المغرب: قصة نجاح سياسي أم تنموي؟
إنعام خرّوبي
لطالما أحاط المغرب نفسه، منذ اندلاع موجة الربيع العربي، بذلك السؤال الكبير حول الكيفية التي تفادى من خلالها «الكأس المرة» لما يجري في المنطقة منذ قرابة الخمس سنوات.
في حقيقة الأمر، قد تبدو الإجابة عن هذا السؤال مرتبطة في جانب منها بمبادرة السلطات المغربية إلى استباق «الفعل الثوري» بـ «ردّ فعل ثوري» من صنيعتها سواء عبر خطوات سياسية كإقرار دستور جديد وإجراء انتخابات نيابية أعقبها تشكيل حكومة جديدة بـ «نكهة إسلامية»، وهو الأمر الذي لاقى إشادات من واشنطن وموسكو وعواصم دولية أخرى، أو عبر التركيز على الخطط والمشاريع الاقتصادية الطموحة لتعزيز شرعية الحكم القائم وتحصينه من المتغيّرات.
وإذا كان هذا «الانفتاح السياسي» غير المسبوق في تاريخ المغرب أول ثمار النهج الجديد في الرباط، فإنّ للاقتصاد حصّته الوازنة في هذا النهج الجديد. فمن خطة تطوير مدينة طنجة والنهوض بها على المستويين التجاري والصناعي بمليارات الدولارات مروراً بتخفيض العجز التجاري بأكثر من 20 في المئة خلال الأشهر الثمانية الأولى، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، وصولاً إلى مشاريع الطاقة المتجدّدة، تحاول الرباط الترويج لمظهر اقتصادي برّاق يعوّض بعضاً أو كثيراً من نواقص المظهر الأقلّ جاذبية على المستوى السياسي.
وبالنظر إلى استحواذ المملكة المغربية على أحد أعلى معدلات عزل الطاقة الشمسية في أي دولة، وهو حوالي 3000 ساعة من سطوع الشمس، ومع تحوّل الكهرباء المولّدة عبر ألواح الطاقة الشمسية إلى أن تصبح أكثر تنافسية، لجهة الكلفة، مقارنة بالمصادر الأخرى، جرى الإعلان عن أحد أكبر مشروعات الطاقة الشمسية في العالم. فقبل نحو عام، أعلنت الرباط عن برنامج لبناء أول محطة حرارية تعمل بالطاقة الشمسية في المغرب في إطار مشروع إنمائي واسع بكلفة تسعة مليارات دولار. ومن المعلوم أنّ لدى المغرب خططاً لإنشاء خمسة مواقع لتوليد الطاقة الشمسية في البلاد بأكملها استتباعاً لـ «خطة تطوير الطاقة» في العام 2004، واستكمالاً لـ«خطة الطاقة الشمسية» التي أعلن عنها في العام 2009.
وتتمثل المرحلة الأولى من مجمع الطاقة الشمسية في توليد 500 ميغاوات، وتهدف إلى توليد 2000 ميغاوات من الطاقة الشمسية بحلول عام 2020، أيّ ما نسبته 38 في المئة من الطاقة المولدة في البلاد، بحسب مسؤولين مغاربة.
وفي ظلّ زيادة الطلب على الكهرباء بنسبة تتراوح بين 6 و8 في المئة سنوياً منذ العام 1998، واعتماد البلاد على الخارج في تأمين حوالي 97 في المئة من احتياجاتها من الطاقة، كان من الطبيعي أن تلجأ الرباط إلى تنويع «سلالها الطاقوية»، وبالتالي إلى الطاقة النظيفة أو البديلة لأسباب شتى سياسية واقتصادية. فإلى جانب مشروع الطاقة الشمسية، يعتزم المغرب المضيّ قدماً في مشاريع توليد الطاقة من الرياح، كمحطة الرياح المنجزة في العام 2010 في مدينة طنجة بطاقة 140 ميغاوات ومشروع المحطة الريحية لطرفاية بطاقة 300 ميغاوات، وبحسب بعض التحليلات، يرغب المغرب بأن يصبح أول بلد عربي وأفريقي في مجال الطاقات النظيفة انطلاقاً من عشرين مليار دولار خصَّصها لهذا الغرض.
المُلاحظ أنّ حصة الطاقة المتجدّدة زادت من 0.24 في المئة عام 2003 إلى 10 في المئة عام 2011، فيما تقضي الخطة الحكومية بالوصول إلى تغطية 42 في المئة من حاجات البلاد بواسطة الطاقات المتجدّدة بحلول 2020.
وفي حال أنجزت مشاريع الطاقة المتجددة من المتوقع أن تنخفض واردات المغرب السنوية من النفط والغاز بواقع 2.5 مليون طن من المكافئ النفطي وتمنع انبعاث تسعة ملايين طن من ثاني أوكسيد الكربون. واللافت أيضاً أنّ المغرب سبق أن تراجع عن خطط سابقة لإنشاء مفاعلات نووية بسبب الأضرار البيئية والأخطار المختلفة لهذه المفاعلات وارتفاع كلفة الاستثمار والتشغيل فيها، لصالح الاستثمار في الطاقات النظيفة. وليس سراً القول إنّ توجهات الأخير تعدّ جزءاً من توجه عام في الشرق الأوسط نحو الطاقات البديلة. وبحسب بعض التقديرات، فإنّ حجم الاستثمارات المتوقعة في مجال الطاقة الشمسية خلال السنوات الخمس المقبلة في منطقة الشرق الأوسط يبلغ نحو 50 مليار دولار.
وكانت جمعية الشرق الأوسط لصناعات الطاقة الشمسية أعلنت، من جهتها، أنّ إجمالي ما أُنتج من الطاقة الشمسية في المنطقة بين عامي 2007 و2013 لم يتجاوز السبعين ميغاوات، في حين بلغ الرقم حوالي 287 ميغاوات في العام 2014. وتتوقع الجمعية أن يرتفع الرقم إلى أربعة أضعاف نهاية العام الجاري.
قد يقول البعض إنّ المغرب، وفي زمن الأزمات الكبرى في العالم العربي، يقدّم «قصة نجاح» تحتاج إليها أغلب الدول العربية غير الديمقراطية في أغلبها، فيما يقول آخرون إنّ المغرب الواقع على المحيط، يستنسخ، ولو جزئياً، نموذج العقد الاجتماعي القائم في مجتمعات الدول الحليفة له على أطراف الخليج القائم على ممارسة الإبهار الاقتصادي على المواطنين في مقابل الإنكار السياسي، من جانبهم، لأزمة حكم متوارثة عصيّة على التغيير الذي، إنْ أتى، فغالباً ما يأتي متأخراً أو فولكلورياً وشكلياً بلا أيّ معنى.
فهل تصحّ مقولة إنّ عين الرباط، وفي طفرة الإنجازات التنموية، على مكاسب سياسية تسلب بيد ما أعطته لمواطنيها باليد الأخرى؟ أم أنّ المغرب يمثل حقاً قصة نجاح سياسي وتنموي؟