«الفساد» يوحد العراقيين في تظاهرات عارمة تطالب بالقضاء عليه
شهدت ساحة التحرير والشوارع المحيطة بها تظاهرات حاشدة جمعت مئات الآلاف من المواطنين والناشطين للمطالبة بالإصلاح وبالقضاء على الفساد في مؤسسات الدولة، حيث حمل المتظاهرون الأعلام العراقية والشعارات المنددة بسوء الخدمات.
وفرضت القوات الأمنية إجراءات مشددة حول ساحة التحرير والمناطق القريبة منها تحسباً لحدوث أي خرق أمني، كما نشرت نقاط تفتيش لمنع دخول الأسلحة والآلات الحادة إلى موقع التظاهرة.
وكان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر دعا في وقت سابق أنصاره، من سكان محافظة بغداد حصراً، للمشاركة في تظاهرة اليوم.
كما انطلقت تظاهرات في معظم مدن وسط وجنوب العراق، تزامناً مع التظاهرة الأضخم التي شهدتها بغداد، ففي شرق وجنوب العراق في محافظات واسط وديالى وميسان نظم آلاف من الناشطين المدنيين والمواطنين تظاهرات لمطالبة رئيس الوزراء حيدر العبادي بإعلان حالة الطوارئ وحل مجالس المحافظات ومحاكمة الفاسدين.
وفي منطقة الفرات الأوسط، في محافظات كربلاء وبابل والنجف والديوانية والمثنى، نظم آلاف الأهالي تظاهرات حاشدة للمطالبة بتحسين الخدمات والقضاء على الفساد، فيما فوضوا رئيس الوزراء حيدر العبادي تغيير الدستور، مطالبين بمزيد من الإصلاحات.
وفي جنوب العراق شهدت محافظات ذي قار والبصرة وميسان تظاهر الآلاف، للمطالبة بإصلاح القضاء ومحاسبة الفاسدين، كما طالبوا بإقالة رئيس السلطة القضائية مدحت المحمود ومحاسبة الفاسدين والمقصرين.
هذا وأوعز رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي جميع قيادات العمليات والقيادات الأمنية في بغداد والمحافظات بفتح الشوارع الرئيسية والفرعية المغلقة ووضع خطط لحماية المواطنين والمراجعين إلى دوائر الدولة من الهجمات الإرهابية، ضمن الحزمة الثالثة من الإصلاحات. وأصدر أوامره إلى القيادات الأمنية في بغداد بوضع الترتيبات اللازمة لفتح المنطقة الخضراء أمام العراقيين.
وأوصى العبادي بتشكيل لجان قانونية مختصة لمراجعة بيع وإيجار وتمليك عقارات الدولة في بغداد والمحافظات في المرحلة السابقة لأي جهة كانت، وإعادة الأموال التي تم الاستيلاء عليها خارج السياقات القانونية إلى الدولة.
وأغلقت فصائل وأحزاب سياسية وشخصيات ذات نفوذ الكثير من المناطق في بغداد وغيرها من المدن في السنوات الأخيرة، بسبب انتشار التفجيرات.
هذا وتزامنت الإصلاحات مع تنظيم تظاهرات في العاصمة العراقية ضد الفساد وغياب الخدمات وعدم توافر الوظائف، إلى جانب المطالبة بإصلاح المؤسسة القضائية، ومحاكمة المتورطين في سرقة المال العام.
فالمنطقة الخضراء التي تعرف أيضاً بـ«المنطقة الدولية» وهي حالياً من أكثر المواقع العسكرية تحصيناً في قلب بغداد، وتحتوي على مكاتب الحكومة العراقية إلى جانب سفارتي الولايات المتحدة وبريطانيا، ومقرات منظمات ووكالات حكومية وأجنبية لدول أخرى، بالإضافة إلى كونها مقر إقامة العديد من المسؤولين العراقيين، ورسمت الولايات المتحدة حدود المنطقة عام 2003، بعد دخولها إلى بغداد.
وأحاطت القوات الأميركية المنطقة بأسوار عالية من الجدران الكونكريتية وأوكلت مهمة حراستها إلى القوات الأميركية وشركات الحماية الخاصة التي تعمل تحت إشرافها، وأغلقت جميع الطرقات المؤدية اليها، وقد أثرت تأثيراً سلبياً على حياة البغداديين اليومية، وتمتد مساحة المنطقة على ما يقارب الـ10 كلم مربع وسط بغداد.
وقد ابتدع مصطلح «المنطقة الخضراء» بعض أفراد الأمن الأميركي لتصنيفها بمثابة المنطقة الآمنة، والعراقيون الوحيدون الذين دخلوا المنطقة الخضراء هم الذين عملوا لمصلحة الأميركيين. وفي المقابل سميت بقية بغداد بـ«المنطقة الحمراء».
هذا وأعلن محافظا الديوانية والمثنى في العراق أمس تقديم استقالتيهما إلى رئيس الحكومة حيدر العبادي بانتظار موافقته عليها.
وأكد محافظ المثنى إبراهيم الميالي أن استقالته من منصبه جاءت استجابة لمطالب متظاهري المحافظة الواقعة جنوب العراق، فيما قال عمار المدني محافظ الديوانية المجاورة، إنه «من غير الممكن المضي بالإصلاحات التي أعلنها رئيس الحكومة، في ظل وجود حلقات عدة تعرقل تحقيق المطالب».
وأضاف المدني أن «الطريقة الوحيدة للمضي بالإصلاحات في محافظة الديوانية، هي الحصول على دعم مباشر من رئيس الوزراء لتحقيق الاستقرار الإداري وضرب مكامن الفساد والتوافقات السياسة التي سببت خراب البلد بقوة».
وكان العبادي أعلن عزمه مواصلة خطواته الإصلاحية مهما كان الثمن، مؤكداً وجود جهات تعرقل الإصلاح، في حرب جديدة يخوضها العراق ضد لفساد في مؤسسات الدولة، ونجحت الثورة على الفساد في دفع السلطة إلى إقالة بعض المسؤولين وإصدار أحكام اعتقال بحق آخرين وسط حديث صريح عن استجواب وإقالة أي مسؤول يخفق في مهمته.
وبدأ العبادي من هرم السلطة في قراراته الإصلاحية… وحظيت القرارات بتأييد شعبي واسع، بعد خروج تظاهرات في 31 تموز في بغداد ومدن عراقية أخرى للمطالبة بتنفيذ الإصلاحات والقضاء على الفساد، وبخاصة أيام الجمعة في نهاية كل أسبوع، وفي كل مرة يرفع المتظاهرون شعارات عدة، منها مطالبة الحكومة بتوفير الخدمات الأساسية للشعب العراقي ومحاسبة الفاسدين والمتهمين بالفساد، ومنعهم من السفر، وتقديم الإصلاحات في القضاء، كما طالبت الجموع بتحويل النظام البرلماني الحالي في البلاد إلى نظام رئاسي.
وأكد العديد من التظاهرات دعمها للقوات الأمنية في محاربتها للإرهاب في ظل سيطرة تنظيم «داعش» على مساحات شاسعة من البلاد، وأعلنت تأييدها للخطوات الإصلاحية التي أقرها رئيس الحكومة حيدر العبادي.
ويرى بعضهم في تلك الحزمة من الإصلاحات استشعاراً بخطر تردي الوضع الأمني والخدماتي جراء سنوات من الفوضى والفساد الذي استشرى في عراق ما بعد الغزو الأميركي، في حين يرى آخرون أن إصلاحات العبادي بدأت تخلق نوعاً من التقسيم داخل الحكومة العراقية، إذ دعا الرئيس العراقي فؤاد معصوم إلى عدم تجاوز الدستور وعدم إيقاف العمل به، وتأتي هذه التصريحات فيما يبدو على خلفية إلغاء العبادي مناصب نواب رئيس الجمهورية التي كان يشغلها السياسيون نوري المالكي، وأياد علاوي، وأسامة النجيفي. فيما أكد رئيس الحكومة حيدر العبادي أن إصلاحاته التي قام بها دستورية وقانونية وسيمضي فيها قدماً.