هل تكون القاهرة حجر الزاوية في المبادرات الروسية؟
سعدالله الخليل
في السياسة تكمن البراعة في اقتناص الفرصة المواتية للتحرك حيث يستنفذ الآخرون كلّ الفرص المتاحة، وفي الرياضة يضمن اللاعب الخبير نتيجة النزال بقدر استنزافه قدرات خصمه بأقلّ قدر ممكن من الجهد الذي يبذله لحين اقتناص اللحظة المناسبة للانقضاض وفرض شروطه بما يضمن وهن غريمه وضعف مقاومته.
وعلى مدى السنوات الخمس التي مرّت من عمر الأزمة السورية اختلطت السياسة بالميدان، بل ربما فاق سحر الميدان مفعول السياسة، وغُيّب صوت العقل تحت أزيز الرصاص في فترات لا بأس بها على امتداد الساحة السورية ساهم به من راهنوا على إمكانية اختطاف سورية بعمليات كوماندوس خاطفة تركز على مفاصل حساسة تنهيها بالضربة القاضية منذ البداية مستغلاً عوامل تشويش عمل على إعدادها مسبقاً بشكل متقن ومدروس.
وكما استوعب الجيش العربي السوري تلك الضربات في الميدان، وحوّل المعركة من نزال يحاول الخصم اقتناصه بالضربة القاضية، إلى ميدان مفتوح يستنزف خصمه بالنقاط ويغيّر بالتكتيك ساحاته وفق استراتيجيته، كذلك فعلت في السياسة فقد استوعبت القيادة السورية موجة المبادرات السياسية والعروض المغلفة بالتهديد والوعيد، وتعاملت بهدوء مع خبث لجان تحقيق حاولت تمرير مشاريع إسقاط سورية، وتحمّلت حماقة وربما وقاحة مبعوثين أممين وغربيين فتحت الأبواب لسماع ما لدى بعضهم وأقفلت الحدود في وجه بعضهم الآخر.
سنوات وتراقب سورية وحلفاؤها سلوك خصومها ومحاولاتهم تعمية الحقيقية في المشهد السوري، وسعيهم لسرقة الشرعية من القيادة السورية ومؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والفكرية، ومنحها لأشخاص وكيانات ومؤسسات هلامية كرتونية لا بنية ولا جذور لها، سرعان ما تذوب بفعل السيل الجارف الذي يضعها صانعوها في غماره، بما يرتدّ على الدولة السورية بالنفع ويمنحها مزيداً من الألق بالتزامن مع إدارتها لمعركتها في مواجهة الإرهاب التي اقتنعت بأنها فرضت عليها منذ اللحظة الأولى لإدراكها وحلفائها حقيقة المشروع المرسوم لها.
ربما اقتنعت واشنطن بأنّ ما يجري في سورية إرهاب وربما أدركت أنّ مشروع عقلنة الشيطان وإقناع الآخرين بملائكيته ضرب من الخيال، إلا أنّ القناعة الراسخة التي راكمتها الأحداث تتمثل بعجزها عن المبادرة الفاعلة التي تحدث تغيراً في موازين القوى في السياسة والميدان، وسلمت بأنّ المبادرة باتت بعيدة عن متناول يدها، لتفسح المجال مرغمة للديبلوماسية الروسية التي قرأت لحظة الفشل بعد عام من تحالف أميركي لضرب تنظيم «داعش»، واستحالة بناء معارضة مسلحة معتدلة قادرة على الصمود في وجه مارد التشدّد والتطرف، وهو ما منح القوة لمبادرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بإنشاء تحالف دولي إقليمي تشارك فيه سورية، لمواجهة الإرهاب وإمكانية التطبيق والفعالية بعد فشل الآخرين، ومن هنا بدأ الانفتاح الروسي على القوة المعارضة السورية التي منحتها واشنطن الضوء الأخضر كما فعلت مع الدول الإقليمية لزيارة موسكو، لإيجاد أرضية مشتركة قادرة على العمل البناء، وفي ظلّ تباين مشاريع وارتباطات تلك الدول بقي لمصر مساحة للتحرك الفاعل تستثمر وعُمان عمق العلاقات الطيبة مع الأطراف كافة، وعدم التورّط في مشاريع تفقدها مكانتها وتاريخها وحاضرها، ومن هنا كانت الإشارات المتبادلة والمتزامنة من دمشق والقاهرة وموسكو، والتي تجلت في لقاء الرئيس السوري بشار الأسد على قناة «المنار» بالتأكيد على أنّ التواصل بين سورية ومصر لم ينقطع حتى في عهد مرسي الإخواني، الذي يعد أحلك العهود المصرية نظراً لعمق العلاقة السورية والمصرية، وليأتي تأكيد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من العاصمة الروسية موسكو على التوافق مع الرؤية الروسية في ما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، وهو ما يفتح الباب أمام دور محوري للقاهرة فهل تكون حجر الزاوية في المبادرات الروسية المقبلة.
«توب نيوز»