الجولان: ساحة الفعل الصهيوني الجديدة
عامر نعيم الياس
حيّدت أراضي الجمهورية السورية عن الفعل العسكري الصهيوني الانتقام الاستعراضي والدموي على مدى عقود، مناطق عمل رخوةٍ أخرى كانت تشكل ساحات الوحشية الصهيونية والردع والتدمير النفسي للمواطن القاطن في دول الطوق. فمن جنوب لبنان إلى فلسطين المحتلة بطبيعة الحال، عمل جيش الاحتلال على استعراض قوّته بين الحين والآخر، واضعاً الظروف التي تعيشها دول ساحات الفعل العسكري الصهيوني الانتقامي وعدم القدرة على الرد الطبيعي على الاعتداءات الصهيونية المتكررة في الحسبان. هذا كان حال جنوب لبنان قبل تبلور القوة النهائية الكاملة والرادعة للمقاومة الإسلامية في لبنان والمقاومة الوطنية. وهذا كان حال بعضٍ من فلسطين المحتلة وتحديداً في قطاع غزة، إذ أصبح الردّ على الغارات الصهيونية والقصف الوحشي جاهزاً ومؤلماً ولا يمكن الالتفاف عليه في أي نزعة صهيونية للضرب في لبنان وفلسطين المحتلة.
اليوم نشهد تحوّلاً في المشهد سواء من محور المقاومة أو من الكيان الصهيوني الذي يبدو أن حسابات مؤسسته العسكرية للردع وحتى استهداف النقطة الأكثر تهديداً لأمن الكيان المحتل انتقلت إلى الجولان السوري المحتل والشريط الحدودي الفاصل الموازي للمنطقة المحتلة في القنيطرة المحررة، وغيرها من قرى الجولان السوري في الجانب المحرر، فرفع سقف المواجهة والردع مع الكيان الصهيوني، وترسيخ مفهوم المقاومة الشعبية في الجولان، وانسحاب قوات الفصل الأممية الموجودة على المعابر بين الأراضي السورية والقسم المحتل من الجولان، وملء الفراغ من جانب المجموعات الإسلامية المسلّحة المرتبطة مباشرةً بالاستخبارات «الإسرائيلية»، كل ما سبق أدى إلى تحوّل الجولان وجنوب سورية إلى ساحة فعلٍ تكتسب أهمية مضاعفة في ضوء ما يمكن تسميته إصرار القوى الإقليمية قبل الدولية على تقسيم سورية وإنشاء مناطق آمنة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر على الأراضي السورية سواء في شمال البلاد أو في جنوبها، وهو ما لم يتم شطبه من دوائر صنع القرار الخاصة بإدارة الحرب على سورية حتى اللحظة.
دخلت المؤسسة العسكرية الصهيونية العدوانية على الخط في سورية، فالتهمة جاهزة والكيان ليس بحاجة إلى إذن. فهو أكثر تحرراً من قيود الناتو وضغوط الداخل. فالحرب روح المحتل الذي يسرح ويمرح على أراضينا منذ عام 1948، وضرورة التدخل في سورية لا تعلو عنها أي ضرورة أخرى. والواضح أن تنفيذ غارات بعمق 15 كيلومتراً في الجولان السوري، واستهداف المدنيين في سياراتهم، ومبنى محافظة القنيطرة، مقدمة للتحضير لعدوان واسع عاجلاً أم آجلاً في المنطقة الجنوبية في سورية يرمي إلى ردع الدولة السورية وحزب الله أولاً، وثانياً تسخين الجبهة الجنوبية الممتدة من ريف دمشق إلى درعا فالقنيطرة والقرى الجولانية المحاذية للشريط المحتل على أمل دفع المجموعات العميلة هناك إلى قضم المزيد من المساحات الجغرافية واستعادة زخم معركة الجنوب أو «عاصفة الجنوب»، بعد توقف الإنجازات الميدانية لهذه المجموعات وعلى رأسها «النصرة» مع احتلال «اللواء52» قبل حوالى أربعة الأشهر، واصطدام هذه المجموعات بعملية إعادة انتشار فعالة ومحسوبة للجيش السوري والقوات الرديفة في كامل جنوب سورية أدت إلى وقف التدهور في المنطقة الجنوبية وإفشال خطط غرف العمليات المتنوعة المنتشرة في الكيان الصهيوني والأردن.
الردّ السوري على الغارات الصهيونية الغادرة ليس بحاجة إلى تبرير ولا إلى العودة إلى الاسطوانة المشروخة التي تتحدث عن الرد في المكان والزمان المناسبين. فالجيش السوري يردّ على العدوان ويقاتل «جيوشَ» لحدٍ، لا جيشاً واحداً. والجولان السوري تحوّل إلى ساحة فعلٍ جديدة يتداخل فيها المحلي بالإقليمي والدولي. وما يحصل اليوم وإن كان على الأرجح اختباراً لرد الفعل من جانب دمشق والحلفاء وإنذاراً لهم بضرورة عدم اللعب بالتوازنات في الجولان وجنوب سورية، إلا أنه في المقابل يعدّ مقدمةً لحرب واسعة في المنطقة الجنوبية ستأتي ويتوجب التحضير والتحسّب لها على المدى المتوسط قبل الطويل.
كاتب ومترجم سوري