الحراك: تبادل الأدوار بين واشنطن وموسكو
عامر نعيم الياس
تنضج مفاعيل الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتّحدة باعتبارها عنواناً لمفاوضات وباقي الدول الغربية التي تسير في الركب بناءً على ابتسامة هذا الأميركي الحاكم للعالم منذ الحرب العالمية الثانية. لا شيء في المنطقة يوحي بأن الأمور تسير إلى التعقيد، هو حراكٌ دبلوماسي رفيع المستوى تشهده المنطقة، مبادرات تختصر في أولى من موسكو وثانية من طهران، لا تريد واشنطن أن تطرح مبادرةً خاصةً بها فهي حتى اللحظة لا تزال تصر على التفسير الخاص بها لـ«جنيف 1»، فيما مشاركتها الصامتة في الحراك الدبلوماسي تشير إلى مغادرتها معسكر التفسير الخاص بها لبيان «جنيف 1» والخاص «بالمرحلة الانتقالية»، فيما انتقل الحديث عن مصير الأسد إلى مستقبل سورية لا حاضرها. وفي هذا الإطار تأتي المبادرة الإيرانية المعدّلة لحل الأزمة السورية والتي تقارب مصير الأسد والبلاد بما يتطابق إلى حدٍّ ما مع واقع مزّق ادّعاء بعض الأطراف لحقوقهم الحصرية في البلاد، فإن كنت تملك رصيداً شعبياً وافراً وكنت ممثلاً للشعب السوري لتتجه إلى صناديق الاقتراع تحت رقابة دولية وأممية بندٌ رابع تسبقة ثلاثة بنود، أولها الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار، وثانيها تشكيل حكومة وحدة وطنية. أما ثالثها فيتضمن إعادة تعديل الدستور السوري بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية في سورية.
وكان مسؤول إيراني رفيع المستوى قد لفت لقناة «الميادين» إلى أن «المبادرة قُدّمت، والتشاور في شأنها مع تركيا وقطر ومصر ودول أعضاء في مجلس الأمن».
نحن أمام مبادرتين وإدارتين للحوار عبر الدولتين الكبريين مع خصومهما، تبادلٌ للأدوار في لحظةٍ يحتاج فيها الجميع إلى الخروج من المأزق الإقليمي. نحن أمام توازنٍ للقوى على الأرض يهدد بانفجار الأوضاع في المنطقة في ضوء معطيين هامين يقلقان الكبار قبل الإقليم ودوله: الأول وهو ما بات معروفاً بخروج «داعش» عن نطاق السيطرة والتساؤلات حول عودة الإرهابيين الإسلاميين إلى دولهم التي أتوا منها في ضوء حملة التطويع الدولية لإدارة الحرب على سورية. أما الثاني والأهم والطارئ فهو يتعلق بتعميم الإرهاب ليتعدى «داعش» والبدء بتطبيق المقررات الأميركية التي تشمل «جبهة النصرة» المصنّفة إرهابيةً، مع أن المحاولات في هذا الإطار لم تصل بعد إلى المستوى المطلوب، لكن يمكن القول إن ما تنفذه «جبهة النصرة» من تمردٍ معلن على «معتدلي» واشنطن بات من الصعب التغاضي عنه في دوائر صنع القرار في واشنطن، وإن كانت بعض الدوائر الأميركية تدفع إلى اعتماد «حركة أحرار الشام» بديلاً عن النصرة، على اعتبار «أحرار الشام» ليست الذراع الرسمية لـ«القاعدة» ليس إلا.
في ضوء ما سبق، نحن في واجهة حوارين ومسعيين للتقارب وإعادة التأسيس لنظام إقليمي جديد، الأول، حوار أميركي ـ إيراني يجري في سياق الاتفاق النووي ويتجاوزه بعد تحقيق الاتفاق إلى القضايا الكبرى في المنطقة، أوباما، في قرارة نفسه، يراهن بعد الاتفاق ويتمنى «ترشيداً لسلوك إيراني مسؤول» في ملفات تهم واشنطن، فيما طهران «تفسّر معنى المسؤولية» وفقاً لما تريده هي ويحقق مصالحها، فالمسؤولية التي تفاوضت بها إيران لا تعني التنازل والمقايضة.
الحوار الثاني والذي يسير بالتوازي مع الأول هو الحوار الروسي ـ السعودي، موسكو قادت وساطة كسر الجليد واللقاء المعجزة الذي جمع رئيس مكتب الأمن الوطني السورية اللواء علي مملوك بوليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، فيما شاركت مباشرةً عبر وزير الخارجية لافروف بلقاءٍ في الدوحة جمعه بنظرائه السعودي والقطري والأميركي، لقاءات من أجل التأسيس لقواعد حوار جديدة تتولى فيه واشنطن وموسكو دورين خارجين عن المألوف في الحوار مع حلفاء الطرف الآخر على قاعدة دفع الدول الكبرى لدول الإقليم إلى السير في ركب التغيير الجديد في تقاسم النفوذ في المطقة بطريقة غير مباشرة على قاعدة التوافق والتقارب والبحث عن المشتركات في المواقف.
هو حراكٌ تشهده المنطقة من موسكو إلى الدوحة إلى طهران إلى القاهرة، لا شيء محظوراً في الحوار والمبادرات الناظمة له طالما أن العنوان الجامع لكافة الأطراف هو «الحرب على الإرهاب».
كاتب ومترجم سوري