قانون الإرهاب في مصر… ضوابط للاستقرار أم انتهاك لحرية الرأي والتعبير؟
بشير العدل
رغم تصديق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على قانون مكافحة الإرهاب ودخوله حيّز النفاذ، إلا أنّ ردود الأفعال حوله ما زالت تتوالى ما بين التأييد والرفض، وامتدّ نطاق الخلاف حوله من الداخل إلى خارج حدود الدولة المصرية، بعد أن تلقفته جهات إعلامية ومنظمات حقوقية دولية بالنقد، واعتبرته انتهاكاً صارخاً لحرية الرأي والتعبير في مصر، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية لإصدار بيانات باللغتين العربية والإنجليزية تبيّن فيها أسباب إقدامها على هذا القانون، وكلفت سفاراتها في الخارج بضرورة شرحه للجهات الأجنبية ودوائر صنع القرار في الخارج.
يأتي هذا في وقت بادرت فيه جهات أخرى داخل وخارج مصر إلى الإشادة بالقانون ووصفته بأنه أحد مقتضيات المرحلة وآلة من آليات الدولة المصرية التي يحق لها استخدامها دفاعاً عن استقرارها ومواجهة منها للعمليات الإرهابية التي زادت موجاتها خلال السنوات التالية لعزل الرئيس المصري السابق محمد مرسى، وهو ما يطرح تساؤلات حول هذا القانون وهل بحق هو أحد مقتضيات ومتطلبات استقرار مصر أم أنه اجتزاء لحرية الرأي والتعبير في مصر؟
في محاولة للتوصل إلى إجابة على تلك التساؤلات ينبغي أولاً الإشارة إلى النقطة الخلافية التي أثارت انقساماً وتبايناً في الرأي سواء على المستوى المحلي أو الدولي وهي تلك المرتبطة بحرية الرأي والتعبير والتي وصفها البعض بأنّ المقصود بها هم الصحافيون، وهي المادة 35 من القانون والتي جاء نصها على النحو التالي: «يعاقب بغرامة لا تقلّ عن مائتي ألف جنيه ولا تتجاوز خمسمائة ألف جنيه كلّ من تعمّد بأي وسيلة كانت نشر أو إذاعة أو عرض أو ترويج أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أعمال إرهابية وقعت داخل البلاد أو عن العمليات المرتبطة بمكافحتها بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع وذلك كله دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقرّرة.
– وفي الأحوال التي ترتكب فيها الجريمة بواسطة شخص اعتباري يعاقب المسؤول عن الإدارة الفعلية لهذا الشخص بذات العقوبة المقرّرة في الفقرة الأولى من هذه المادة ما دامت الجريمة قد ارتكبت لحسابه أو لمصلحته ويكون الشخص الاعتباري مسؤولاً بالتضامن عما يحكم به من غرامات وتعويضات.
– وفي جميع الأحوال للمحكمة أن تقضي بمنع المحكوم عليه من مزاولة المهنة لمدة لا تزيد على سنة إذا وقعت الجريمة إخلالاً بأصول مهنته»، وقد جاء هذا النص بعد استجابة لمطالب الجماعة الصحافية في مصر بإلغاء مادة سبقت في مشروع القانون قبل التصديق عليه والتي كانت تفرض الحبس وتمّ استبدالها بالغرامة المالية.
وقد اختلفت التفسيرات حول هذه المادة واعتبرها كثيرون وفي مقدمتهم الصحافيون بأنها تمثل انتقاصاً من حرية الرأي والتعبير وأنها طريق مؤكد لحبس الصحافيين نظراً إلى ارتفاع الغرامة المالية وتقديرها فوق قدرات الصحافي أو المؤسسات الصحافية، والتي لن يجد الصحافي أو مؤسسته سبيلاً إلى دفعها مما يؤدّي في النهاية إلى حبسه، أيّ أنّ الطريق النهائي هو حبس الصحافيين وهو الأمر الذي رفضته الجماعة الصحافية واعتبرته نوعاً من فرض القيود على حرية الرأي والتعبير، بل وجعل الصحافيين مجرد «بوق للسلطة» على حدّ وصف بعض المعترضين عليها.
غير أنّ الأزمة الأكبر في تلك المادة هي الفقرة الأخيرة والمتعلقة بحق المحكمة في عقوبة منع مزاولة المهنة لمدة عام على الأقلّ، وهو ما يعد تدخلاً في قانون نقابة الصحافيين، ويمثل أيضاً مخالفة دستورية بعد أن قصر القانون والدستور وحتى مشروع تنظيم الصحافة والإعلام الجديد محاسبة الصحافيين على النقابة وحدها دون أي جهة أخرى وهو الأمر الذي يصف القانون بأنه غير دستوري حال تطبيقه على الصحافيين.
في المقابل يرى البعض أنّ المادة لا تتعلق بالعمل الصحافي وإنما تتعلق بمن يمارسون عمليات النشر سواء من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أو المدونات الشخصية، وأنّ ذلك الأمر لا يمتدّ في أثره القانوني على الصحافيين… وربط المؤيدون لهذا الاتجاه بتعمّد الصحافي نشر الأخبار الكاذبة.
ما بين وجهتي النظر يبقى قانون مكافحة الإرهاب محلّ جدل في مصر ومثار ترقب خلال الفترة المقبلة، نظراً لما له من تأثير حتى وإنْ كان نظرياً على حرية الرأي والتعبير في الوقت الذي تؤكد فيه الآراء المؤيدة أنه أحد دواعي استقرار الدولة وأنه لا يمتدّ للصحافيين من قريب أو بعيد، وأن التخوفات التي تبديها الجماعة الصحافية لا مبرّر لها.
مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة