الشارع أمام «المحرّك القطري» أين العسكريين؟
روزانا رمّال
بات الشارع اللبناني ثائراً ومنتفضاً وغاضباً دائماً، كسمة عامة منذ فترة غير قليلة من الزمن، لأسباب متوقعة حيناً وغير متوقعة أحياناً. وكأنّ هناك من لا يريد لهذا الشارع أن يهدأ لحسابات محدّدة، وهو الذي يتعرض وتعرض لخضّات متعدّدة برز أخطرها لدى تحرك فئة من المتطرفين في مدينة صيدا مطالبين بتسليم سلاح حزب الله للدولة اللبنانية ووقف عملياته العسكرية في سورية التي تساند نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وهي حركة الإرهابي أحمد الأسير.
لم يترك أحمد الأسير الشارع، لكن في المقابل لم تتعاط معه الدولة حينها بالحزم المطلوب الذي كان ينشده اللبنانيون، لأنّ جزءاً كبيراً من السياسيين والقوى الأمنية كانوا يستشعرون ارتباطات خارجية تجعل من الأسير طرفاً مدعوماً من جهات نافذة خارجياً مطابقة داخلياً مع بعض القوى، وكان أحمد الأسير قد تسبب بموجة قلق كبيرة في مدينة صيدا بعدما سكن وجماعاته في أحياء رئيسية فيها، فكان لمنطقة عبرا النصيب الأكبر، كما شارك الأسير بعدة عمليات وتفجيرات في لبنان وجنّد شباباً من أجل القتال في سورية.
لم تستطع الدولة اللبنانية، رغم معارك عبرا الخطيرة التي نجح الجيش خلالها في تحرير المنطقة من الإرهاب القابع فيها لفترة أكدت أنّ الغطاء السياسي على الأسير وجماعته كان مطلوباً وبناء عليه تمت حماية الأسير وتهريبه إلى أن تمّ إلقاء القبض عليه مؤخراً على يد جهاز الأمن العام.
اعترف الأسير لدى الأجهزة الأمنية بأنه كان مدعوماً من دولة قطر وبأنّ في لبنان قوى سياسية دعمته وغطته إلا أنها عادت وتخلت عنه. وقد نقلت المعلومات أنّ علاقة آل الحريري بهذا الملف أي بطريقة أخرى دعم آل الحريري، أكدت دعماً سعودياً للأسير، مضافاً إلى الدعم القطري ما لبثت السعودية أن تراجعت عنه فتراجع الحريري.
الشارع في لبنان لم يهدأ ويبدو أنّ اللاعب القطري حاضر دوماً لتلبية المخططات المتعلقة بكلّ ما يتناسب مع مشروع تركيا الأم المخطط بيد قطر المنفذ كحليفين استراتيجيين.
تحرك الشارع اللبناني مجدّداً مرتين وفي مناسبتين متشابهتين، الأولى عولجت والثانية لا تزال عالقة والحالتان تشرحان بعضهما فقد تمّ اختطاف زوار لبنانيين ذهبوا إلى سورية في زيارة دينية على يد مجموعات إرهابية فمكثوا في منطقة أعزاز من دون أن تتمكن الدولة اللبنانية من استعادتهم لولا مقايضة العين بالعين والسن بالسن، أي بعد خطف طيارين تركيين. اللاعب القطري كوسيط كان دخل على خط الأزمة مباشرة ففاوض والأجهزة الأمنية إلى أن تُوجت مباشرة بنجاح المفاوضات مع الأتراك ولكن قبل هذا النجاح، عاش الشارع اللبناني ضغطاً هائلاً بسبب الاحتجاجات التي كانت تعمّ الشوارع وهي اعتصامات وقطع طرقات لأهالي مخطوفي أعزاز مدفوعين للضغط على الحكومة اللبنانية وحزب الله الذي ينشط في سورية، اعتقدت قطر وتركيا حينها أنها إحدى وسائل الضغط على حزب الله وطريقة ناجحة لتلقيه الرسالة.
الشارع اللبناني عاد وتحرك وناشد قطر والمفاوض التركي مجدّداً، لكن هذه المرة بعدما تمّ خطف عدد من العسكريين اللبنانيين الذين ينتمون إلى الطوائف اللبنانية كافة، والأخطر أنّ بعضاً منهم استشهدوا ذبحاً بعدما أصبحوا ورقة ابتزاز وضغط على الحكومة اللبنانية لرفض تدخل حزب الله في سورية وحثه على الاقتناع بأنه سبب في أي أذى يطال العسكريين، حتى أن التسجيلات المصورة التي بُثت للعسكريين طالبوا فيها حزب الله، ومعه الحكومة، بتحمل مسؤولية حياتهم. وعليه نزل أهالي العسكريين إلى الشارع واعتصموا في بيروت في مخيم صغير لا يزال حتى الساعة حاضراً لكنه التقى مع ساحة أخرى.
تردّدت المعلومات عن أنّ جهات إقليمية تدعم «جبهة النصرة» و«داعش» كانت تستغل عاطفة أهالي العسكريين وتحثهم على التحرك من أجل الضغط على الحكومة اللبنانية فكانت ترسل إليهم رسائل نصية تثير قلقهم وذعرهم وتعدهم بتنفيذ أحكام إعدام لأبنائهم فتثار حفيظتهم وينزلون إلى الشارع غاضبين.
هكذا هي حكاية العسكريين المخطوفين بين صولات وجولات، بين مفاوضات مع وسيط قطري ومخابرات تركية، لكنها اليوم غابت والسؤال لماذا؟
بربط الأحداث تسلسلاً كدلائل، يتضح اليوم أنّ الشارع اللبناني هو إحدى الأوراق التي يعتمد عليها المحرك القطري ـ التركي في لبنان وإحدى الأوراق التي يحتفظ بها اليوم هي ورقة العسكريين المخطوفين التي من الواضح أنه يريد التفاوض عليها لكنه، في المقابل، لم يترك الشارع على الإطلاق وقد حركه بخطة مسبقة ومحكمة استطاع من خلالها إخراج الشباب اللبناني عن صمته ليطالب بكلّ ما هو محقّ لكن بظروف وأدوات وعناصر وإعلام مشبوه.
اللاعب القطري لم يتخلّ عن الشارع وهو مستمر بعد تراجع سعودي واضح في هذا الإطار، تماماً كما تراجعت في ملف أحمد الأسير لسياسات تبقى أكثر عقلانية تجاه فرادة العلاقة مع الفرقاء اللبنانيين. أما قطر ومن ورائها تركيا، فلا تزال تنسق بين الشوارع فتهدّئ هذا وتطلق ذاك ليبقى السؤال أين هي اعتصامات أهالي العسكريين والضغط عليهم وتهديدات «النصرة» و«داعش»؟ أين أصبح ملف أبنائهم وما هو مصيرهم ومصير المفاوضات؟ وهل باتت قطر تلعب على المكشوف؟