زوار موسكو يغازلون دمشق…
جمال العفلق
لم تكن الضغوط التي تعرضت لها موسكو طوال فترة الحرب على سورية بالضغوط السهلة والعادية فعلى وقع الترغيب مرة والترهيب مرة أخرى عقد أعداء سورية آمالاً كثيرة على تغيير موقف موسكو أو وضعها على الحياد في أسوأ الأحوال، ولكن الواضح أن موسكو التي خسرت نتيجة ثقتها في بعض الأحيان بالغرب وأحيان أخرى نتيجة خطأ في التقدير مواقع كثيرة بدأت في بغداد وانتهت في دول شمال أفريقيا حيث تعرضت مصالحها للتدمير كما حدث في ليبيا.
أما في سورية، فيعلم الروس أن دمشق هي العاصمة العربية الوحيدة التي بقيت تحترم تعهداتها وتحالفها مع موسكو، كما أن سورية تمثل خط الاتصال الوحيد للروس في الشرق الأوسط وهذا التحالف ليس بالجديد فهو مستمر منذ أكثر من ثلاثة عقود، ولا تجد موسكو حرجاً في إعلان دعمها لدمشق حيث القضية اليوم هي صراع إقليمي شكله عسكري وباطنه اقتصادي. ويعلم الروس أن سقوط حليفهم في الشرق قد يغير أوضاع المنطقة لمئة سنة مقبلة ولن تكون روسيا أو الصين بعيدتين من آثار هذا السقوط إذا ما حدث. وعلى رغم تقديم دول النفط المعادية لسورية إغراءات مالية كبيرة إلا أن روسيا بقيت على موقفها المبني على إجماع دولي هو جنيف واحد وتمسك الروس بموقفهم بحق الشعب السوري اختيار مصيره ولا يجب أن تكون هناك وصاية علية من أحد.
وعلى رغم معرفة زوار موسكو موقفها إلا أنهم قرروا زيارتها والهدف رسائل إلى دمشق فما ينشره هؤلاء من تصريحات نارية ضد السوريين ليس فيه ما يقال في الاجتماعات المغلقة. فالتفويض الأميركي لموسكو وخصوصاً بعد الانتهاء من الاتفاق النووي الإيراني والذي كان لموسكو دور ايجابي فيه، جعل من موسكو قبلة لأعداء سورية لعلهم يجدون لدى القيادة السياسية هناك ما يخرجهم من هذا العدوان ببعض ماء الوجه، فتحالف الحرب على سورية فقد كل أوراقه الضاغطة، فالجماعات الإرهابية لم تحقق الهدف المطلوب منها جغرافيا كما أنها أصبحت منبوذة من الشعب السوري وتلك الجماعات على اختلاف المسميات لم تكن قوة ضاربة كما صورها الإعلام المعادي للشعب السوري، أما الكيان الهزيل المسمى ائتلاف الدوحة فهو منشغل بجمع الأموال وتقسيمها في ما بين الأعضاء حيث الفضائح المالية تطاول جميع من فيه والأرقام كبيرة حيث أصبح أعضاء هذا الكيان من الأثرياء وأصحاب العقارات في أوروبا وأميركا وما خفي كان أعظم. ولم يعد مقبولاً أن يبقى هذا الكيان ممثلاً لتحالف العدوان أو متحدثاً باسمة. وإذا كانت اليوم عمليات إنعاش هذا الكيان تتم بين الحين والآخر من خلال محطات إعلامية محددة فهذا الأمر لن يطول.
فماذا يريد أعداء سورية من موسكو؟ من الواضح أن عملية الاستدارة على مواقف وتصريحات دول العدوان ليست بالأمر السهل والتسليم بانتصار محور المقاومة، هو أمر لا يمكن أن يقبل به فمجرد القبول بهذه الفكرة هو بحد ذاته تدمير لعمل استمر خمس سنوات كان أساسه التجييش المذهبي ضد سورية كما أن دول العدوان ستكون مجبرة على إعلان البراءة من الإرهاب والإرهابيين، وهذا أمر مكلف عليها أمنياً حيث انقلابها على الجماعات الإرهابية ووقف تمويلها سينتج منه ارتداد تلك الجماعات على هذه الدول وخصوصاً تركيا والأردن الأقرب جغرافيا على سورية. ولم يقتصر فشل العدوان على سورية بتحقيق أهدافه فحسب بل تحول هذا الفشل إلى حالة قلق نتيجة توسع داعش على رغم محاربته من قبل التحالف المزعوم والذي ضم ستين دولة لم تكن ضرباتها الجوية في العراق وبعض المناطق السورية إلا عمليات استعراض، لا جدوى منها إلا الحصاد المالي الكبير الذي حصلت عليه بعض الدول المشاركة ومنها أميركا ولهذا كان يجب البحث عن مخرج عبر موسكو التي زارها أعداء سورية للاستماع إلى مقترحات الحل، وكان لا بد من إشراك مصر في هذه المحادثات خصوصاً أن لمصر موقف معتدل نسبياً بعد سقوط مرسي وتولي الفريق السيسي للحكم. واشتراك مصر في هذه المحادثات هو دليل جديد على وجود مشاكل غير معلنة بين مصر والسعودية، فتخلي مصر جزئياً عن حليفها السعودي في عدوانه على اليمن وعدم تبلور مشروع ما يسمى القوة العربية المشتركة حتى اليوم ما هو إلا دليل جديد على تباعد الأفكار والمصالح.
واليوم لا يمكن أن ينكر أحد أن الأزمة الاقتصادية المتوقعة سوف تطيح بدول تحالف العدوان على سورية، فالأموال المدفوعة من أجل تقوية الجماعات الإرهابية تتبخر أمام ضربات الجيش السوري ومجاهدي المقاومة لتلك الجماعات. وتحاول اليوم تلك الدول إنقاذ ما تبقى لها من فلول الجماعات الإرهابية بالزبداني حيث سيتم نقل المقاتلين إلى مناطق أخرى لإبعادهم من دمشق التي لطالما حلم أعداء سورية بالصلاة في جامعها الأموي.
إن توسع مناطق السيطرة للجيش السوري وتحوله من الدفاع إلى الهجوم في أكثر المواقع وتشرذم القوى الإرهابية في تحدي أولوية أهدافها حيث تتراوح تلك الأولويات بين مصالح تركية وأخرى سعودية ولا تختفي المصالح الفردية من مشهد الحرب على سورية. وهذا ليس سبب بل نتيجة حتمية لتراكم الرصاص على مدى خمس سنوات، كان الشعب السوري يتعرض خلالها لأبشع أنواع القتل، واليوم يستمر قتل هذا الشعب من خلال اللجوء إلى أوروبا حيث يستنزف السوريون مادياً ومعنوياً في محاولة لتفريغ الأرض من أهلها.
ويبقى ما سترد به دمشق على الوافدين الى موسكو هو الفيصل في إنهاء هذه الحرب. فدمشق هنا لا تضع شروطاً بقدر ما تطلب حقاً.