ماذا تريد قطر من الإعلام اللبناني؟
روزانا رمال
منذ الستينات وبدء ظهور مشيخات الخليج وبدء تفتح قادة المملكة السعودية على سياسة عربية خارج الحدود، في المواجهة مع المدّ الذي أطلقه جمال عبد الناصر كزعيم عربي نجح في استنهاض الملايين من العرب وتحول إلى زعيم عابر للحدود تخطى بأشواط من كانت تظنه السعودية أول زعامة عربية مع الشريف حسين الذي خرج من أرضها ليقود الثورة على العثمانيين بالتعاون مع بريطانيا واتخذ من الأردن مقراً لقيادته.
فيما اهتمت السعودية بمواجهة جمال عبد الناصر واستنهضت الطبقات التقليدية في البلاد العربية وقدمت لها الدعم المالي والسياسي ورعت تشكيل أحلاف معها، كانت أولى نتائجها بدعم أميركي مواجهات عديدة عرف لبنان بعضاً منها في الخمسينات، بدا أنّ المدّ الناصري لا يكسر بهذه الطريقة التقليدية ولم تجد السعودية أمامها منصّة قادرة على لعب هذا الدور أفضل من بيروت كمنبر إعلامي عربي فريد تتولى بصورة ذكية بعض صحفه وأقلامه خوض معركة شيطنة جمال عبد الناصر.
مشيخات الخليج الأخرى لم يكن لديها مشروع مشابه للسعودية لكنها، من دون استثناء، اهتمت بلبنان كمنبر إعلامي، ولكن لهدف محدّد ومحدود، وهو تسويق الدولة والحاكم وبعض الإنجازات الاقتصادية والمشاريع العملاقة التي تشبه ما تقوم به الدول الغربية من أبراج شاهقة وشبكة طرق وجسور ومحطات كهرباء وسواها من المظاهر التي تعكس التقدم العمراني.
تغيرت المعدالة جذرياً في عهد الفضائيات وثورة التواصل الاجتماعي والمعلومات وظهور الجيل الجديد في الخليج وتبدل طبيعة قواعد العلاقة الغربية بدول الخليج، فظهرت دولة قطر كنموذج جديد لعلاقة دول النفط بالإعلام وتبعتها السعودية ودول خليجية أخرى، باستثناء الكويت التي تتمتع بعراقة في عالم الصحافة تحاكي حال لبنان.
تقدمت قطر، كبديل لبيروت بداية، وسعت إلى استقطاب الكفاءات اللبنانية إلى الدوحة، أسوة باستقطاب كفاءات عربية متعدّدة، وقدمت أول قناة عربية فضائية جريئة تفوقت على النماذج اللبنانية والكويتية في مساحة الإعلام الشجاع وسقف القدرة على الانتقاد والوقوف مع قضايا جاذبة للرأي العام، وصولاً إلى اللعب على حافة الخط الأحمر للدولة التي تمولها، وتحالفاتها، وتحملت قطر تبعات كثيرة جراء هذه الشجاعة التي تميزت بها «الجزيرة» في حربي تموز 2006 وغزة 2008 خصوصاً، وكذلك في مواجهتها لملفات تخصّ مصر والسعودية وسواهما.
لاحقاً، تبعت السعودية قطر وتغيرت معالم الصحف التي تملكها وأهمها «الحياة» و«الشرق الأوسط» وولدت قناة «العربية» ومن ثم مولودتها «الحدث»، ومنح القيمون على هذا الإعلام هوامش تقترب من هوامش قناة «الجزيرة» القطرية التي ثبت أنها صارت مصدر قوة لحكومة دولة صغيرة الحجم، بعد أن وضعتها في مصاف اللاعبين الكبار.
مع بداية الربيع العربي، بدأ الاستثمار المشترك السعودي ـ القطري لهذه المنتجات الإعلامية التي تحاكي السوق العالمية بالسلع والبضائع التي تعرض بيعها للمستهلك العربي المتعطش لسلعة اسمها الحرية، ولاحقاً الثورة ومعهما دور الشباب من دون أن تعطل المهمة الترويجية المعرفة المسبقة للمتلقي بالطلاق الكامل بين ما يسمعه ويراه عبر قناتي «العربية» و«الجزيرة» وحقيقة ما تجسده الحكومتان السعودية والقطرية من قيم.
نجحت القناتان في مهمّة «الربيع العربي» وتهاوت أنظمة وانطلقت الفوضى في دول عربية عدة، وفي مصر كرّرت «العربية» منفردة الحملة فيما بعد، وسقط الرئيس المدعوم من «الجزيرة» وتسلم الرئاسة رئيس مدعوم من «العربية»، لكنّ القناتين لم تفترقا حول سورية ولبنان.
بعد حرب دامت خمس سنوات والفشل في سورية والفوضى التي تبعت «الثورة» في «بلاد الربيع» فقدت «العربية» و«الجزيرة» القدرة على خوض حروب إعلامية جديدة تواصل المسيرة من خلالها وفقدت الساحات العربية قدرتها على تقديم الشعوب مجدّداً إلى الساحات بعد التجارب المرة والدامية، وداهم الاتفاق النووي جميع اللاعبين الإقليمين، ما استدعى التوجه إلى حيث التغيير يجدي ويمكن وتوجد الوسائل القادرة وفي أقلّ وقت ممكن، إذن إلى بيروت حيث حزب الله كلمة السرّ.
تبدلت المنهجية في قطر وعادت إلى زمن العزّ، تبحث عن البدائل في بيروت عبر فضائيات غير مستهلكة ولا يزال رصيدها لدى المشاهد العربي، وخصوصاً اللبناني والسوري قادراً على إحداث التغيير المنشود.
المهمّة محدّدة، تفيد ببساطة بأنّ لدى قطر منتدى الدوحة لمنظمات المجتمع المدني العربي الذي تنتسب إليه عشرات الجمعيات اللبنانية القادرة على إطلاق تحرك مدني في وجه الطبقة السياسية اللبنانية، وبصورة تقدمه كبداية ثورية شبابية شاملة ضدّ السياسيين من دون استثناء، ليصل الرذاذ وتصيب الشظايا من يهمّ قطر أن تلحق به الأذى وتوصل إليه الرسالة، الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والمطلوب حملة إعلامية فاعلة واستنفار يستعيد ما فعلته «الجزيرة» و«العربية» في مرحلة «الربيع العربي». إنه «ربيع لبنان» والشريك أهم وأفعل قناتين فضائيتين لبنانيتين لا يسهل اتهامهما بالتواطؤ أو التآمر على حزب الله ومقاومته.
تمّت الصفقة وبدأت المهمّة، نزل الناس الطيبون وبعض الرومانسيين والطوباويين الحالمين بوطن حقيقي لا فساد ولا طائفية فيه، وحمل شعار «كلكن يعني كلكن» مضمون ما تريد الدوحة من تمهيد لوضع رأس جسر لبلوغ أقرب نقطة ممكنة من أذن حزب الله.
الآن بدأ زمن الرسائل، الزبداني مقابل صور السيد نصرالله، سقطت الزبداني، غداً القنيطرة مقابل ماذا؟