنظمة السياسية بالقوة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى