القضية الفلسطينية… إلى أين تتجه؟
محمد شريف الجيوسي
هل تعيش القضية الفلسطينية الآن مرحلة مفترقات طرق، تدخل بنتيجتها مرحلة موات جديدة أو انقسام مكرسة باحتضانات إقليمية ودولية مواتية من وجهة نظر أعداء القضية.
أم أن القضية الفلسطينية مقبلة على مرحلة تصويب للمسار يحظى بشبه إجماع فلسطيني وإقليمي ودولي، مستفيدة من انتكاسات مشاريع الفوضى «الخلاّقة» والشرق الأوسط الاستعماري وتخلي الحاضنات الشعبيةعن مشاريع «الربيع العربي» الزائفة ومآلاتها الإرهابية التدميرية التكفيرية الوهابية والإخونية الجهالية، ومستفيدة من فشل حصارات إيران حد اضطرار الغرب توقيع اتفاق معها رسمته معادلة الفشل الغربي.
وهل يمكن للقضية الفلسطينية الاستفادة من صمود سورية 54 شهراً عصيباً؟ بدا الغرب الأميركي والأوروبي والصهيوني وأذياله الإقليمية معنيين إلى حد كبير بالبحث عن ضوء في نهاية نفق أرادوه لسورية فإذا بهم يجدون أنفسهم داخله.
القضية الفلسطينية تعيش مرحلة «اشتباك» ما بين معادلتين، أولاهما إصرار المعسكر الغربي الأميركي الأوروبي الصهيوني وأذياله على إدخال القضية مرحلة سبات أبدي أو لفترة مديدة على أقل تقدير، وبين مستجدات معادلة جديدة تتقدم بصمود وثبات على رغم كل الويلات والتضحيات والحصارات، يقودها محور المقاومة وتسانده إلى حد ما روسيا والصين وفنزويلا وغيرها، فيما يعيش الغرب الاستعماري مرحلة نكوص وأزمات وتراجع متلاحق على غير صعيد.
وليس واضحاً في ظل الانقسام الفلسطيني، وعدم انحياز معظم الأطراف الفلسطينية الرئيسة لمحور المقاومة، واستشراس المعسكر المعادي للقضية والأمة، جراء ما يحصده من فشل في المنطقة، أن القضية مقبلة على تحولات عميقة قادرة على الاستفادة من المستجدات الإيجابية لدى محور المقاومة وأصدقائه.
لقد اضطر التعنت الصهيوني المدعوم أميركياً حتى تجاه تسوية ناقصة منقوصة، السلطة الفلسطينية التي كانت تراهن على دويلة فلسطينية، إلى الابتعاد من مفاوضات عبثية استمرت نحو عقدين من الزمن من دون نتائج إيجابية، بل على نقيض ذلك أقيمت مئات المستعمرات الصهيونية وبني جدار الفصل العنصري وطوقت مدينة القدس بالمستعمرات وسحب حق المواطنة من فلسطينيين في القدس وهدمت بيوت وشرد مزيد من الفلسطينيين واعتدي مئات المرات على حرمة الأماكن المقدسة المسيحية والإسلامية وبخاصة المسجد الأقصى.
والغريب أن الصلف الصهيوني الغربي لم يكرس اللحمة الفلسطينية ـ الفلسطينية، بل حدث انقسام فلسطيني عميق، ولم تطبق الاتفاقات التي وقعتها القوى الفلسطينية بما فيها طرفا الخلاف الرئيسيان، وجلس طرف الخلاف الذي اعتبر جزءاً من محور المقاومة بعض وقت، في حضن قطر وإلى حدٍ ما في أحضان الرياض على رغم اعتبارها الإخوان حركة محظورة، ولم تقترب السلطة من محور المقاومة بقدر ابتعاد ذاك الفصيل منها، ما خلق هوة ليست في مصلحة القضية ولا محور المقاومة، على رغم أن بعض الأطراف الفلسطينية ما زالت تعتبر جزءاً من هذا المحور.
وربما كان قرار رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون بتأجيل اجتماع دورة المجلس الوطني الفلسطيني التي كانت مقررة أواسط أيلول 2015، وقراره بإجراء مشاورات لعقد اللجنة التحضيرية الخاصة بإعادة تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، ودعوته لجنة الدستور لصياغة قانون جديد للسلطة وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية، قرار حكيم، باعتبار أن المنظمة هي المرجعية الأشمل تمثيلاً للشعب العربي الفلسطيني وقواه، في الوطن ودول الجوار والشتات والمعترف بها دولياً، وباعتبار أن إمكان الكيان الصهيوني في «القبض» عليها غير ممكن موضوعياً على خلاف السلطة «الوطنية المستقلة».
وعلى رغم أن القضية الفلسطينية تعيش الآن حالة صعبة موضوعياً بحكم أوضاع المنطقة المنشغلة بجراحاتها وانقساماتها وتكالب الأعداء عليها وتفريط أطراف رجعية وحالة ذاتية من انحياز أطراف فيها للمحور المضاد المقاومة، إلا أن إمكان تغيير المسار نحو استعادة زمام المبادرة واردة بقوة، يفرضه التعنت الصهيوني المجرب والممارسات الإرهابية المجربة أيضاً، اللذان يخدمان اتجاهاً واحداً اتفقا أو اختلفا في الظاهر، وهو العداء للأمة واستهدافها حضارة وواقعاً ومستقبلاً.
ومن مؤشرات إمكان تجاوز القضية الفلسطينية لأزمتها الموضوعية والذاتية، توصل السلطة الفلسطينية في هيئاتها القيادية إلى ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقة مع الكيان الصهيوني ووقف التنسيق الأمني والتوجه بسرعة أكبر للدخول في المنظمات الدولية، ومقاضاة «إسرائيل» لدى محكمة الجزاء الدولية، للخلاص من «دمامل» أميركية لطالما تعلقت بالسلطة وشكلت عناصر معيقة داخلها.
ومن العناصر الإيجابية، تحول المنظمة جزئياًَ نحو تطوير علاقاتها مع سورية، وافتضاح طرف كان يستغل ثقة الدولة السورية به لمصلحة إخوانيي سورية.
ومن العناصر الإيجابية للقضية فشل المشاريع الأميركية في المنطقة التي كانت بصدد نقل السلطة في عدد من الأقطار العربية إلى جماعات إخوانية وسلفية تكفيرية تنتقل بالصراع من مناهض للكيان الصهيوني إلى صراعات أهلية وإقليمية ومذهبية تكفيرية وطائفية وإثنية وتاريخية.
لكن هذا الفشل الذي تجلى أولاً على الأرض السورية، ما زال يعيش حالة من الارتدادات ومحاولات استرداد زمام المبادرة ولو سياسياً وكسب ما لم يحقق على الأرض عسكرياً، ما يستوجب انتهاز القيادة الفلسطينية زمام المبادرة في أخذ مكانها الطبيعي داخل محور المقاومة وليس بجانبه.
ليس لدى السلطة الفلسطينية بعد عقدين ونيف من المفاوضات العبثية ما تخسره بانضوائها في محور المقاومة، فالراعي الأميركي شكل دور «المحلل» والمطوّع للفلسطينيين لمصلحة «إسرائيل» ولم تأخذه «رحمة» بهم، فيما رضخ لإيران القوية.
بالتأكيد لا يمتلك الفلسطينيون عناصر القوة التي تمتلكها إيران أو سورية، ولكن يمكن أن تكون مقاومتهم كالمقاومة اللبنانية التي امتلكت عناصر قوة أضعافاً مضاعفة بانضوائها في محور المقاومة، بل أصبحت رأس حربته، كما يمكن أن تصمد كغزة التي هي الجزء الأضعف في القضية الفلسطينية على رغم أن أطرافاً في غزة اختارت أن تصبح خارج معادلة المقاومة فجلست في حضن قطر، لكن محور المقاومة لا يتخلى عمن يصبح موضوعياً في مواجهة عدوان الكيان الصهيوني وإن لم يشأ ذلك.
ليس أمام أصحاب القرار الفلسطيني إلا أن يحزموا أمرهم ، ويتخذوا ربما القرار الأصعب في ظاهره، بالعودة إلى محور المقاومة والانخراط فيه بقوة، بعد 25 سنة من الضياع في أنفاق المفاوضات العبثية مع عدو لا عهد له ولا ذمة.
وإذا كانت المراهنة على المفاوضات فرضتها ظروف دولية وإقليمية مطلع تسعينات الألفية الثانية، فإن تلك الظروف أضحت الآن في تلاش ملحوظ، ما يستوجب إعادة النظر وبقوة في تلك المبررات التي أمست أكثر من واهية والعودة للأصول المفترضة التي على أساسها أقيمت منظمة التحرير الفلسطينية وتبعتها الثورة والمقاومة بأشكالها كافة ومجتمعة.
m.sh.jayousi hotmail.co.uk